الحرب في المنطقة لم تتوقّف، ولا يزال السلام بعيد المنال، لا يعطّله فقط المصير الذي ينتظره سلاح المقاومة الفلسطينية.
بعد قرار مجلس الأمن، كان من المفروض أن تبدأ معالم تحقيق سلام جزئي عبر التزام كافة الأطراف والإدارة الأميركية تصرّ على أن وقف إطلاق النار صامد، وغير قابل للانهيار مع أنه هشّ إلى حدّ كبير.
القصف لم يتوقف، ولا توقفت الاغتيالات، وكل مرة بذريعة خرق الاتفاق من قبل المقاومة.
مئات الشهداء ومئات الجرحى، منذ تمّ دخول «خطة ترامب» حيّز التنفيذ الفعلي وفوق ذلك، تقوم قوات الاحتلال الإسرائيلي بالتقدم نحو تجاوز الخطوط التي تم الاتفاق عليها.
لا يحتاج الإقرار باستمرار الحرب العدوانية، سرد المزيد من الوقائع والأرقام، ذلك أن بنيامين نتنياهو المطلوب لـ»الجنائية الدولية» لا يتوقف عن التأكيد على أن الحرب مستمرة حتى يحقق كل أهدافها.
ويقول نتنياهو إن جيش الاحتلال سيقوم بالمهمة، في حين تعجز أو تقصّر قوات حفظ السلام، عن القيام بما يرغب ووفق مقاييسه، ومع ذلك لا يتوقف جيشه عن أداء المهمة المنوطة به من قبل المستوى السياسي.
يواصل الجيش، أيضاً، الحرب الهمجية، ولا يجد أي ردود فعل، لا من قبل الإدارة الأميركية ولا من قبل الموقّعين على الاتفاق، لا بل إن نتنياهو يدّعي أنه يقوم بالتنسيق أو إبلاغ مركز التنسيق المدني والعسكري في دولة الاحتلال.
ولا تزال مصادر ومؤسسات الأمم المتحدة تتحدث عن إغلاق المعابر، وقصور المساعدات التي تصل عن تلبية الحدّ الأدنى من احتياجات السكّان.
يعلم الوسطاء، وتعلم الإدارة الأميركية، مدى حاجة السكّان للخيام، ومدى حاجة المستشفيات للأجهزة والمستلزمات الطبية والأدوية.
ويعلم الجميع مدى حاجة البلديات للمعدّات الثقيلة ولوازم إعادة ترميم البنية التحتية للمياه والصرف الصحي، ويرى الجميع ما تتسبّب به الأمطار من كوارث لسكان الخيم المهترئة.
والجميع يعلم أن دولة الاحتلال تتعمّد، منع وصول الاحتياجات الضرورية والأساسية للسكان وذلك بخلاف ما ينصّ عليه الاتفاق.
يبدو أن هذا الصمت أو التخاذل عن ممارسة الضغط على دولة الاحتلال من أجل التزامها بما تم الاتفاق عليه، يبدو أن هذا يستند إلى قناعة بأن المقاومة ليس أمامها أي خيارات سوى ابتلاع المزيد من الأشواك، تحت ضغط الوضع الإنساني وحتى الميداني.
لا ينصّ الاتفاق على أن دولة الاحتلال لها وحدها الحقّ في القيام بما تقوم به، من اعتداءات متكرّرة، حتى أنها لا تتناسب مع أيّ خروقات إن كانت هناك خروقات.
لإدارة ملف قطاع غزّة ينشئ نتنياهو مجلساً، يضم بين صفوفه سموتريتش وبن غفير، المعروفين بإصرارهما على متابعة الحرب الوحشية، حتى آخر فلسطيني مقيم في قطاع غزّة.
الحرب مستمرّة ومتصاعدة في الضفة الغربية، والأمر ليس معزولاً عمّا يجري في القطاع، فمدنها وقراها، ومخيماتها تتعرّض يومياً، لهجمات ميليشيات وسوائب المستوطنين المسلّحة وهجمات جيش الاحتلال.
ثمة قتل يومي واعتقال يومي، ومصادرة أراضٍ واستيطان يومي، وحرق بيوت وآليات الناس.
يصمت العالم أمام تهديدات بن غفير، الذي يطالب باغتيال أو اعتقال الرئيس محمود عبّاس «أبو مازن»، وأنه يحتجز له زنزانة في سجن النقب.
تصوّروا أنّ مسؤولاً فلسطينياً، أو حتى إنساناً عادياً، يمكن أن يطلق مثل التهديدات التي يطلقها بن غفير، على أيّ مسؤول إسرائيلي، وما الذي يمكن أن يصدر عن الإدارة الأميركية وغيرها من إدانات، وعقوبات؟
في غزّة، يطبّق جيش الاحتلال مع حصاد من الضحايا أكثر ما يقوم به من اعتداءات على لبنان.
الحرب العدوانية مستمرة، على لبنان، وتتصاعد وتتخذ طابعاً يومياً، بذريعة استهداف كوادر وقواعد لـ»حزب الله» اللبناني، والتهديدات ذاتها الموجهة للمقاومة في غزّة، تتكرّر في لبنان.
إذا لم يقم الجيش اللبناني بنزع سلاح الحزب، فإن دولة الاحتلال ستكون مستعدّة وهي قادرة على أن تفعل ذلك، وتواصل احتلال النقاط الخمس في الجنوب اللبناني، وتسوية كل حجر فيها، فضلاً عن إقامة جدار، بما يشير إلى استمرارية الوجود على الأرض اللبنانية.
«اليونيفيل»، يشكو الخروقات الإسرائيلية، والجيش يشكو هو الآخر، ويتعرّض الطرفان للاعتداءات، ويسقط شهداء وجرحى، ولا تتحرّك الإرادة الدولية لضبط السلوك الإسرائيلي.
يجري ذلك فيما تصرّ الدولة اللبنانية على اتباع الطرق السلمية، والدبلوماسية، لإرغام دولة الاحتلال على وقف اعتداءاتها والانسحاب من الأراضي اللبنانية، ولكن الكلّ يرى ولا يسمع أو يحرّك ساكناً.
واضح، أيضاً، أن دولة الاحتلال تعوّل على أن الدولة اللبنانية لا ترغب في الدخول في مواجهة تؤدّي إلى تدمير واسع، واستهدافها ذاتها، وأن الحزب، محدود الخيارات، وفي وضع أضعف مما كان عليه قبل اتفاق وقف إطلاق النار قبل عام.
والحرب مستمرّة على سورية، فالاعتداءات مستمرّة، والتوسّع مستمرّ، وتعلن دولة الاحتلال أنها لن تنسحب من جبل الشيخ أو المناطق التي احتلتها، وتزيد مساحتها على 4000 كم2، وهي تواصل اعتداءاتها حتى لا تتعافى سورية، وإلى أن يتمّ تقسيمها إلى دويلات طائفية، بالرغم من الرضا الأميركي والأوروبي، والدولي عموماً عن «النظام الجديد الانتقالي».
دولة الاحتلال لا تزال تطلق التهديدات لـ»جماعة أنصار الله» «الحوثيين» اليمنية، ولإيران، وللمقاومتين الفلسطينية واللبنانية، وتتهمهما بإعادة ترميم قواتهما بما يشكّل تهديداً لها، تصرّ على إزالته.
إذا أراد ترامب أن يحقق السلام في المنطقة، فإن عليه أن يتخذ خطوات جدّية صارمة، لضبط السلوك الإسرائيلي، وإلّا فإن المنطقة قابلة للانفجار في أيّ لحظة.
