سؤال البداية، هل نحن في «قطوع»؟ والجواب هو نعم واضحة.
ما يطرحه السؤال هنا، يكمل في نفس طريق مقال نشر في «الأيام» في 12/12/2015 تحت عنوان «عن النظام الفلسطيني وحديث المأزق».
علامات وعناوين «القطوع» كثيرة من جهة وواضحة من جهة أُخرى. تمتلئ بها وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.
من العناوين الأساسية لهذه الحالة، وبترتيب عشوائي، يمكن إيراد العناوين التالية:
العنوان الأول، يبقى الانقسام بكل مفاعيله وتعبيراته ومآسيه على كل المستويات الوطنية السياسية النضالية، والاجتماعية المعيشية، والحرياتية العامة والخاصة، دونما حاجة للتفاصيل المتناولة يوميا.
ما يهم تأكيده، أن الانقسام لا يبدو، بالطريقة التي تتم معالجته بها، في وارد الحل، ولا حتى الانفراج في المدى المنظور.
العنوان الثاني، التطاول الذي يصل حد التعدي على القرار الوطني المستقل. هذا الشعار رفعه ودافع عنه الرئيس الشهيد عرفات، وعموم النظام الفلسطيني في زمنه، بوجه تدخل الأنظمة العربية.
في هذا الزمن، تجاوز التدخل والتطاول الأنظمة العربية إلى دول إقليمية، وأضيف إليه بالتجاوز على وحدة التمثيل السياسي الفلسطيني، ودائما يتم ذلك عبر قنوات فلسطينية، دون ان نغفل مساعي دولة الاحتلال التأثير على القرار الفلسطيني عبر الضغوط الأمنية والاقتصادية وكل أشكال الابتزاز الأُخرى.
العنوان الثالث، الحديث العلني حول انهيار السلطة الوطنية، وهو عنوان مقحم في الكثير من الحالات، ووصل الى وسائل الإعلام العالمية.
الخوض الفلسطيني الشعبي في هذا العنوان يحصل في الغالب بدوافع، وفي حدود، التخوف مما يمكن أن تقود اليه سياسات الاحتلال التوسعية والقمعية والتمييزية العنصرية، إضافة الى سياسة الخنق المالي المقصودة.
كثير من حديث الآخرين يتجاهل وقائع الحال القائم ولا يضع تصورات للحال البديل. أطراف عدة من دولة الاحتلال، على اختلاف مواقعها واتجاهاتها السياسية تشارك بالحديث. ويتعامل قادة من دولة العدو مع انهيار السلطة كأمر واقع لا محالة.
«زئيف الكين» وهو عضو في الكابينت ووزير للاستيعاب، في خطابه أمام مؤتمر كبار رجال الاقتصاد في جامعة بار إيلان 29/2، عبر عن هذا الأمر باستفاضة ودعا إلى «وقف الجدال الفارغ حول هل سيحصل الانهيار ام لا؟ لأن السلطة ستنهار أردنا ذلك أم لا، لذلك من الأفضل لدولة إسرائيل ان تفهم بان قطار الانهيار قد غادر المحطة».
العنوان الرابع، هو عنوان «الخلافة» وهذا العنوان يرتبط بدرجة عالية مع العنوان السابق ويشكل عاملا أساسياً من عوامله لأن أصحاب عنوان انهيار السلطة يدخلون عامل « الخلافة» والصراع الذي يفترضونه حولها كعامل أساسي في انهيار السلطة.
للأسف الشديد، فان الجذر الأول لجدل «الخلافة» فلسطيني داخلي، وحتى بمشاركة متفاوته، وربما متذاكية، من بعض «عظام الرقبة».
هذا العنوان وكل الجدل حوله يدخل في باب «العيب» في وقت ما زال موقع الرئاسة عامرا وفاعلا، وما زال الرئيس، بصحته ووعيه ونشاطه.
العنوان الخامس، وصول دولة الاحتلال إلى مستوى نفض اليد من حل الدولتين ومجاهرتها بعدم إمكانية تحقيقه، وتغوّلها الاستيطاني غير المسبوق. وهو ما يقودها، الى جانب إجراءات احتلالية أُخرى، بسرعة، وبانسجام سياسي ومجتمعي عال، نحو دولة التمييز العنصرية ( الأبرتهايد).
على أرضية هذه العناوين تقوم عناوين كثيرة تتكامل معها او تتفرع منها، و تنسجم معها.
هناك عنوان المؤسسات الفلسطينية وشرعيتها وتوقف التجديد فيها. وعنوان تردي الحالة الجماهيرية وانضغاطها الشديد في اكثر من مجال واكثر من مستوى. وهناك صعوبة العيش، وهناك البطالة المرتفعة وهناك الحصار على غزة، و...و...وإضراب المعلمين المستطيل، وإضراب الموظفين الجديد في غزة ليسا إلا نماذج أو بروفات لتنفيس الحالة الجماهيرية عن انضغاطها.
ثم هناك أمر آخر يفرض نفسه بصفته سؤالا سادسا أو بصفته مظهرا يصاحب العناوين المذكورة وغيرها، أو هو أحد نتائجها. وهذا الأمر يقترب أن يكون ظاهرة تشمل طيفا واسعا ومتنوعا من شرائح المجتمع ومن أهل السياسة والتنظيم وصناعة الرأي والإعلام.
المقصود هنا هو الاستعداد الجاهز للهجوم على القيادة والسلطة، والسرعة الفائقة في اتهامها، أو في التصديق الفوري الجاهز لأي اتهامات تساق ضدها او تسريبات ذات هدف تنسب لها. هذا الأمر، وبهذه الطريقة، شيء آخر عن الاختلاف مع السلطة والحق في نقدها وفي الاعتراض على مواقف تتخذها أو سياسات تتبعها او ممارسات تقوم بها، ويختلف عن مطالبتها بالشفافية وتحميلها المسؤولية والحق بمحاسبتها أيضا.
كما كان هناك سؤال البداية، يبقى سؤال النهاية: هل يمكن ان نتجاوز القطوع؟
الجواب أيضا، نعم يمكننا ذلك. فشعبنا مرّ بمصاعب وأهوال كثيرة وخرج منها.
مفتاح الخروج من القطوع يكمن أولا وأساساً في العودة الى الجماهير فيما يشبه أو يقترب من المؤتمرات الشعبية المنظمة والتي يمكن أن توصّل إلى مؤتمر شعبي واحد في المحصلة. وتقوم على أسس محددة عديدة، منها:
- الانطلاق من الاعتراف بالمؤسسات القائمة وشرعيتها وبالذات منظمة التحرير، وما انبثق عنها، مع الإقرار بضرورة إصلاح وتطوير أوضاعها ودورها، والعمل على ذلك.
- البداية والأساس تكون في ارض الوطن مع الجاهزية المبدئية للامتداد إلى التجمعات الفلسطينية خارجه.
- مشاركة التنظيمات والمؤسسات المدنية وهيئات المجتمع المدني بكافة أشكالها وتنوعها، إضافة إلى ممثلين عن الناس العاديين.
- اعتماد الديمقراطية اساسا للحوار اولا، ثم تكريسها الوسيلة الاهم لبلورة وتنفيذ ما يتفق عليه، وفي الاساس منها الانتخابات العامة.
- عدم القبول بامتلاك اي جهة او طرف حق «الفيتو» سواء في مبدأ المشاركة، او في التعامل مع ينتج عنها.