جمال أشد وطأة من الكلاشينكوف

6a83ff08-5387-4cbb-8606-3a32e396e330
حجم الخط

 

 

عندما يتكلم تنساب منه الكلمات بسلاسة الخرير، وعندما ينظر تظهر عليه ملامح لا تخطئها العين حيث الصخب يعتمل في خلجات نفسه، ورنة صوته الهادئ الى الدرجة التي تغيظ من يرفض رأيه فلا يستطيع أن يرد عليه، وعندما يقف منتصبا يتراءى لك الأسد المتأهب للانقضاض.

 

الفدائي الذي يمثله جمال أبو الليل -زميلنا في المجلس الثوري لحركة فتح- يجمع الأصالة مع روح التمرد، والقوة مع رحابة التقبل للاختلاف والشوق للانقضاض مع درجة عالية من التأهب العزيز.

جمال الثقيل قدرة،النابض حيوية يتحرك بخفة الفراشة وصلابة الزيتون، وخيلاء البدر حين يطل من عليائه فيشرق ككل المناضلين بلا استئذان.

 تراه حتى لو لم تكن بمعيّته، وتتحسس هسيس صوته وعبوس الجبين مع مضاء الإرادة.

لا يقبل الاسرائيلي أبدا مثل هذه المواصفات في الفلسطيني، فالفدائي المتخايل المشرق المتأهب النابض شديد التوق يمثل تحديا أشد وطأة من الكلاشينكوف وأكثر إرعابا له من هدير الطائرات.

جمال أبوليل لا يتقن فن المناورة والمداورة، ولا يؤمن بالتكتيك والطرق الالتفافية فيطرق صلب الموضوع مباشرة حتى تخال نفسك مجبرا على القبول أو الرفض بلا توسط.

تختلف مع جمال أو تتفق لا ضير ولاضغينة، فهو المؤمن برأيه الى حد العاصفة، وهو المدافع عن رأيك لتقوله مهما اختلفت معه أو اختلف معك، إذ نجح في امتحان الحوار فتمثل قوة منطق صلاح خلف وقدرته على الاستيعاب معا.

هو كما أراد، إذ قُدّ من صخر القدس وفضاء فلسطين الفسيح، فكيف لك أن تجد شخصية بمثل هذه الأوصاف؟ وتستكين!

كرهه الاسرائيلي متحدثا ومتحديا وصامتا، ولم يحبه صابرا وصامدا ومتوثبا، فكيف يقبل بقائد مثل جمال؟

قد لا أكون اتفقت معه في مواقف، ولكنني أدركت فعل حركة فتح الطاغي فيه حيث ألقى بصخور الجمود بعيدا عن حقل عقله، وشمّر عن ساعدَي الجد، ورسم قوسا وأسرج الخيول فأصبح في المدى علامة فارقة، وتتبع مسار السابقين أملا باللحاق بالقافلة.

جمال، كما كل أبطال القدس، عنفوان الألم وغضب اليتامي ومحصلة الشهداء فينا، ووفاء الاقحوانة، لم يهمل تبعات النضال وأصول الاضحية، ومعنى الهيام فأحب فلسطين كما أحبتها عجائزنا والصبايا وشيوخنا والشبيبة، وكما عشقتها السهوب والجبال وإشراقات النوار، ونحن.

هل كان الاحتلال يتصيد لحظات الغضب وكوامن التمرد ومنابع الصمود حين انتشر بين جنوده وباء الجنون؟ أم هي سمة المحتلين أن يقتلوا بوحشية ويرفعوا عقيرتهم بالصراخ؟

أم كان الاحتلال الغاشم يدمر متعمدا كل منابع الضوء والسطوع والأمل؟ ويثير الفتنة، ويطعن النسيج؟

لكل هذا وأكثر ارتكب قادة الفصل العنصري المغمسين بعصير الحقد وجدار النار جرائمهم فاعتقلوه، وما زالوا... ولكن سعيهم خائب لا محالة.