"الخط الأصفر" مصطلح جديد في حياة الغزيين لم يكن قبل الحرب ولا حتى أثناءها، ولم يكن حتى على الخرائط ,اختراع إسرائيلي لأغراض عسكرية تم رسمه على الخارطة ,لم يكن له وجود على الأرض واستطاعت إسرائيل فرضه في اتفاقية خطة ترمب بان تجعل منه خط الانسحاب الأول من عمق المدن الفلسطينية مع انه يقسم القطاع الى نصفين، النصف الأول غرب الخط الأصفر والنصف الاخر شرق الخط الأصفر عرضا, وهو خط الموت بالنسبة للفلسطينيين من يجتازه قد يتعرض للقصف بالمسيرات الإسرائيلية او بإطلاق النار من قبل الدرونات او الموت اشلاءً بقذيفة دبابة إسرائيلية. انه خط وهمي موجود على خرائط جيش الاحتلال فقط تتواجد خلفه قوات الاحتلال لا تحذر من يجتازه بل تقتله فوراً في ظل سريان وقف إطلاق النار. الخط الأصفر حرم أكثر من مليون مواطن من العودة الى أحيائهم وتفقد مساكنهم ومعرفة إذا ما مازالت بيوتهم قائمة او هدمتها جرافات الاحتلال , كما وحرم المواطن الفلسطيني من الذهاب لجني محصول الزيتون الذي قد يكون انتهي ومحاولة انقاذ ما يمكن إنقاذه من أشجار لم تدمرها وتجرفها دبابات الاحتلال.
يعيش الناس في قطاع غزة على امل ان ينتهي هذا الخط ويتلاشى بمجرد تنفيذ الخطوة الثانية من خطة الرئيس ترمب لوقف الحرب على غزة والتي لم تعد ترغب إسرائيل في السير فيها قدما واحداً، بعد ان استعادت رهائنها دون دفع أمريكي ومتابعة ورقابة من الوسطاء وهذا ما بات واضحا بعد تلكؤ إسرائيل في الانتقال من المرحلة الاولى الى المرحلة الثانية بعد ان نفذت حماس ما عليها من التزامات خلال المرحلة الاولى، وتتذرع إسرائيل بعدد من الحجج بان حماس لم تلتزم بتعهداتها بتسليم كامل جثث الاسرى الإسرائيليين مع ان إسرائيل تعرف اهم المعيقات وراء ذلك ومنعت فرق فنية متخصصة من تركيا بالقدوم عبر معبر رفح الى غزة مصطحبين معهم معداتهم التكنولوجية الخفيفة والثقيلة للمساهمة في البحث عن جثث الإسرائيليين مع فرق البحث التابعة لحركة حماس, الا ان اسرائيل لم تبدِ سببا لذلك، لكن الحقيقة ان إسرائيل تخشى ان تساهم تلك الفرق في مساعدة فرق الدفاع المدني الفلسطيني في غزة بالبحث عن الاف المفقودين تحت الآلاف بل ملايين الاطنان من ركام المنازل والبنايات التي نسفها الاحتلال بطائراته الحربية.
تدرك الولايات المتحدة الامريكية ان إسرائيل لا تريد التقدم في الاتفاق وان نتنياهو يبحث عن مفجرات له حسب تصريحات مسؤولين أمريكيين كبار بان نتنياهو قد يفجر الاتفاق، لذلك ارسل ترمب مستشاريه (ويتكوف وصهره جاريد كوشنر) ونائبة (جيه دي فانس) الى تل ابيب والذين عقدوا عدة لقاءات مع نتنياهو ووزير شؤونه الاستراتيجية (رون ديرمر)، حيث ذكرت صحيفة نيويورك تايمز نقلا عن مسؤولين أمريكيين ان هناك قلقا داخل إدارة الرئيس ترمب من احتمال انسحاب نتنياهو من اتفاق غزة من طرف واحد، لذلك فان الاستراتيجية الحالية في إدارة ترمب تركز على عدم استئناف الحرب.
وأضافت الصحيفة ان (جاريد كوشنر وويتكوف) أقرا بحساسية الوضع الراهن مشيرين بان اتفاق غزة مازال معرضا لخطر الانهيار في أي لحظة. في الحقيقة ان مبعوثي ترمب استطاعوا إنقاذ اتفاق وقف إطلاق النار من الانهيار بعد ان قصفت اسرائيل مناطق مدنية في داخل قطاع غزة بالمنطقة الوسطي وخانيونس ومدينة غزة وأوقعت أكثر من 30 من الشهداء في ليلة واحدة، وأعلن نتنياهو في ذات الوقت انه سيغلق المعابر امام المساعدات القادمة الى غزة. الولايات المتحدة استنفرت مبعوثيها الذين اتصلوا مباشرة بنتنياهو وأبلغوه رسالة البيت الأبيض بان ما يفعله هو انتهاك صارخ للاتفاق والرئيس ترمب شخصيا يطلب فتح كافة المعابر امام حركة المساعدات الى غزة بما فيها معبر رفح باعتبار ذلك بندا من بنود المرحلة الأولى من الاتفاق. ما هي الا ساعة واحدة حتى صدر بيان عن ديوان مكتب نتنياهو يتراجع فيه عن اغلاق المعابر امام حركة المساعدات وما هي الا ساعات وأعلن مكتب ديوان رئاسة الوزراء الإسرائيلية من جديد عودة إسرائيل للتمسك والالتزام بوقف إطلاق النار في غزة، في الجانب الاخر والمراقب لسلوك إسرائيل اكد ترمب ان وقف إطلاق النار مازال سارياً في قطاع غزة وان كلا من حماس وإسرائيل غير معنيين بانهياره وان مبعوثيه سيعملون على تثبيت ذلك والانتقال لبحث تطبيق بنود المرحلة الثانية من الاتفاق مع المسؤولين الاسرائيليين.
على ما يبدو ان مبعوثي ترمب قد نجحوا في تفكيك تعنت نتنياهو وإقناعه برؤية ترمب ورغبته بإنهاء الحرب والحفاظ على خطته والعمل على تنفيذ بنودها، ودليل هذا النجاح عادت إسرائيل وفتحت المعابر والتزمت بالانتقال للمرحلة الثانية، وهناك اخبار تقول إن تل أبيب وواشنطن بدأتا تفعيل مقر مشترك في مستوطنة (كريات غات) لتنسيق تنفيذ اتفاق وقف اطلاق النار في غزة ومتابعة ترتيبات اليوم التالي للحرب. وبحسب الاعلام العبري فان المقر يضم مئات الضباط والجنود الإسرائيليين والامريكيين الذين يعملون على بلورة آليات ميدانية للتعامل مع أي خرق محتمل للهدنة او أي تحركات غير اعتيادية داخل القطاع. وأعلنت الصحف العبرية بان ممثلين من دول اخرى كمصر والامارات وقطر وتركيا قد ينضمون في المستقبل القريب الى المقر وان نتنياهو سيعين رجل الأعمال الإسرائيلي الأميركي (مايكل آيزنبرغ) ممثلًا شخصيًا له في المقر الأميركي المكلّف بالإشراف على تنفيذ الاتفاق الخاص بإنهاء الحرب على غزة، إلى جانب الجنرال (دولف) ممثل جيش الاحتلال وأجهزة الأمن الإسرائيلية. نائب الرئيس ترمب (جيه ي فانس ) لديه مهمة كبيرة في تل أبيب وهي الإشراف على بدء إسرائيل تنفيذ بنود المرحلة الثانية واهمها انسحاب إسرائيل من الخط الأصفر الى المنطقة العازلة داخل حدود القطاع، وحسب المتفق عليه في مفاوضات شرم الشيخ دون ربطها بمسألة نزع سلاح حماس , كما وان مهمته تتطلب ابداء إسرائيل مرونة كبيرة في موضوع انتشار قوة الاستقرار في القطاع وبدء عمل حكومة التكنوقراط رسميا، وهي الخطوة التي ستحقق الاستقرار الدائم وعندها نستطيع ان نقول إن غزة بدأت اولى مراحل التعافي، لأن تسمية الحكومة وتولي عملها بالقطاع يعني ان لجان عمل فنية ومهنية كبيرة بالاشتراك مع العديد من الدول العربية ستبدأ بتنفيذ خطط التعافي المبكر في القطاع وبالتالى التهيئة لإعادة اعمار القطاع ليس من رفح حسب ما تخطط إدارة ترمب وانما لكل مناطق القطاع.
إن تأخر تنفيذ بنود المرحلة الثانية وعدم وجود انتقال سريع لاستقرار المشهد في قطاع غزة بتنفيذ كافة بنود المرحلة الثانية وخاصة انسحاب اسرائيل لبعد الخط الأصفر سيبقي اتفاق وقف إطلاق النار هشاً وقد ينهار من جديد، لان الجميع يدرك ان حوادث اطلاق النار لن تتوقف خاصة من الجانب الإسرائيلي على طول الخط الأصفر حتى فيما بعد هذا الخط وأخشى ان يصبح الخط الأصفر عند ذلك متراسا في طريق تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وعقبة أساسية في طريق إنهاء الحرب على غزة وهذا قد يعيدنا الى المربع الأول، ما يعني تفجير الاتفاق الذي قد لا يستمر طويلا بفعل ذلك، لان الفلسطينيين لن يقبلوا بأي شكل من الأشكال حرمانهم من العودة لأراضيهم وأماكن سكناهم التي دمرها الاحتلال فيما بعد الخط الأصفر, وأخشى ان يعتبره جيش الاحتلال خط هدنة مركزيا يريد ان ينطلق منه من جديد لعمليات عسكرية برية في النصف الآخر من القطاع، وهذا أسوأ ما يمكن ان يثبت على الأرض، وأسوأ سيناريو قد يكون في انتظار اتفاق إنهاء الحرب على غزة.