لم يكن لتوفيق عكاشة هدف غير تحقيق الشهرة بأي ثمن حتى لو كانت على حساب الشرف والكرامة، وعكاشة ظاهرة شاذة، لكنه عابرة تبقى وتستمر على الهامش، ولا تكسبها الشهرة أي جدارة. ومع ذلك فرُب ضارة نافعة؛ تسببت في إخراج المختزن في خفايا “اللاشعور الوطني” الرافض للتطبيع.. رغم تعاقب الأجيال، واختلاف العصور، وتنوع الاختراقات، وفساد السياسات.. وطغى رفض التطبيع على ما عداه!!
وشذوذ الظاهرة يقتضينا التعرف على بعض ملامحها؛ فالاسم بالكامل؛ توفيق يحيى إبراهيم عكاشة، من مواليد يناير 1967 بقرية «نبروه» التابعة لمحافظة الدقهلية، وتلقى تعليمه الأساسي هناك إلى أن التحق بمعهد الخدمة الاجتماعية بمدينة كفر الشيخ، وتخرج منه صيف 1990.. والتحق بالإعلام بواسطة أحد قادة الحزب الوطني المنحل، أيام وزير الإعلام الأسبق صفوت الشريف. ونسج عن طريق التليفزيون شبكة من العلاقات أوصلته إلى الأمين العام للحزب المنحل يوسف والى. وكان ينحني أمامه ويُقبل يديه، وتعامل بنفس الطريقة مع صفوت الشريف.. ويقيم حاليا في قصره بقرية ميت الكرماء ـ دقهلية..
كتب السفير هاني بسيوني لموقع «العربى اليوم» عما أسماه التاريخ الأسود لتوفيق عكاشة.. وكان يذهب لوزير الزراعة الأسبق ونائب رئيس الوزراء ليتابع أخبار الأمانة العامة للحزب الوطنى بصحبة كاميرات تليفزيون الدولة.. واحتضنه والى مع مجموعة من الشباب تجاوزت الخمسة عشر فتى وفتاة ومن بينهم عكاشة.. وفي رواية بسيوني أن اختيار عكاشة تم بعناية فائقة وأُخضِع لاختبارات كشف كذب فى تل أبيب. وتم تجنيده فى شبكة شبابية أسسها الرئيس الصهيوني الأسبق شيمون بيريز، أطلق عليها اسم «شبكة قادة المستقبل»، وضمت شبابا مصريا وأردنيا وفلسطينيا وصهيونيا؛ أُعِدوا على أيدى خبراء صهاينة، عمل أغلبهم لحساب جهاز الموساد، وتوطدت علاقات عكاشة بالموساد حسب قول بسيوني، واستطرد أن شريف والي ابن شقيق يوسف والي؛ تولى رئاسة رابطة خريجي جمعية جيل المستقبل التي أقامها جمال مبارك.. ورئيس الشبكة في مصر، وكان أبرز قيادات محافظة الجيزة(!!)
وحصل عكاشة على ترخيص بتكوين “المجموعة المصرية للإعلاميين الشبان»، وعن طريقها وضع يده على خمسة آلاف فدان من أملاك الدولة بصفته رئيسا لهذه الجمعية المشبوهة، وحصل على تزكية يوسف والى في سبتمبر 1999، بطلب يحمل رقم 10457. وتم وضع يده على قطع الأرض من رقم 44 إلى رقم 56؛ غرب طريق مصر اسكندرية الصحراوي، وتقدم بطلب تقنين وضع اليد عليها من أجل تحرير عقود بيع للمشترين.. وحين راجع هيئة عمليات القوات المسلحة تحفظت على طلبه.. ورفضته “هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة”. وانفرد موقع »بوابة» الألكتروني بنشر المستندات الدالة على ذلك.
وأسند لنفسه وظيفة رئيس مجلس إدارة قناة «الفراعين» المملوكة لوالدته، وأصبح نائبا عن دائرة «نبروه»، في انتخابات 2010؛ الأكثر تزويرا في التاريخ المصري.. وتمت تحت إشراف أحمد عز؛ الذراع الأيمن لـ«الرئيس الموازي» جمال مبارك، وأمين التنظيم بالحزب الوطني المنحل، ومعروف بـ«امبراطور الحديد».. وكان عكاشة ينافس الزعيم الوفدي فؤاد بدراوي في تلك الدائرة، لكن البدراوي انسحب احتجاجا على فساد العملية الانتخابية.
وعقب ثورة يناير 2011، أسس عكاشة «حزب مصر القومي» وأعلن عن خوض انتخابات الرئاسة في 2012؛ ثم تراجع، وتقدم لانتخابات مجلس الشعب في نفس السنة؛ على رأس قائمة «حزب مصر القومي»، وخلالها صدر ضده حكم بالسجن ستة أشهر في قضية قذف وسب السيدة ليلى مرزوق والدة الشاب خالد سعيد، الذي مات تحت تعذيب الشرطة، وكان شرارة أشعلت ثورة يناير 2011.. ووصف عكاشة ابنها الفقيد بتعاطي «مخدر البانجو»، وخسر انتخابات 2012، وفاز في انتخابات 2015 عن دائرة طلخا ونبروه.
وسبق وتناولنا في عدد «القدس العربي».. ليوم السبت 23/ 08 2014/ تأثير «الظاهرة العكاشية» السلبي على صورة مصر والمصريين، وكتبنا «هناك من بين المشتغلين في مجالات الدعاية السياسية والإعلام من ينتقي الهوامش ويتعامل مع سطح الأشياء كي يسيء إلى غيره ويشيطنه!!، فيبالغ في تأثير «الظاهرة العكاشية»، ويجعل من صاحبها حجة على عموم الشعب المصري، بما فيه من علماء وأكاديميين ومثقفين وخبراء ومهنيين ورجال دين وفلاحين وعمال ورعاة وصيادين، ويختزل فيها كل هؤلاء، والاستشهاد بما يتفوه به صاحب الظاهرة وأمثاله، الذي أضحى مرجعا معتمدا لدى معلقين وكتاب رأي، ومصدرا للإفتاء فيما يعرف وفيما لا يعرف، وكأنه يملك ويدير مؤسسات ومراكز أبحاث وبيوت خبرة تعمل ليل نهار على إعداد الدراسات وتقديم المشورة في السياسة والاجتماع والاقتصاد والقانون والإعلام». ووصفت الظاهرة العكاشية بأنها «تجسيد للفوضى والعشوائية، يستغلها المتربصون والعاملون في خدمة مخطط شيطنة مصر، في وقت يعتبرها المصريون من «سَقَط المتاع، ومظهرا شاذا لا يصلح للقياس».!
ودعا عكاشة السفير الصهيوني إلى منزله؛ واضعا نفسه فوق كل سلطة وأعلى من أي إرادة، وتباحث معه في أخطر القضايا؛ بخبل لا يحسد عليه.. وشاركه ذلك الخبل من وقف وراء الدعوة، ويسر أمرها.. ونقل الموقع الألكتروني لصحيفة «الفجر» المصرية ما جاء على لسان عكاشة في هذا الشأن: إن لقاءه بسفير الاحتلال الصهيوني «جاء بعد إخطار أجهزة الأمن قبل اللقاء، وتم في حراسة 22 أمين شرطة وضابط من وزارة الداخلية، ومعه وفد من السفارة يضم المستشار الثقافي والوزير المفوض والقنصل الصهيوني في مصر. وأشارت «الفجر» إلى ما ذكره عكاشة من أن اللقاء كان «ثقافيا»(!!)، عن كتابه «دولة الرب والماسونية والألفية السعيدة».. ومع ذلك تطرق إلى القضية الفلسطينية وشهداء بحر البقر وأزمة سد النهضة.
وهذه الدعوة كشفت حجم تأثير جناح »متصهين» في الحكم مكون من قوى نافذة وسط رجال الأمن وبين أباطرة المال ومؤيدي التطبيع، وكانت وزارة الداخلية على علم، وكذلك وزارة الخارجية. فالعرف الدبلوماسي لا يسمح لأي دبلوماسي بمثل هذه الزيارة دون علم وزارة الخارجية.. والداخلية والخارجية شريكان ضليعان.. بجانب شركاء من المتوقع أن تكشف عنهم الأيام!!
ويبدو أن الأجهزة الصهيونية توهمت أن لحظة جني الثمار حانت.. ولا بأس من اللعب على المكشوف، بخلية أو أكثر من الخلايا النائمة؛ لتستعرض قوتها من ناحية وتقيس درجة التغيير بين الأوساط الشعبية والوطنية تجاه التطبيع بعد ما يقرب من أربعين عاما على «اتفاقية السلام» بين مصر الرسمية والدولة الصهيونية؛ بالرعاية الأمريكية المعتادة.
وفوجئوا بأن الأمر ليس كما توهموا.. واشتعلت دائرة عكاشة الانتخابية بالغضب وانتفضت معها مصر؛ بجمع التوقيعات والاحتجاج وتقديم العرائض، وخلال أيام أسقط مجلس النواب عضوية عكاشة، وغسلت مصر عارها، وهي التي لم تعرف تسامحا مع التطبيع؛ وما زالت رافضة له ومستمرة في تحديه وعاملة على معاقبة مقترفيه… ولم يتبق لعكاشة إلا اللجوء لتل أبيب!.
أصبح وضع المطبعين حرجا ولا نعلم موقف صلاح دياب مالك صحيفة «المصري اليوم» وامبراطور التطبيع والوكيل المعتمد للشركات والاحتكارات الصهيونية في مصر.. وحين القبض عليه العام الماضي وقف المطبعون وقفة رجل واحد وأُفرج عنه خلال ساعات وبقي شباب الثورة، الذي لم يمارس عنفا أو تخريبا رهن السجن والحبس الاحتياطي شبه المفتوح.. فهل بذلك تستقر البلاد وتستقيم الأوضاع؟ سؤال من الأسئلة التي لا تجد ردا أو اهتماما!.
٭ كاتب من مصر يقيم في لندن