بعد دخول الاتفاق حيّز التنفيذ، والإفراج عن الرهائن الإسرائيليين وعدد يقلّ عن 2000 أسير فلسطيني، تلاعبت الدولة العبرية، بالقوائم الخاصة بهم.
يتساءل المرء عمّا إذا كانت الحرب العدوانية قد وضعت أوزارها، أم أنها مستمرة، ضمن مسار مختلف، وأهداف ثابتة؟
الممارسة على الأرض تشير إلى أن بنيامين نتنياهو وائتلافه الحكومي الفاشي وافق على مضض تحت ضغط الإدارة الأميركية، التي بدورها لم تتحول عن تحقيق أهداف الحرب الهمجية، بعد فشل تحقيقها على طريقة نتنياهو.
نتنياهو قال «نعم» للخطة الأميركية، ولكنها مشفوعة بـ»لكن» عملية تجعله قادراً على المراوغة كل الوقت ومعاودة التلاعب بالآخرين فيما يتعلق بالاتفاق بشأن قطاع غزة، وإبقاء الأبواب مشرعة على استمرار سياسة شن الحروب والتصعيد في مناطق أخرى من الإقليم.
حصل نتنياهو على الرهائن الأحياء، وكانوا جميعاً في صحة جيدة بالقياس لما عانوه، من قصف وتدمير، وتجويع طالهم كما سكّان القطاع، ومنع الأدوية والعلاجات الطبية من الوصول إليهم خلال سنتين من الحرب الدموية.
ربما كان نتنياهو، ينتظر أن يكون الرهائن أو بعضهم في حالة صحية سيئة، حتى يتوفر له المبرر للالتفاف على الاتفاق، لكنه حين لم يحصل هذا المبرّر، بدأ العمل على موضوع الجثامين.
يقول نتنياهو إنه يعرف بالضبط مكان وجود الجثامين، ويتهم المقاومة، بأنها تماطل لكسب الوقت في شأن تسليمهم، فإذا كان يعلم أماكن وجودهم فلماذا لا يعطي المعلومات لأي جهة حتى ينتزع هذا المبرّر من المقاومة؟
موضوع تأخر تسليم الجثامين، من قبل المقاومة دونه أدوات، وعمليات ضخمة يحرص نتنياهو على أن لا تتوفّر لمن يبحث عن أماكن تواجدهم، فهو يرغب في استمرار هذه الذريعة.
نتنياهو يقول إن الحرب لم تنتهِ وإنه سيواصل تحقيق كل الأهداف التي فشل في تحقيقها خلال السنتين المنصرمتين من الحرب الإبادية والتجويعية.
الإدارة الأميركية وفّرت لنتنياهو مبرّراً آخر، يستخدمه دون أن يصرّح به، أو يركّز عليه في تصريحاته، وهو موضوع كيفية تعامل المقاومة مع الجماعات التي سلّحها ودعمها وحماها كيانه والتي تشكل رصيداً، لتعميم حالة الفوضى والاقتتال الداخلي.
دونالد ترامب كان أثنى على الحملة التي قام بها عناصر من «كتائب القسّام» التابعة لحركة حماس على بعض هذه المجموعات لكنه سرعان ما أن تراجع، وعاد لتهديدها إن هي استمرت في قتل من يسمّيهم المدنيين في القطاع.
من يتابع المشهد على الأرض، وسلوك الأطراف، يجد أمامه قائمة طويلة من الاشتراطات المطلوبة من «حماس» في غزة، ولا شيء مطلوباً من الطرف الإسرائيلي.
على المقاومة أن تتوقّف عن ملاحقة الخارجين عن القانون، وعليها أن تحفر بأيدي رجال الدفاع المدني، للبحث عن الجثامين، وعليها أن تسلّم سلاحها، وأن تتنحّى «حماس» عن المشاركة بأي شكل في حكم القطاع. وعليها، أيضاً، أن لا تتدخّل في آلية وصول وتوزيع المساعدات، وأن تسلّم خرائط الأنفاق، وإلّا.
الـ «إلّا» هنا تتخّذ طابعاً عملياً، فجيش الاحتلال يواصل عمليات القصف والقتل والبطش، وآخرها، مجزرة أبناء أبو شعبان، التي أودت بحياة 11 فرداً عدا المصابين. والـ «إلّا» تتّخذ طابعاً عملياً، عَبر تعطيل الوصول الآمن وبالكميات المتفق عليها، لشاحنات المساعدات.
لا تسمح دولة الاحتلال بدخول اللحوم والدواجن والأسماك والفواكه والمستلزمات الطبية المنقذة للحياة، ولا تسمح، أيضاً، بدخول المعدّات الثقيلة، لغرض البحث عن جثامين جيش الاحتلال، وآلاف الشهداء تحت الأنقاض، أو إدخال قطع الغيار للآليات القليلة الموجودة، بما يسمح بإزالة الأنقاض، وفتح الطرق.
لا تسمح دولة الاحتلال بفتح المعابر، خصوصاً معبر رفح، بالرغم من تحديد، أكثر من موعد لفتحه، ونتنياهو يأمر بإغلاقه إلى أجل غير معروف، بالإضافة إلى إغلاق بقية المعابر، إلّا اثنين لا يمكنهما ضمان تدفّق البضائع ومرور الشاحنات، بسلاسة وبالقدر اللازم.
مؤسف طبعاً، أن يقتصر الضغط على المقاومة، التي عليها أن تتوقف عن الإعدامات الميدانية، واتباع مجريات القانون، رغم ما هو معروف من صعوبة ذلك، بسبب غياب أماكن الاحتجاز، والضعف الشديد الذي أصاب قطاع العدالة ومقرّاته.
صحيح أن الإدارة الأميركية تواصل محاولاتها لضبط سلوك نتنياهو وحكومته، ولذلك يصل إليها الثلاثاء، نائب ترامب دي فانس، وويتكوف وكوشنير، ولكنها عملياً تغضّ النظر عن الانتهاكات الإسرائيلية للاتفاق.
الوسطاء هم، أيضاً، إما صامتون، أو أنهم يطالبون المقاومة بالتوقّف عن استهداف من تعتبرهم مدنيين والمقصود الجماعات الخارجة على القانون.
لماذا لا يتحدث الوسطاء بما في ذلك الإدارة الأميركية، عن الخروقات الإسرائيلية التي تهدد الاتفاق، ولماذا لا يتحدثون عن أحوال الأسرى الذين أفرجت عنهم دولة الاحتلال؟
كيف يمكن أن يفهم المرء ويتفهّم صمت الإدارة الأميركية عن أكثر من ربع مليون فلسطيني من المدنيين الذين أثخنت دولة الاحتلال في تقتيلهم وتعذيبهم، ومنع سبل الحياة عنهم، بينما يرتفع صوتها وتهديداتها لحماية عشرات من الخارجين على القانون.
لا بدّ من مراقبة السلوك الأميركي، الذي يتغطّى بإنجاز وقف الحرب الدموية بينما هناك مخطّطات أخرى للاستيلاء على القطاع، وآخر اقتراحاتها، النموذج الذي تسعى لتطبيقه في مدينة رفح، بذريعة أنها خارج سلطة ووجود المقاومة.
طويل هو الطريق إلى الهدوء، وإعادة الإعمار، التي سيموّلها العرب أساساً بينما يفترض أن يتحمّل المسؤولية عن تمويلها من قام بتدمير القطاع، ومن حرّضه وساعده، وأمدّه بكل أدوات التدمير والقتل أم أن على العرب أن يمتثلوا للأوامر، لكي يملؤوا خزائن الشركات الأميركية.