قدم الضابط (احتياط) الإسرائيلي عميت ياغور، في مقال نشرته صحيفة "معاريف"، قراءته لخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بغية إنهاء الحرب في قطاع غزة.
وتطرق عميت ياغور، وهو ضابط سابق رفيع المستوى في القسم الاستراتيجي بهيئة التخطيط في الجيش الإسرائيلي وضابط سابق رفيع في المخابرات، إلى "خطة ترامب المكونة من 21 بندا، والتي سبق أن عُرضت على الدول العربية، وستُحال، على ما يبدو، وفي حال موافقة إسرائيلية، لمناقشتها مناقشة مفصّلة، وفقا لعدة تقارير".
وكتب في مقاله: "لم أقرأ مبادئ الخطة بالكامل بعد، ولكن من التقارير المختلفة (ويجب توخي الحذر الشديد في هذه المرحلة) يتضح أنه ستُنشأ هيئة دولية للإشراف على إعادة إعمار القطاع وإدارته لعدة سنوات. وسيترأس رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، على ما يبدو، هذا الترتيب المؤقت. سيتم نشر قوة دولية في غزة، تحرس حدودها وتمنع حماس من إعادة بناء نفسها فيها. ومصدر صلاحية الهيئة المؤقتة: مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وستعمل الهيئة الدولية بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية، وستنقل إليها السلطة في القطاع بعد بضع سنوات".
ورأى ياغور أن "هذه الخطة مختلفة جوهريا عن الخطة الأمريكية (التي كشفت عنها صحيفة واشنطن بوست قبل نحو ثلاثة أسابيع)، والتي سعت إلى نقل السيطرة إلى الولايات المتحدة في ما يشبه "منطقة وصاية" لمدة 10 سنوات، وخلالها ستتحول غزة إلى منطقة بناء وإعمار ضخمة".
وأوضح قائلا: "في هذه المرحلة، يبدو أن المبادئ لا تزال غامضة ولا تتطرق إلى القضايا الجوهرية للغاية المطروحة على الطاولة: كيف يمكن نزع سلاح حماس فعليًا وليس بمجرد تصريحات. لدينا مثال ملموس للغاية في لبنان هذه الأيام على الصعوبة الكبيرة في نزع سلاح منظمة إرهابية (وذلك حتى في وجود دولة ذات سيادة وسيطرة وجيش). وكيف يمكن الإجابة على الفجوة الموجودة (حتى في التصريحات الشفهية والمكتوبة) بين حماس التي لا يمكن أن تبقى في القطاع وحماس التي لا يمكن أن تكون شريكة في إدارة القطاع"، على حد وصفه.
وأردف عميت ياغور في المقال: "على الرغم من كل ما عانته إسرائيل من الأمم المتحدة خلال الحرب وفي عمل الأونروا على مر السنين وخلال الحرب نفسها، هل هناك حقا نية لأن تكون الأمم المتحدة مرة أخرى متورطة ومصدر صلاحية للهيئة الدولية التي ستدير غزة؟ أمامنا مثال غير جيد، وهو أيضا من لبنان، بخصوص قوة تعمل بموجب تفويض من الأمم المتحدة ومدى فعاليتها في مواجهة المنظمات الإرهابية (الأمم المتحدة أدت إلى ترسيخ المشاكل بدلا من حلها). ما معنى "تمنع حماس من إعادة بناء نفسها"؟ إن تخلي حماس عن السيطرة على القطاع لا يعني تخليها عن نفوذها وهيمنتها في القطاع، ولا يمكن إلا أن نفترض أنها تسعى لتطبيق نموذج حزب الله في لبنان، وهو "دولة داخل الدولة"، في غزة. حتى قوة اليونيفيل لم تنجح في منع تعاظم قوة حزب الله وترسيخ وجوده في جنوب لبنان"، وفق قوله.
واستطرد ضابط الاحتياط: "كل هذه أسئلة أولية ربما تهدف إلى محاولة سد الفجوة بين تصور الواقع لدى دول أوروبا الغربية والدول العربية والتفاؤل الذي يفوح من جهة الولايات المتحدة، وبين الواقع على الأرض كما خبرته إسرائيل على مر السنين، حيث تفوح من الخطة "رائحة خفيفة" لنظام إقليمي قديم بنفس الحلول القديمة التي جُربت وفشلت، وليس لنظام إقليمي جديد".
واعتبر ياغور أنه "فوق كل شيء، وفي نظرة شاملة وواسعة، يجب التحدث عن السعودية. فبينما نحن "نلتصق" بقطر، فإن الشريك "الصامت" الذي يحرك الكثير من الخطوات من خلف الكواليس هو في الواقع المملكة العربية السعودية. هي التي كانت مستعدة للتطبيع مع إسرائيل مقابل مجرد تصريحات "شكلية" بشأن القضية الفلسطينية، والآن هي من يقف، فعليا، "رأسا برأس" في وجه إسرائيل بخصوص النظام الإقليمي الجديد في اليوم التالي"، على حد وصفه.
ووفقا لرأيه، "في الأشهر الأخيرة، وخاصة منذ الهجوم على إيران، شهدت السعودية تحولا. من موقف كان يكتفي بتصريحات عامة حول الحق الفلسطيني في دولة مستقلة، وربما حول بعض الامتيازات الممنوحة لإسرائيل بهدف تحسين ظروف معيشة الفلسطينيين، إلى موقف يسعى لحشد وقيادة العالم العربي والمجتمع الدولي للاعتراف بدولة فلسطينية".
ورأى أن "هذه هي في الواقع استراتيجية تحاول وضع السعودية مرة أخرى (كما في مبادرة السلام العربية لعام 2002) على رأس قيادة العالم العربي (في ظل ضعف إيران ومحور المقاومة)، مع استخدام القضية الفلسطينية كأداة لخلق قاسم مشترك بينها وبين باقي الدول. كل هذا يأتي أيضا من فهم أن مكانة السعودية هي المقابل السياسي المناسب في مقابل حجم الأموال الهائل الذي تعهدت باستثماره في الولايات المتحدة خلال فترة ولاية الرئيس ترامب".
وحسب تعبيره، فإن "هذه الاستراتيجية، بالاشتراك مع فرنسا، تضع السعودية كقوة رائدة في الشرق الأوسط في النظام الإقليمي الجديد في اليوم التالي، قادرة على تنظيم تحالفات (عربية ودولية) تطالب بأن يكون الحل للحرب في غزة هو في الأساس حلاً للقضية الفلسطينية برمتها، وذلك في مواجهة الاستراتيجية الإسرائيلية المدعومة أمريكياً دعما مطلقا (حتى الآن)، والتي لا تعترف بأي خطة تجمع بين الحل في غزة والحل في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، بل تسعى إلى فصل غزة عن الضفة الغربية، وعلى ما يبدو أيضًا، عن حل لم ينضج بعد للقضية الفلسطينية".
وأضاف: "وهكذا، في الصراع بين هاتين الاستراتيجيتين العظميين، ومحاولة السعودية ترسيخ مكانتها الخاصة في الشرق الأوسط في اليوم التالي للحرب، فإن خطة ترامب المكونة من 21 بندا تشمل في الواقع بنودا من كلتا الاستراتيجيتين وتضعهما على ورقة واحدة، دون التطرق إلى تفاصيل "الواقع" والفجوات المذكورة أعلاه".
وبالنسبة له، فإن "الحقيقة هي أنه حتى الآن، وبصرف النظر عن تقديم خطة مبادئ مع بنود، لم نسمع حقًا من ترامب نفسه موقفه في هذا الشأن سوى تصريحه "تذكروا السابع من أكتوبر"، على الرغم من أنه يبدو أن موقف ترامب في الوقت الحالي يتطابق مع الموقف الإسرائيلي (لم يدعم الاعتراف بدولة فلسطينية ولم يسمح لأبو مازن بحضور مؤتمر الأمم المتحدة)".
وتابع موضحا: "لذلك، يجب أن نفهم: المعركة الحقيقية الآن هي المعركة السياسية بين الاستراتيجيتين العظميين، استراتيجية إسرائيل واستراتيجية المملكة العربية السعودية.. بين نزع سلاح حماس وإخراجها من القطاع وإنهاء الحرب بنظام إقليمي جديد تقوده الولايات المتحدة، حيث لا تكون القضية الفلسطينية التي شكلت النظام القديم هي العامل المحفز لأول مرة، وبين بقاء حماس في غزة كعامل مهيمن ومؤثر (ولكن ليس رسميا في السلطة ومع علامة استفهام حول السلاح)، وقوة دولية برعاية مشتركة من الأمم المتحدة والولايات المتحدة، وربط إنهاء الحرب في غزة بحل فلسطيني شامل يشمل يهودا والسامرة في شكل دولة فلسطينية، وفقط بعد ذلك، ربما، توسيع اتفاقيات أبراهام - كل هذا يشبه النظام القديم الذي سيطر على الشرق الأوسط لسنوات عديدة".
وبين وفقا لتعبيره: "في ضوء ما سبق، أرى أن من الأهمية بمكان أن يعقد لقاء بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والرئيس ترامب، وأن تقوم أيضا حملة إسرائيلية مهمة في الأيام القادمة، بهدف إبقاء الولايات المتحدة متوافقة مع إسرائيل في مواجهة الضغط الدولي الشديد. لا أستبعد عقد قمة ثلاثية إسرائيلية-سعودية-أمريكية لأغراض التفاوض المباشر بين إسرائيل والسعودية لإيجاد قاسم مشترك بشأن القضية الفلسطينية، من أجل إقامة نظام إقليمي جديد معًا في الشرق الأوسط، وبنية لوقف استخدام الموضوع الفلسطيني وسيلة لإملاء النظام في الشرق الأوسط كما كان سائدا لسنوات طويلة".
وأكمل عميت ياغور: "نحن ندخل حقبة "Pax Americana" (السلام الأمريكي) رقم 2 في الشرق الأوسط، وللسعودية الكثير لتكسبه (أو تخسره) في الهندسة الاقتصادية الجديدة التي رسمتها إدارة ترامب في الماضي (وقبلها أيضا إدارة بايدن)، والتي بموجبها سيتم إنشاء محور تجاري مباشر جديد من شرق آسيا يمر عبر الشرق الأوسط (IMEC)، سيكون لكل من السعودية وإسرائيل دور حاسم فيه، ومن المفترض أن تكسبا منه الكثير".
وختم ياغور مقاله بالقول: "سيكون من الصواب إنشاء شرق أوسط جديد أو مختلف تكون فيه الهندسة الاقتصادية هي القاسم المشترك الشامل بين الدول وتُملي مصلحة عليا، وهو ما سيتطلب توسيع اتفاقيات أبراهام، وبعد ذلك فقط، يمكن لمن يرغب في الانضمام أن يتقدم بطلب، وهو ما سيجبره على ضبط النفس والتعاون. حينها، يمكن للسلطة الفلسطينية أيضا الانضمام إلى الهندسة الجديدة، وهو ما سيجبرها على التخلي عن كل الألاعيب القديمة للإرهاب والمقاومة، والاعتراف أخيرا بدولة إسرائيل كأمر واقع، وحيث تصبح حماس والفصائل الأخرى شيئا من التاريخ في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) أيضا"، حسب وصفه.