قبل أن يغادر الخالد ياسر عرفات قاعدة "أندروز" الأمريكية، بعد انتهاء قمة كمب ديفيد يوليو 2000، أعلن رئيس حكومة دولة العدو الإبادي يهود براك، بأنه لم يعد هناك "شريك فلسطيني في عملية السلام".
تصريح قد يراه البعض كلام "تقليدي" يقال بعد كل فشل تفاوضي، وعمل لإزاحة الاتهامية عن كتفه للآخر، وبشكل عام يحدث ذلك كثيرا في عمليات التفاوض، ولا زالت حتى تاريخه، لكن تصريح براك لم يكن كذلك أبدا، بل كان رسالة سياسية قاطعة، بانتهاء العلاقة مع الخالد ياسر عرفات، وبأن مرحلة ما بعده انطلقت من "كمب ديفيد"، خاصة والقول كان وهو لا زال هناك، وليس في تل أبيب، ما حمل تهديدا "مركبا" بتأييد أمريكي صامت.
وللتذكير، تهديد براك العلني جاء بعدما رفض ياسر عرفات قبول أي سيادة "يهودية" تحت ساحة البراق وجدارها، واعتبر ذلك مقدمة بطريق التفافي لعملية "تهويد" المكان الإسلامي المقدس، وما قد يمس لاحقا مستقبل وجود المسجد الأقصى، وبناء "الهيكل" مكانه أو في منطقته، كي يرسم ملامح جديدة للعاصمة الفلسطينية، وهو ما رفضه رفضا قاطعا، دون الاستعداد أبدا للبحث عن أي مساومة "سياسية" في مسألة عقائدية
تصريح رئيس حكومة العدو "الإبادي"، براك جاء بعدما أرسل وفدا حاملا تهديدا يمس حياته الشخصية، وبنص قاطع "من ينكر تاريخنا وثقافتنا لا مكان له بيننا"، نص لا يحتمل التفسيرات والتاويلات، بأن القتل هو القادم للخلاص من ياسر عرفات، والذي تمكنوا من تنفيذه بعد 4 سنوات في 11 نوفمبر 2004.
في 28 سبتمبر 2000، كما اليوم قبل 25 عاما بدأت حكومة العدو الاحلالي برئاسة براك، بتنفيذ مخطط الخلاص المركب من الكيانية الوطنية ورئيسها ياسر عرفات، بأرسال الإرهابي شارون لاقتحام المسجد الأقصى، في خطوة تم تنسيقها بشكل مسبق، وفقا لشهادة رئيس الشاباك الأسبق عامي آيلون في مؤتمر صحفي، كشف فيه الاتفاق بين براك وشارون منذ فبراير 2000 الاستعداد لخطة الهجوم العسكري على السلطة الفلسطينية.
قد يرى البعض، أن قيام براك، من حزب العمل الذي وقع اتفاق "إعلان المبادئ – أوسلو"، لا يتفق وجوهر الاتفاق، ولكن الواقع أن براك كان ضد الاتفاق عندما كان يشغل منصب رئيس أركان جيش الاحتلال 1993، واعتبره يمثل "تهديد أمني سياسي لإسرائيل"، لذا مع وصوله للسلطة ذهب لتنفيذ رؤيته السياسية، مستخدما شارون كأداة وهو العدو الصريح للسلطة وياسر عرفات.
مساء يوم 28 سبتمبر 2000، بدأت المواجهة العسكرية الأطول في تاريخ الصراع مع دولة العدو، نحو الدفاع عن الكيان الفلسطيني الأول مقابل خطة تدمير الكيان الفلسطيني الأول، ولم تكن أبدا مرتبطة برفض أو قبول لهذا المقترح أو ذاك، فموضوعيا، حاول الخالد ياسر عرفات التعامل الإيجابي مع غالبية المقترحات، دون أن تمس جوهر السيادة الوطنية في منطقة المقدس الديني.
خلال سنوات حاول التحالف الأمريكي اليهودي الإسرائيلي، وبعض عرب وفلسطينيين، إلقاء اللوم السياسي على الخالد ياسر عرفات، بأنه رفض ما يعرف بـ "محددات كلينتون"، متجاهلين بعمد أو بغيره أنها أغفلت المسألة الأساسية في مفهوم السيادة في المنطقة المقدسة، ولم تترك مساحة للتفاوض، ووضعت تحت قاعدة إما أو، وكان خيار الرفض للمساس بها موقفا قاطعا، وكل ما جاء لاحقا أكده عبر حملات التهويد الشمولية في القدس والمسجد الأقصى.
لم يكن رفض الخالد ياسر عرفات "عبثيا" بل كان رؤية تاريخية لمخطط تهويدي معلوم، ولو كان الأمر كما حاول "التحالف الأسود" تمريره، ما الذي منعهم من تنفيذ مخططهم بعد اغتيال الخالد ووصول الرئيس محمود عباس للرئاسة يناير 2005، رغم أنهم اعتبروه الرجل المناسب في المكان المناسب.
ولكن كل ما حدث استمرار موسع في تدمير الكيانية الوطنية والتهويد، وبدأت مع زرع حماس في الجسد الكياني، يناير 2006 لتقوم بأغرب عملية سياسة مشبوهة يونيو 2007 عبر انقلاب لفصل قطاع غزة عن الضفة، وكان مسمار حجا اليهودي لتكملة تدمير الكيانية الأولى، لتكتمل بعد عملية 7 أكتوبر 2023، في واحدة من أوسع عمليات التدمير والتهويد.
مواجهة سبتمبر 2000، كانت الخيار الإجباري لرفع القبضة الفلسطينية ضد العدوانية الشمولية دفاعا عن الكيانية الوطنية، ولم يكن من خيار غيرها، وكل ادعاء بغير ذلك ليس سوى خدمة مباشرة لرواية احتلالية، أكدت كل الأحداث اللاحقة أنهم "كاذبون" جملة ومفرقا.
مفارقات الزمن السياسي..ان المواجهة الأطول مع العدو كانت دفاعا عن الكيان الوطني الأول، فيما كانت عملية أكتوبر فعل تكميلي لخدمة العدوانية الأشمل لتدمير الكيانية الأولى.
ملاحظة: مات جمال عبد الناصر..4 كلمات صنعت خبر هز أرجاء المعمورة من محيطها لمحيطها..من قطبها لقعرها..مات جمال الشاب ابن الـ 52 عاما..بعدما زرع نبض "الكرامة الوطنية والقومية"، نبتة حاول الكثيرين دوسها بكل أقدام محلية ومستوردة..كرامة وطن وقضية وإنسان..لا تزال حية تنادي ناصرها الخالد..
جمال لم يكن رئيسا ولا كان..كان عنوانا لمن يبحث وطنا وبلدا بلا مهجنات..ناصر لا زال منتصرا على كل من عاداه..ناصر حي وهم أموات..
لروحك يا خالد سلاما..