تقبع حاملة الطائرات الروسية الثقيلة «الأميرال كوزنيتسوف» لصيانة دورية في أحد الموانئ الروسية، وتجهيزها بأقبية تخزين وأسلحة وذخائر من الأجيال الجديدة، وذلك تمهيداً لإرسالها إلى البحر المتوسط لتقود مجموعة السفن الروسية المرابطة هناك بشكل دائم، وهي عبارة عن عشر سفن، تتناوب بهذا العدد بشكل مستمر، منذ العام 2013.
الوجود البحري الروسي في المتوسط، بهذا الحجم والزخم، من حيث العدد والنوعية يشير إلى أن البحر المتوسط، لم يعد حكراً على أساطيل الولايات المتحدة وحلفائها، وربما أخذت موسكو العبرة من الأحداث التي جرت مع الأزمة الليبية، إلاّ أن سرعة وصول الزخم البحري الروسي إلى المتوسط بات أكثر ارتباطاً، بالدور الروسي في سورية، الذي يطغى عليه الجانب الجوي، وربما جاءت الأزمة مع تركيا إثر إسقاط هذه الأخيرة للطائرة الروسية، لتعزز من الدور الروسي، الذي جاء بطلب من القيادة السورية، من خلال استقدام أفضل أنواع الأسلحة والمعدات في مواجهة مع قوى الإرهاب في الساحة السورية. إلاّ أن الإعلان الروسي عن توجه حاملة الطائرات الثقيلة إلى المتوسط في الصيف القادم، يرتبط مباشرة بعدة تطورات بالغة الأهمية على صعيد الدور الروسي بالمنطقة عموماً، وسورية على نحو خاص.
فالساحة السورية اليوم «تتمتع» بهدنة ووقف للأعمال القتالية نجحت واستمرت رغم الخروقات، واتفاق روسي ـ أميركي على أن هذه الخروقات ستظل تحت السيطرة لتفويت الفرصة على بعض الأطراف التي تحاول العودة إلى ما قبل الهدنة، هذه الأطراف تدرك أن العامل الأساسي والجوهري الذي فرض مثل هذه الهدنة، يتمثل في تعديل ميزان القوى على الأرض، من خلال الدور الروسي تحديدا، وما شهدته الساحة السورية وميادين القتال والاقتتال من إنجازات واضحة للجيش السوري وحلفاء سورية، وتراجع قوى الارهاب في عديد من المناطق الحيوية والاستراتيجية، وخطوط إمداد هذه القوى بالأسلحة والذخائر، لكن تراجع هذه القوى على الأرض لم يكن كافياً لإقناع بعض الجهات الداعمة بالتراجع سياسياً، وترددت في القبول بالموعد الذي كان محدداً لعقد جولة جديدة من مباحثات جنيف، كونها تدرك أن التراجع في الميدان، سيفرض تراجعاً في الميدان السياسي، ولهذا، لجأت بعض أطراف المعارضة، إلى خرق هنا وآخر هناك، في محاولة منها لوضع حد للهدنة، وهو الأمر الذي لا يتوافق مع السياسة الأميركية التي أدركت مع مضي الوقت فشل سياستها السابقة، خاصة فيما يتعلق بوضع الرئيس الأسد في مستقبل الدولة السورية، ولعل في تصريح المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا من أن من يقرر مصير الأسد هو الشعب السوري، وذلك في رد مباشر على دعوات بعض أطراف المعارضة ودول عربية، بتحديد مستقبل الرئيس الأسد مسبقاً، هذا التصريح يكاد يتشابه حرفياً، مع تصريح أو أكثر من قبل الرئيس بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف، وهو أيضاً ما راوغت بالتصريح حوله واشنطن مع أنها باتت تدرك أن التطورات الأخيرة، ميدانياً وسياسياً، ستؤدي إلى أن يقوم الشعب السوري بتحديد خياراته ومستقبله ومن دون تدخل من تلك القوى التي فجرت حروب الارهاب على الساحة السورية.
لقد وفرت هذه الهدنة بعضاً من الهدوء الذي كان المواطنون السوريون بحاجة ماسة إليه، كما وفرت آليات الدعم والإسناد للمواطنين من خلال قوافل الغذاء والدواء لمناطق عديدة محاصرة، إلاّ أن الأهم من ذلك كله، أن هذه الهدنة وفرت أجواء دولية متحالفة بضرورة التوصل إلى حل سياسي، وليس عسكرياً للوضع في سورية، الأمر الذي عزل بعض القوى التي لها مصلحة في استمرار الوضع المتفجر في الساحة السورية، هذه الأطراف باتت عاجزة عن القيام بدورها بدعم الارهاب بالنظر إلى قراءة سياسية جديدة لمصالح الغرب، أميركا والحلفاء الأوروبيين، إذ أن هناك عملية مراجعة بضغط من نتائج الدور الروسي على الساحة السورية، أدت إلى التوصل إلى تفاهمات دولية، روسية وأميركية وأوروبية، بالتعارض مع المصالح الضيقة للقوى التابعة لها تعارض المصالح في التحالفات التي استمرت قبل الدور الروسي، هي إحدى مميزات الوضع الراهن الذي بدأ يفرض منطقه على المنطقة كلها انطلاقاً من الوضع السوري، ما يشير كما كان الأمر عليه دائماً، الى أن سورية، هي التي تحدد خريطة المنطقة، سلباً أم إيجاباً، منها تنطلق العروبة الحقة، وإليها تمتد يد الارهاب التي تنطلق عن بعد، أو عن قرب، ونسف مركز البوصلة، وهي التي تحدد مسار عقاربها، خاصة بعد تراجع دور الشقيقة مصر، التي باتت بدورها أسيرة أعمال الارهاب التي أدت إلى انشغال شعبها بمواجهته!!