سيــــاســة الأوهــام الأميركيـة فـي الشـرق الأوسـط

الخارجية-الأمريكية
حجم الخط

«اليوم لم نُبلغ عن خروقات في وقف النار»، هكذا قال الناطق بلسان الخارجية الأميركية، الثلاثاء الماضي، في اليوم الذي اعترف فيه الروس بـ 18 «خرقاً جدياً» في القتال، ونقل في الشبكات الاجتماعية بلا انقطاع عن عشرات الاحداث القتالية واكثر من 100 قتيل في سورية. إذاً، كيف حصل أن هذا ليس معروفاً للأميركيين؟ لان السياسة الأميركية في سورية انتقلت الى مجال الخيال: اذا ما تظاهرنا بشدة حقا، فلعله يكون وقف للنار.
إذاً، هذا هو، ليس هناك وقف نار. لقد انزلقت سورية مرة اخرى الى القتال في كل الجبهات، مع اعمال قصف روسية ثقيلة وتقدم لجيش الاسد او لجماعات الثوار، على نحو متبادل. الواقع لا يتظاهر. رغم أن الأميركيين اتفقوا مع الروس «على عدم البحث» في الخروقات. السياسة السليمة لواقع بديل تتحطم في الواقع على الارض.
الحقيقة المرة هي ان ايا من الاطراف لا يعرف ما العمل في سورية. الكل محوط بالمصائب والمخاوف، وعليه فانهم يتظاهرون. بشار يستجدي البقاء، وهو يعرف بانه ليس له أي أمل. ولهذا فانه يقصف من البر ومن الجو، ولكنه يخادع في وقف النار. وقد بات الروس يفهمون منذ الآن بأنهم دخلوا الى مستنقع عكر ليس له قاع، وهم أيضا يريدون نقطة انتهاء ما، ليست موجودة. الإيرانيون منشغلون بمشاكلهم، والثوار السُنة على جماعاتهم يحلمون بعظمة ما، لن تكون. فلماذا لا يتظاهرون، إذاً؟ في الخيال الكل ينتصر.
الاكثر تشوشا هم الأميركيون، الذين سلوكهم في سورية محرج: كانوا ضد الاسد ومع الثوار، بعد ذلك مع الاسد وضد الثوار، مع الثوار وضد الاكراد، وبعد ذلك مع الاكراد وضد الثوار، وفي واقع الامر مع الثوار ومع الاكراد، او واقع الامر ضد الثوار وضد الاكراد. مع اردوغان وبدون اردوغان، مع الروس وضد الروس. وما هي السياسة؟ أوهام.
غير أن سياسة الاوهام الأميركية لا تجري فقط في سورية بل في العراق ايضا. فمؤخرا فقط تباهى اوباما بان «داعش» يتراجع ويضعف. فكيف، إذاً، وصل، الاحد الماضي، عبر هجوم هائل الى مسافة 10 كم عن المطار الدولي في بغداد، انبوب الحياة للنظام الشيعي العراقي؟ ناهيك عن أن «داعش» يبطش بالجنود العراقيين في الرمادي وفي مدن اخرى وينجح في تفجير مئات الاشخاص في الشهر من خلال العمليات. الجيش العراقي نفسه يتردد في القتال مباشرة حيال «الدولة الاسلامية» التي تواصل التعزز واجتذاب المزيد من السُنة إليها.
اين كان الأميركيون في المعارك، الاحد الماضي؟ حسب تقارير عراقية (وهي ايضا نوع من الوهم) انسحب «داعش»، ولكنه لا يزال يوجد في كل مكان في غرب وشمال الدولة. الولايات المتحدة هي الاخرى تفهم بان قصفها لا يساعد حقا. فهل يدخل اوباما جنودا أميركيين الى المعركة البرية؟ من المشكوك فيه جدا. وعليه ففي العراق ايضا علق الأميركيون في طريق بلا مخرج، ثمرة تجاربهم الكثيرة. فقد اسقطوا صدام حسين، حسني مبارك، معمر القذافي، زين  العابدين بن علي، وعلي عبدالله صالح بسبب الاوهام. حصدوا الزعماء وزرعوا العاصفة.
وهكذا ليس فقط في سورية وفي العراق، بل أيضا في ليبيا، في اليمن، في مصر، وفي تونس، وفي بلاد اسرائيل (التي أسموها ذات مرة «فلسطين»). أولم يكن هذا هو جون كيري الذي حاول التوصل هنا الى تسوية قبل سنتين وفشل؟ في حينه أيضا، مثلما هو اليوم، كانت هذه سياسة اوهام. ومثلما مع الاسد قاتل الجماهير لن تكون تسوية، هكذا مع «عصابة» ابو مازن لن تكون تسوية، والان حان دور اوروبا لدفع ثمن هذه السياسة. الوحيدة التي بقيت مع ارجل متينة على ارض الواقع ولم تستسلم في واقع افتراضي من المصنع الغربي، هي إسرائيل.