منذ أن تولت رئيسة وزراء اليابان ساناي تاكايتشي منصبها الرفيع أواخر الشهر الماضي، سارعت لتأكيد حضور بلادها على الساحة الدولية عبر ترسيخ العلاقة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأميركية والاصطفاف مع الأخيرة في تحالف ضد الصين.
العلاقة بين طوكيو وبكين لم تكن سليمة منذ الحربين العالمية الأولى والثانية، وفي أعقاب غزوات الأولى للصين، وهي ليست كذلك خصوصاً حينما تجتهد بكين في توسيع حضورها الدولي والتمدد في بحر الصين الجنوبي لتعظيم دورها العسكري والتجاري.
تايوان الدولة الجزرية التي تقع على مسافة جغرافية قريبة من الصين واليابان، تشكل عامل توتر لكلا البلدين، بينما ترى فيها بكين جزءاً من مبدأ الصين الواحدة، ولذلك تجد في أي تصريحات تمس تايوان مساساً شخصياً بالدولة الصينية.
حديثاً صرحت رئيسة الوزراء اليابانية أن بلادها قد ترسل قوات عسكرية لدعم الجزيرة في إطار ما يُعرف بـ»الدفاع الجماعي عن النفس»، الأمر الذي أغضب الحكومة الصينية التي استدعت السفير الياباني لنقل رسالة احتجاج ضد تصريحات تاكايتشي.
مثل هذه التصريحات قد تفاقم التوتر بين البلدين، لأن الصين ترى في تايوان جزيرة ينبغي استعادتها إن عاجلاً أم آجلاً، بينما ترى الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها في المنطقة وعلى رأسهم اليابان وكوريا الجنوبية، أن التوسع الصيني في غرب المحيط الهادئ يهدد الأمن والاستقرار العالميين.
التصريحات اليابانية هذه تبعها استعداد واشنطن بيع تايوان معدات عسكرية بقيمة 330 مليون دولار، كان قد سبقها بطبيعة الحال إرسال الكثير من المعدات العسكرية لتمكين تايبيه من الدفاع عن نفسها في حال حصل أي هجوم صيني عليها.
الإجراء بحد ذاته يشكل رسالة تهديد لبكين أن عليها احترام حدود القوة الذي ترسمه الولايات المتحدة الأميركية في بحر الصين الجنوبي وعدم تجاوزه بسياسة التوسع، ومن غير المستبعد أن تكون رئيسة الوزراء اليابانية قد نسقت مع الرئيس الأميركي بشأن تصريحاتها حول استعداد بلادها إرسال قوات لدعم تايوان.
واشنطن بالتأكيد لا تغفل عينها عن كل التحركات الصينية في بحر الصين الجنوبي، لذلك تدعم الأولى حلفاءها في المنطقة لمسعى تطويق الصين وإرباك حساباتها العسكرية والتجارية، وفي المقابل تهدد بكين بشكل دبلوماسي ناعم عبر تطوير أسلحتها وقطعها العسكرية، وإنتاج قطع جديدة تدخل الخدمة على غرار حاملة الطائرات التي أعلن عنها مؤخراً.
ثم إن الولايات المتحدة الأميركية تجد في تعزيز التحالف مع تايوان أمراً مهماً بالنسبة لها، كون هذه الدولة الجزرية تشكل السلسلة الأولى من الجزر في جنوب شرق آسيا، وموقعها استراتيجي لا يبعد كثيراً عن الصين بمسافة لا تتجاوز 140 كيلومتراً.
فضلاً عن كون تايبيه مركز حيوي لصناعة أشباه الموصلات المهمة جداً للاقتصاد العالمي والأمن الرقمي، وهي مفيدة كثيراً للولايات المتحدة التي تعتمد عليها وترى في توفيرها أمراً بالغ الأهمية لأمنها القومي، خصوصاً وأن شركة TSMC التايوانية تصنع أكثر من 60% من الرقائق في العالم وأكثر من 90% من الرقائق المتطورة جداً، وأي تعطل في الإنتاج يعني شللاً في الصناعات التقنية والعسكرية الأميركية.
ستبقى تايوان عنوان التوتر بين المحورين الأميركي والصيني، لكن هذا التوتر لن ينفجر إلى صراع مباشر، اللهم قد تنشب بعض الصراعات بالوكالة، في حين ستبقى عجلة سباق التسلح مستمرة خصوصاً بالنسبة للتنين الصيني الذي يطمح أن يكون على رأس النظام الدولي.
الولايات المتحدة الأميركية تستشعر الخطر المقبل من الصين الذي يهدد موقعها في سلم النظام الدولي، ولذلك تجد واشنطن في تايوان ودول أخرى مثل كوريا الجنوبية واليابان والفلبين، خط الدفاع الأول لمنع الصين من إحراز أي تفوق سياسي أو عسكري.
وبينما تقفز الصين بقوة إلى قمة المسرح الدولي، تجد الولايات المتحدة نفسها أمام موقف صعب لا يمكنها معه وقف الصعود الصيني، ونسمع بين الوقت والآخر عن حروب تجارية بين البلدين، ومساعٍ لامتلاك أسلحة متطورة وتحديث الترسانة العسكرية لكل بلد.
من المرجح أن لا يكون هذا العقد صينياً، لكن المنافسة شديدة، ومن المحتمل أن تصل بكين إلى قمة النظام الدولي خلال العقد الثاني أو الثالث من القرن الحالي، لذلك تخترع واشنطن وسائل إلهاء ومشكلات حتى تمنع بكين من منافستها على النظام الدولي.
مع كل صعود وتوسع صيني في محيطه الإقليمي والدولي، يختلف الخطاب باختلاف عناصر القوة، وحتى تحقق الأفضلية في النظام الدولي لن تتخلى بكين عن طموحاتها في استعادة تايوان، حتى لو كلفها ذلك في المرحلة المقبلة الدخول في حرب مباشرة مع الولايات المتحدة الأميركية.
