المرحلة الثانية من المشروع الأمريكي للسلام في غزة المدعوم دوليا وقانونيا بقرار مجلس الأمن 2803 تخيف الجميع (ما عدا ترمب طبعاً) لأنها مليئة بالتفاصيل حيث تكثر الشياطين. هي الطريق لكيفية العيش والمانع الذي يقف سدًّا بين الموت والحياة في غزة فكلَما تقدَمت خطوة كلما ابتعد شبح الحرب هنا. ويا ليتها بهذه البساطة في التنفيذ كما بالتعريف. فغزة اليوم ساحة مفتوحة ومكشوفة للأطماع السياسية والاستثمارية كحال أي بلد بعد حرب طويلة. وباختصار هذه المرحلة عبارة عن إرساء إطار هيكلي سياسي وأمني يحدد طريقة عيش الغزيين من جهة والعلاقة مع إسرائيل من جهة أخرى. وهذا الإطار يتم إرساؤه عبر هيراركية متدرجة يقف على رأسها مجلس السلام العالمي وهيئة تنفيذية دولية ومجلس تكنوقراط فلسطيني وقوة متعددة الجنسيات.
وبعيداً عن التفاصيل البيروقراطية المملة، والخروقات الإسرائيلية المتكررة، وعلى افتراض أنّ كلّ المجالس المذكورة قد تم تشكيلها. تقف ثلاث معضلات رئيسية متشابكة فيما بينها ومتحدّية بفعل الواقع على الأرض:
الأولى تبدأ مع قوة الاستقرار الدولية التي يحيط بها الجدل وعدم التوافق ويكتنفها الغموض حول المهام والصلاحيات والنفوذ، وهل هي قوة سلام ومراقبة فقط على الحدود ومنع الاحتكاك كما تريد حماس أم قوة فرض سلام منوط بها عملية نزع سلاح الفصائل الفلسطينية في غزة وحل أمني طويل الأمد كما تريد الولايات المتحدة واسرائيل؟ وذلك على الرغم من أن خطة ترامب ذات العشرين نقطة (التي وقّع عليها الجميع ) وقرار مجلس الامن 2803 أورد نصا: أن قوة الاستقرار الدولية منوط بها "... استقرار البيئة الأمنية في غزة من خلال ضمان عملية نزع السلاح .. والتفكيك الدائم لأسلحة الجماعات المسلحة غير الحكومية". وبين هذا وذاك يغيب الاتفاق الدولي عليها رغم نداءات الولايات المتحدة لـ70 دولة بالاشتراك في تشكيلها لكن لا مجيب حتى اللحظة.
أما الثانية فهي مسألة الانسحاب الإسرائيلي: حيث نصّت كل من خطة ترامب والمشروع الأممي على انسحاب كامل باستثناء محيط أمني يلف القطاع . لكن إسرائيل/ نتنياهو لا تخفي أبدا عدم استعدادها لتنفيذ هذا البند إلا بشروط استباقية أبرزها غزة منزوعة السلاح، وهو الامر الذي يجده بعض المراقبين من الصعوبة بمكان دون إرساء بيئة آمنة لعملية تسليم السلاح. عموماً إيال زامير رئيس الأركان في الجيش الإسرائيلي صرح بأنّ الخط الاصفر هو الحدود الجديدة لاسرائيل وقطاع غزة . هذا الخط عبارة عن بلوكات اسمنتية متباعدة ومتحركة تزداد تقدّمًا يومًا بعد يوم لتقلّص المساحة التي يعيشها الغزّيون، حتى أن احدهم عبر مازحاً عن خوفه بأن يصحو من النوم ليجد البلوكات الصفراء داخل غرفة نومه!
أما الثالثة فهي المفصل الذي تشتبك معه المسألتان السابقتان، نزع سلاح حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى في غزة . وكلا من خطة ترامب او قرار مجلس الامن 2803 يتحدث بشكل واضح لا لبس فيه ان السلاح والبنى التحتية العسكرية يجب نزعها من غزة. وهو ما ترفضه حماس كما ورد على لسان خليل الحية رئيس الحركة وآخرون بأن السلاح هو حق مشروع ومرتبط بإقامة الدولة الفلسطينية ! إضافة الى انها عرضت اقتراحات بتجميده وعدم استعماله. إسرائيل في المقابل تتمسك بغزة منزوعة السلاح كشرط استباقي للسلام.
وما بين الاعلانات الصاخبة والعبارات الرنانة والواقع يقال إن هناك قناة اتصال سرية بين الأطراف يقودها المفاوض الأمريكي "ادم بوهلر" تحاول التوفيق والتفريق بين السلاح الخفيف والثقيل والخروج بحلول توافقية . لكن هل سيرضى الجميع؟ أشك لأن الأثمان المطلوبة من كل طرف غير متساوية، أما الدفع فهو اجباري وإلا سينفضّ المجلس! وأهل غزة وحدهم يستمرون في دفع الفاتورة الثقيلة .
