ما بين تجميد أنشطة، ووقف توسعات جديدة، وتسريح موظفين، كانت هذه هي محاور خطط عمل الشركات الأكثر تضررا من الأزمات التي يشهدها العالم في 2016.
ليست الشركات والبنوك فقط هي التي تعمل وفق هذه المحاور، ولكن هناك حكومات دول لجأت إليها، مثلما أعلنت الصين أمس بأنها بصدد تسريح نحو 6 ملايين عامل في 2016، لتدور الأزمة أكثر حدة في قطاع الشركات سواء الحكومية أو الخاصة.
وبحسب ما رصدت "عربي21"، فقد أظهرت تحليلات القطاع النفطي التي أجرتها مؤسسة "إي واي" الاستشارية، تراجع عائدات أكبر 100 شركة تعمل في مجال خدمات حقول النفط، بنسبة وصلت إلى 18 بالمائة، مع توقعات بالمزيد من الانخفاض خلال هذه السنة بنحو 5 بالمائة، فضلا عن أن ركود أسعار النفط جدد مخاوف أن نحو 33 بالمائة من المؤسسات العاملة في مجال خدمة حقول النفط، ربما تكون مهددة بالخروج من القطاع، في الوقت الذي انسحبت فيه شركات إنتاج النفط من المشاريع التي تفتقر للجدوى الاقتصادية.
على رأس القائمة جاءت شركة "شل"، والتي تعد من كبرى شركات النفط، لكن الأزمات والخسائر التي تطاردها دفعتها إلى الإعلان مؤخراً عن تغييرات كبيرة مع إعادة ترتيب الأولويات للتكيف مع انخفاض أسعار النفط، وذلك من خلال التخلي عن نحو 10 آلاف موظف ومتعاقد بالأمر المباشر.
وخفضت "شل" تكاليف التشغيل بنحو 4 مليارات دولار، بما يعادل نحو 10 بالمائة من إجمالي الإنفاق العام للشركة، وأن من المتوقع تقليص التكاليف بمقدار 3 مليارات دولار أخرى خلال العام الجاري، ناهيك عن أن الشركة خفضت الاستثمارات بشدة خلال هذا العام، مع انخفاض الإنفاق الأساسي بمقدار 8.4 مليار دولار عن العام الماضي ليصل إلى 28.9 مليار دولار.
إلي ذلك أعلنت شركة النفط الأمريكية الكبرى "إكسون موبيل" انخفاضا بلغ 58 بالمائة في أرباحها الفصلية، حيث أضر هبوط أسعار النفط بنتائج أكبر شركة نفطية مدرجة في العالم، بالإضافة إلي أن منتجون في الولايات المتحدة من بينهم شيفرون وكونوكو فيليبس أعلنوا عن خطط لخفض ميزانياتهم في 2016 بنحو الربع.
وفي السياق ذاته، قالت وود ماكنزي لاستشارات الطاقة إن مشاريع في قطاع النفط والغاز بقيمة 380 مليار دولار تأجلت أو ألغيت منذ 2014 في الوقت الذي تخفض فيه الشركات التكاليف لتجاوز أزمة أسعار النفط.
وشمل ذلك مشروعات بقيمة 170 مليار دولار كان من المخطط تنفيذها بين 2016 و2020، حيث هبطت أسعار النفط 70 بالمائة منذ منتصف 2014 إلى ما يزيد قليلا على 30 دولارا للبرميل، الأمر الذي أدى إلى وجود فائض يصل إلي مئات الآلاف من البراميل يوميا في الوقت الذي يتراجع فيه الطلب بشكل ملحوظ.
وقالت وود ماكنزي إنه جرى تأجيل 68 مشروعا كبيرا في المجمل منذ 2014 باحتياطيات مجمعة تبلغ نحو 27 مليار برميل من المكافئ النفطي وبما يشمل خفضا بقيمة 170 مليار دولار في الفترة من 2016 وحتى 2020، لافتة إلى أن إنتاج 2.9 مليون برميل يوميا من السوائل سيتأجل إلى العقد التالي أي ما يزيد على حجم ما تنتجه فنزويلا عضو منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك".
وفي السياق ذاته، قالت شركة النفط العملاقة بريتش بتروليوم "بي بي" إن أرباحها تراجعت بسبب الانخفاض الشديد في أسعار النفط والغاز، حيث بلغت تكلفة الإحلال في الفترة بين تموز/ يوليو وأيلول/ سبتمبر 1.23 مليار دولار "802 مليون جنيه إسترليني" مقارنة بـ2.38 ملياري دولار العام الماضي، فضلا عن أن إجمالي الإيرادات بلغ 55.9 مليار دولار مقابل 94.8 مليار دولار العام الماضي.
وأعلنت الشركة أنها سوف تستبعد أكثر من 7 آلاف موظف حتى عام 2017 بعد تحقيقها أسوأ نتائج سنوية في 20 عاما خلال عام 2015.
وقد انضمت شركتا أميك فوستر ويلر وبتروفاك البريطانيتين إلى قائمة متنامية من شركات خدمات مشروعات النفط والغاز المدرجة في لندن والتي تخطط لخفض الوظائف بسبب الهبوط الحاد لأسعار النفط، خاصة أن شركات تنقيب وانتاج كبرى لجأت إلى خفض ميزانيات الإنفاق بمتوسط 10-15 بالمائة وإعادة التفاوض حول العقود مع شركات الخدمات.
ومن جملة الشركات التي تضررت "أميك" و"بتروفاك" والذين أعلنوا عن خفض إجمالي الوظائف خلال الفترة المقبلة بسبب الخسائر التي تلوح في الأفق حال استمرار أزمة النفط.
فيما لم تستكمل الحكومة البصرة العراقية أي مشروع خدمي وجمدت جميعها سوى مشروعين أو ثلاثة من ضمنها مشروع إنشاء جسر الشهيد محمد باقر الصدر على شط العرب الذي تنفذه شركة "ميك" الإيطالية، فإن المؤكد أن المشاريع التي كانت مهددة بالاندثار نحو 50 مشروعا.
وانعكست تداعيات انخفاض أسعار النفط، بقوة على المؤسسات العاملة في قطاع خدمات الحقول النفطية بالمملكة المتحدة، ما تسبب في فقدانها لنحو 20 بالمائة من عائداتها خلال السنة الماضية، مع توقعات بالمزيد من النقصان خلال العام الجاري.
وهناك شركات كانت خسائرها من نوع مختلف أو أخف، حيث الاحتجاجات والإضرابات عن العمل، فعلى سبيل المثال منعت شركات "بن لادن" السعودية عمالها من مستحقاتهم المالية نحو 4 أشهر على التوالي، بسبب شبح الإفلاس والانهيار، ووقوفها عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها المالية والمادية تجاه موظفيها، بسبب عدم إسناد مشاريع جديدة لها بسبب الأزمات التي تشهدها الدول، وعدم وجود الأموال جراء الأزمة النفطية.
لكن شركة هاليبرتون -عملاق الخدمات النفطية الأمريكي- توقعت تسريح ما بين 6.5 إلي 8 بالمائة من العاملين في وحداتها حول العالم بسبب أوضاع السوق الصعبة الناتجة عن هبوط أسعار النفط النفط، حيث إن الاستغناء عن العمالة سيشمل جميع عملياتها، علاوة على أنها شرعت في إلغاء 2000 وظيفة إضافية وقد تلغي وظائف أخرى لتخفيض النفقات بسبب تراجع أسعار النفط.
بل واخبرت عملاق الخدمات النفطية الأمريكي موظفيها أنها ستقلص مرة جديدة عدد الموظفين خاصة في أمريكا الشمالية بسبب الشروط الاقتصادية الراهنة، وبذلك يرتفع عدد الوظائف التي ألغتها الشركة منذ عام 2014 إلى 16 ألفا ما يعادل 19بالمائة من موظفيها في العالم.
ووفقا لصحيفة "فايننشال تايمز"، فإن شركات النفط العالمية مثل "رويال دويتش شل" و"بريتش بتروليوم - بي بي" و"كونوكو فيليبس" و"شتات أويل"، نفذت إجراءات خفض من أجل الحد من الإنفاق الرأسمالي على 26 مشروعا رئيسا حول العالم.
وخفضت شركة "بريتش بتروليوم" حوالي 300 موظف من عمالها في بحر الشمال، وهنالك توقعات في "حي المال" بأن شركة النفط البريطانية الكبرى ربما تتعرض لصفقة شراء خلال العام الجاري، وسط الضائقة المالية التي تعانيها منذ أزمة التلوث البيئي.
وتركزت عمليات الخفض في مناطق استخراج النفط ذات الكلفة العالية، حيث تم تأجيل 9 مشروعات رمال نفطية كندية تتراوح النفقات المقدرة لكل منها بين مليار وعشرة مليارات دولار.
وكان مصرف "غولدمان ساكس" الأميركي قد توقع تعليق المصارف لتمويل مشروعات طاقة تقدر قيمتها بحوالى 970 مليار دولار خلال السنوات حتى عام 2020، بسبب فقدان هذه المشروعات دراسة الجدوى..
فضلا عن أن 17 دولة، من بينها أنغولا ونيجيريا وأستراليا والجزائر، ربما تشهد تراجعا في الاستثمار في مشروعات بأكثر من 50 بالمائة بين العام الجاري 2015 وحتى عام 2020، مع افتراض بقاء الأسعار منخفضة.
وكانت "شتات أويل" التي تعود 67 بالمائة من ملكيتها إلى حكومة النرويج، قد خفضت 8 بالمائة من موظفيها في العام الماضي، ليصل إجمالي القوى العاملة لديها إلى 22.5 ألف شخص.
ويأتي قرار الشركة بخفض عدد العاملين لديها في إطار برنامج يقضي بتقليص النفقات السنوية بنحو 1.7 مليار دولار في عام 2016. كما كانت "شتات أويل" قد أعلنت، في شهر شباط/ فبراير الماضي، نيتها خفض الإنفاق الاستثماري بنسبة 10 بالمائة في العام الجاري.
وفي مصر، أعلنت شركة "جنرال موتورز مصر"، وقف عملياتها بمصر، بسبب عدم قدرتها على الإفراج عن مستلزمات الإنتاج المحتجزة في الجمارك منذ فترة، بسبب أزمة الدولار.. حيث إن القطاع بأكمله لديه أزمة عملة، ولا يمكن للشركة إنتاج السيارات دون بعض الأجزاء، ما أجبرهم على وقف الإنتاج بشكل مؤقت، إلى أن تستطيع إخراج البضاعة المحتجزة من الجمارك.