«سقط سهواً» كما يقال في غير مجال، وفي مقالة الخميس 3 آذار «إسرائيل من التعريف إلى التصنيف» سقطت خلاصة تصنيف إسرائيل الدولي، باعتبارها دولة «الأمن» الأولى.
في هذا المجال تقف إسرائيل على منصة الرقم «1» عالمياً، وتعرف أنها، إقليمياً، تقف على منصة هذا الرقم في القوة العسكرية لجيوش دول المنطقة.
في مجال القوة العسكرية، المدعومة بمخابرات قوية، طالما تباهت إسرائيل بـ «ذراع طويلة» ضربت وتضرب في العمق العربي الأمني، وأيضاً ضربت في أمن الشتات الفلسطيني. لا يذكر تاريخ صراع الجيوش أن العرب بادروا عسكرياً إلى رد ضربات «الذراع الطويلة» الإسرائيلية، حتى صواريخ العراق الـ39، ثم صواريخ «حزب الله» وحركة «حماس». يمكن اعتبار العمليات الفدائية البحرية الجسورة نوعاً من الردع على «الذراع الطويلة» الإسرائيلية، وكذا العمليات الخارجية الفدائية.
شكلت أوسلو علامة فاصلة فهي نقلت صراعاً غير متكافئ، ولكن شجاع، في موازين القوى العسكرية إلى صراع غير متكافئ وأكثر شجاعة في موازين الأمن، حيث لإسرائيل بطولة عالمية في هذا المجال. على سبيل المثال، كان في برلين المقسومة زمن حرب باردة بين معسكرين نقطة عسكرية بين البرلينتين تدعى «تشارلي». أظن أن إجراءات وأساليب الأمن في ذلك الحاجز البرليني، ليست في مستوى مشدّد تكنولوجياً مقارنة بتطور حاجز ايرز ـ بيت حانون، الذي له على الأغلب بطولة الحواجز العسكرية العالمية. كمثال آخر، كان في القدس المقسومة قبل حرب حزيران 1967 نقطة عبور تسمى «مندلبوم» بين القدس الشرقية والغربية، ولا أظن أنها تقارن عسكرياً وتكنولوجياً بحاجز قلنديا.
لا تتوقف بطولة «الأمن» الإسرائيلي على الحواجز العسكرية، التي لم تكن هكذا قبل الانتفاضة الثانية بخاصة، بل ان دولاً كثيرة تحاول اقتباس بطولة إسرائيلية عالمية مطلقة في الجدران الأمنية. هناك، أيضاً، وجوه وممارسات أمنية مثل المداهمات والاعتقالات الإدارية، وكثافة استخدام أجهزة مقاومة الشغب، وإطلاق الرصاص على أنواعه، وهدم البيوت والإنشاءات... وما لا يُحصى من أساليب الأمن غير المتبعة في دول العالم، مثل تقسيم الأرض المحتلة إلى ثلاث نطاقات أمنية. إذا واجه الفلسطينيون «الذراع الطويلة» العسكرية الإسرائيلية في مرحلة مضت من الكفاح المسلح، وردوا عليها بما استطاعوا، فهم يواجهون، منذ الانتفاضة الكبرى الأولى ذراع «الأمن» الإسرائيلي.
في هذه الانتفاضة الثالثة، التي مضى عليها خمسة شهور، وصفها الفلسطينيون على أنها «هبّة» لتمييزها عن انتفاضة شعبية في الأولى، تطورت في الثانية إلى انتفاضة مسلحة، وفي الحالتين كانت بدايتها حجرية، وهو أقدم سلاح. إضافة إلى أقدم سلاح، فإن الثالثة تختلف عن سابقتيها في اللجوء إلى أسلوبي الطعن والدهس، أي «الذراع القصيرة» وأسلوب «سأرميهم بما ملكت يميني». في الانتفاضة الثانية، خصوصاً، تعرضت بعض حواجز الجيش الإسرائيلي إلى عمليات نارية قاتلة، والعمق الإسرائيلي إلى عمليات انتحارية تسابقت إليها الفصائل. كانت مهمة حواجز الجيش في الانتفاضة الثانية منع أو تقييد الحركة، وإطلاق قنابل الغاز على كل محاولة لاجتياز الحواجز، دون تفتيش جسدي، بل الاكتفاء بتدقيق الهُويات. حالياً، صار التفتيش الجسدي مشدداً ومهيناً، وإطلاق النار على كل اشتباه بمحاولة طعن أو دهس، وبالتالي يسقط الكثير من الفتية والشبان ضحايا بالرصاص.
مرّت خمسة شهور على اندلاع «انتفاضة الأفراد» وما وصفه الفلسطينيون على أنه «هبّة» تختلف عن انتفاضة شعبية وأخرى مسلحة، صار إسرائيليون يصفون هذه الهبّة على أنها انتفاضة ذات تكتيك جديد يتحدّى الأمن الإسرائيلي، لأنه لا طاقة للفلسطينيين على المواجهة العسكرية. المواجهات العسكرية خاضعة لموازين القوى، لكن في مواجهة قوة الأمن الإسرائيلية هناك موازين الإرادات. مدرسة «أبو النوار» كثيرة هي صور الأحداث الجارية، وتوقفت عند صورة تلاميذ مدرسة «ابو النوار» في العيزرية بعد هدم مدرستهم ومصادرة أثاثها، وهم يحملون المقاعد لتلقّي الدروس في العراء. إحصائيات الجسور أقرأ بانتظام إحصائيات أسبوعية غير منتظمة عن حركة عبور جسر الأردن.
في الفترة الأخيرة لاحظت أن أعداد المغادرين تزيد على أعداد العائدين. أرجو أن يكون الفارق عابراً، وليس دلالة على حركة هجرة. سيارات عدد السيارات الجديدة في الشوارع الفلسطينية عام 2015 كان أكثر من 15 ألف سيارة، بينما كان في العام 2014 أكثر من 8 آلاف سيارة. بشروط وبغير شروط كتب أفيعاد كلاينبرغ في «يديعوت» يوم 2 آذار أن إقصاء النواب العرب في الكنيست يعني أن «دولة إسرائيل يهودية بلا شروط وديمقراطية بشروط».
حسن البطل