ثمة ما هو مهم أن نتذكر أن حركة النضال الوطني الفلسطيني والكفاح الوطني هي عملية تراكمية تمتد بنشاطاتها المختلفة عبر عدة عقود. وإذا ما كان هناك إنجاز، فهو إنجاز للشعب الفلسطيني وليس لفئة ما أو جهة ما أو هذا القائد أو ذاك. في نفس الوقت، لسنا في هذا المقال في حالة تقييم للتجربة الفلسطينية بعجرها وبجرها، ولكن يبدو أن النخب الفلسطينية وتابعيها، والحالة التشريحية للأيقونة الوطنية، ما زالت منفصلة على ذاتها ومنقسمة على ذاتها. وقد أوجز بأن النصر هو عندما نحقق أهدافنا الوطنية بتفكيك هذا الكيان العنصري الفاشي النازي، وعودة الهوية التاريخية لهذه الأرض بجذورها الممتدة لآلاف السنين، والتي بقيت كما هي وانهزمت على أرضها عدة إمبراطوريات وغزوات وحملات عدوانية. السجال الدائر في الساحة الفلسطينية كما عهدناه في كل المراحل؛ كل يريد أن يثبت لنفسه بأنه هو صاحب الإنجاز أو ذاك. في حين أننا الآن نحن أمام جرف عميق: نكون أو لا نكون. ويبدو أن الانقسام ما زال يتعمق بين فريقين لا ثالث لهما: الفريق الأول، وما يدعي لنفسه الواقعية والبراغماتية، ويرسم برامجه بناءً على ما يسمى الشرعية الدولية، ومؤمن إيمانًا قاطعًا بأنه لن يستطيع الخروج ولو عدة خطوات خارج ما يسمى هذه الشرعيات. أما الفريق الآخر، وهو فريق الثوابت التاريخية في الصراع، والذي ينظر للمشكلة وللأزمة بوجود هذا الكيان الصهيوني العنصري على الأرض؛ هذه الفئة أو الفريق الذي يتمترس نحو مقاومة هذا المشروع، وبأقل التعديل أو التقديرات بعدم تمكينه من الاستقرار والأمان كما وعد مستوطنيه. في كافة الموازين، لا يمكن أن يتصور أحد أن قوة الفريق الثاني قادرة أن تحسم معركة عسكرية أو سياسية أو دبلوماسية في وقت محدد من الزمن. ولكن، كما قلت، فهي عملية تراكمية، ومهما استخدم الاحتلال من أدوات البطش والقوة الغاشمة فلن يحسم، ولن يستطيع أن يحسم ثوابت هذا الفريق، إلا إذا استطاع اختراقه وقدم تنازلات كما قدمها الفريق الأول (فريق الواقعية). وهنا أذكر بأن الاعترافات الهامة والمهمة التي حدثت في الآونة الأخيرة من اعتراف بالدولة الفلسطينية، وإن أتت على قاعدة نفي الآخر في الساحة الفلسطينية، وأتت على قاعدة مزيد من الهبوط لفريق الواقعية حتى في الخطاب أو الكلمة التي تناولها رئيس السلطة الفلسطينية. بلا شك أيضًا أن الاعترافات الأخيرة من الدول الغربية، وأهمها بريطانيا وفرنسا؛ الأولى صاحبة وعد بلفور وهي دولة الانتداب على فلسطين والمسؤولة ماديًا ومعنويًا عن إعلان دولة إسرائيل، والثانية فرنسا التي أنشأت مفاعل ديمونا النووي.
هذه الاعترافات أتت بالدرجة الأولى من نتاج صراع فرضته إدارة بايدن على أوروبا بالبعد الأوكراني والبعد الشرق أوسطي.
أما ثانيًا، فلا شمعة تضيء بدون وقود، وهذا الوقود هو عشرات الآلاف من الشهداء والتضحيات والصمود في غزة لعامين متتاليين في حرب تعجز دول عن الاستمرار بها. وهذه عظمة مقاومة الشعب الفلسطيني وتحمله وصبره الذي أذهل الجميع.
أما البعد الثالث لهذا الاعتراف فهو انكشاف نازية قيادة هذا الكيان وتجاوزها لكل القيم الإنسانية والأخلاقية في تعاملها مع غزة وأهلها، مما دفع شعوب العالم لكي تكون ضاغطة على حكوماتها ومشجعة لها لنبذ هذا الكيان الشيطاني في منطقة الشرق الأوسط. ولكنني أعيد وأذكر بحصر القرارات الدولية الصادرة لصالح الشعب الفلسطيني في الأمم المتحدة، وإن كان أهمها الاعتراف الدولي في الجمعية العامة يوم 22/9/2025.
أولًا: القرارات الصادرة عن الجمعية العامة، ولم تأخذ بعد تنفيذًا لتطبيقها لاستخدام الفيتو الأمريكي والبريطاني في بعض القرارات، وإلى يومنا هذا أمريكا تقف بالفيتو في مجلس الأمن ضد أربعة قرارات لوقف المذبحة الدائرة في غزة:
1. القرار 181 لسنة 1947، وهو قرار التقسيم وتدويل القدس لدولة فلسطينية ودولة يهودية، واعترف مجلس الأمن فقط بالدولة اليهودية.
2. القرار 194 لسنة 1948، وينص على حق العودة وانبثاق الأنروا لتقديم الخدمات الإنسانية للاجئين الفلسطينيين لحين عودتهم.
3. القرار 273 لسنة 1949، قبول إسرائيل عضوًا في الأمم المتحدة بشرط التزامها بالقرار 181 والقرار 194، وهذا يستدعي من مجلس الأمن طرد ما يسمى دولة إسرائيل لعدم تنفيذ القرارين.
4. القرار 67/19، وهو الاعتراف بفلسطين كدولة مراقبة في الأمم المتحدة. ثانيًا: القرارات الصادرة عن مجلس الأمن وأشهرها:
1. القرار 242 الصادر عام 1967، والذي يدعو إلى انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في سيناء والجولان وغزة والضفة.
2. القرار 338 لعام 1973، وهو ناتج عن وقف إطلاق النار في حرب أكتوبر والالتزام بقرار 242.
3. القرار 478 لعام 1980، وهو رفض مجلس الأمن باعتبار أن القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، في حين أن أمريكا تجاوزت هذا القرار واعترفت بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل ونقلت سفارتها للمدينة
4. القرار 1397، وهو قرار حل الدولتين لعام 2002.
5. القرار 1515 لعام 2003، وهو دعم خارطة الطريق لخيار حل الدولتين
6. القرار 2334 لعام 2016، أكد أن الاستيطان غير شرعي ويشكل انتهاكًا للقانون الدولي. أمريكا بسيدها كبير البيت الأبيض ترامب، ومن قبله رؤساء ديمقراطيون وجمهوريون، هم من أفشلوا كل القرارات الصادرة في مجلس الأمن لصالح الشعب الفلسطيني. في حين أن الرئيس ترامب يقف في الجمعية العامة مهاجمًا تقاعس الأمم المتحدة عن أخذ دورها في حل الأزمات، وما زالت الإدارة الأمريكية تعطل أي حلول لوقف إطلاق النار داخل قطاع غزة، متبنية في المطلق رغبات نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل، وفي نفس الوقت تحقق نرجسية الرئيس الأمريكي بأنه قادر على مواجهة التغيرات في العالم، والتي تقودها أوروبا والمجموعة العربية لصالح الشعب الفلسطيني
. أنهي هذا المقال بالتشديد على عنوان هذا المقال وافتتاحيته؛ فكل ما يتحقق من إنجاز يجب ألا يكون محل خلاف أو تجاذب هنا أو هناك. فالنهاية هي حركة النضال الوطني الفلسطيني عبر التجربة الفلسطينية منذ بدايتها إلى الآن وما سيأتي في المستقبل، مهما تعددت أيديولوجيات كل مرحلة أو اختلفت