لم تتوقف اسرائيل عن عمليات الهدم الممنهج للبنية المدنية في القطاع فيما بعد الخط الأصفر برغم اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم الإعلان عنه وتوقيعه في شرم الشيخ أكتوبر الماضي بل ان اسرائيل لم تلتزم حتي لساعة واحدة ببنود وقف اطلاق النار وواصلت عمليات القصف الجوي واطلاق النار و المناورات البرية لتنفيذ عمليات هدم ممنهجة للمنشئات المدنية والبيوت والمدارس والمصانع ومسح كل معالم الحياة في تلك المناطق التي تمتد لأكثر من 53% من مساحة القطاع ,بل انها أصبحت تتحكم في كل شيء داخل هذه المنطقة وتغير المعالم الجغرافية داخل احياء الخط الأصفر وتغير باستمرار طبيعة الخط الأصفر الذي بدا خطاً زاحفا نحو المناطق التي لا تتواجد فيها القوات الإسرائيلية وتتقدم هذه القوات نحو تقليص المنطقة الواقعة غربي الخط الأصفر من فترة لأخري وكأنها تريد رسم خارطة ديموغرافية جديدة للقطاع بدءً من المنطقة التي تسيطر عليها. اتفاق وقف إطلاق النار ملزم للطرفين الا ان اسرائيل لم تلتزم ولم تقنع ان الحرب انتهت والغريب ان إدارة الرئيس ترمب تعرف كل صغيرة وكبيرة تقدم عليها اسرائيل ولم تحرك ساكنا ولم تلزم إسرائيل باحترام وقف اطلاق النار وكأن عمل مركز التنسيق الأمني والعسكري في منطقة ( كريات غات) بالداخل الإسرائيلي وجد فقط لمراقبة تحركات الفلسطينيين فيما وراء الخط الأصفر أي المنطقة التي تسيطر عيها حماس في الوقت الراهن.
شهرين وأكثر على وقف إطلاق النار ولم يتوقف التدمير الممنهج للبنية المدنية الفلسطينية في غزة بل ان إسرائيل لم تخبئ مخططاتها فيما يتعلق بإعادة رسم الخارطة الديموغرافية الفلسطينية في قطاع غزة من خلال مخططات إعمار مبنية على اهداف سياسية وليس إنسانية وتقول تقارير الصحف العبرية ان اسرائيل وامريكا سوف يقوموا بإعادة اعمار رفح فيما تسمي إسرائيليا "غزة الجديدة" او الخضراء وعلى ما يبدوا ان الامريكان أيضا يتساوقوا مع خطة اسرائيل ويحاولوا إيجاد ممولين عرب للأسف لها ليتسنى لإسرائيل إعادة صياغة ديموغرافيا القطاع بدءً من منطقة رفح بما يحقق مصالح استراتيجية اسرائيلية تتعلق بتصفية القضية الفلسطينية بالكامل وإعادة صياغة الخارطة السكانية في قطاع غزة تتضمن شطب المدن القديمة غزة وخانيونس ورفح والمنطقة الوسطي وبيت حانون وبيت لاهيا وجباليا والعديد من المدن السكنية الجديدة كمدينة حمد في خانيونس ومدينة الشيخ زايد في الشمال والمدينة المصرية التي تم انشائها ولم تسكن بعد بل تم تدميرها بالكامل , لعل الامر غاية في الخطورة لان تغير الخارطة السكانية يتضمن اهم اخطر نقطتين وهما تغير مخيمات اللاجئين في قطاع غزة وتحويلها الى أماكن سكنية عادية داخل المدن الفلسطينية والنقطة الثانية نزع ملكيات أراض المواطنين الفلسطينيين التي ورثوها عن اجدادهم ومسجلة باسماهم في دائرة الطابو واقامة مدن ذكية عليها حسب خطة "توني بلير" التي لم يتم استثنائها من قبل إدارة ترمب بل ان هذه الإدارة تريد ان تعيد اعمار القطاع حسب منظور المدن الذكية التي اقترحها كوشنر وبلير.
موقع والا العبري في تقرير له قال "ان استعدادات الجيش الإسرائيلي لرفح الجديدة تجري على قدم وساق وان الجيش قسم رفح الي خلايا ميدانية تمهيدا لتسليمها الي القوة الدولية وان مفاوضات جرت بين المؤسسة الأمنية والجهاز الامريكي في (كريات غات) بشأن توزيع المضلعات أي توزيع الخلايا الميدانية وفقاً لعدد محدد من الوحدات في المدنية الجديدة برفح" وقال المصدر للموقع "ان الاعمال الهندسية ستبدأ في القطاع ضمن المضلعات" وذلك بعد ان طلبت إدارة الرئيس ترمب من اسرائيل تحمل نفقات إزالة الأنقاض من رفح وفي هذا الاطار سترسل منظمات الإغاثة الدولية بأمر من أمريكا فرق فنية للتأكد من خلو المناطق من مخلفات القنابل والمتفجرات والصواريخ غير المنفجرة تهيئة لبدء بالأعمال الهندسية لبناء سقوف للفلسطينيين الذين سيسكون هناك, وبرغم ذلك كله الا ان الموافقة النهائية لم تصدر بعد لتطهير المنطقة من العبوات الناسفة والبنية التحتية الخطرة والأنقاض وفي هذه المرحلة، لم تصدر بعد الموافقة على تطهير المنطقة من العبوات الناسفة والبنية التحتية الخطرة والأنقاض.
تشير الدلائل ان إسرائيل لا تنوي بالمطلق التخلي عن التدخل في عمليات إعادة اعمار القطاع والتي ستبدأ في المرحلة الثانية من اتفاق الرئيس ترمب لتحقق نهاية للحرب في غزة وهذه المرحلة التي تحاول إدارة الرئيس ترمب الانتقال اليها واقناع إسرائيل بالبدء بالانسحاب من المناطق الصفراء والتراجع بقواتها نحو الحدود ,واهم عمليات التدخل انها لن توافق على إعادة اعمار غزة حسب المبادرة العربية التي تم اعتمادها في القمة العربية مارس الماضي وقد أصبحت مبادرة دولية عربية شاملة وبالتالي حتي هذا الوقت لم تعقد مصر مؤتمر اعادة اعمار القطاع الذي تم الإعلان عنه نوفمبر الماضي علي ان يعقد في أكتوبر ويبدو ان مصر تدرك ان عقد مثل هذا المؤتمر وجمع الأموال الازمة لإعادة إعمار القطاع قد لا يكون عمليا في ظل وضع اسرائيل معيقات كبيرة في طريق الانتقال الى المرحلة التالية والتي تتضمن إعادة الاعمار وقبل ذلك تدرك مصر ان وقف اطلاق النار في غزة لم يتم تثبيته بعد ولم تلتزم به اسرائيل وتتطلع الي تأجيل هذا المؤتمر حتي تبدأ المرحلة الثانية وتتضح مخططات اسرائيل وغايتها وتتضح قدرة الولايات المتحدة على تطبيق بنود المرحلة الثانية كاملة دون عرقلة إسرائيلية. لعل تولي مصر إدارة عملية الاعمار وحشد الدعم الدولي والعربي والإسلامي لها يفشل مخطط اسرائيل لإعادة صياغة الديموغرافيا الفلسطينية في القطاع ويمكن المصرين والفرق العربية من بناء غزة الحقيقية وليس غزة بالنسخة الإسرائيلية.
إسرائيل تريد البقاء أطول فترة ممكنة في المرحلة الاولي وقد تكون تعتبر ان المرحلة الأولى هي الاتفاق كله ولا شيء غير ذلك وتريد خلال هذه الفترة تنفيذ مخططاتها الاستراتيجية واهمها تغير الديموغرافيا الفلسطينية في القطاع وإعادة صياغتها لتحقق السيطرة الأمنية الإسرائيلي على المدي البعيد وكذلك تغير الخارطة الجغرافية للقطاع بقضم مناطق واسعة وكبيرة تحت ذريعة إقامة مناطق عازلة وكذلك تقسيم القطاع الي منطقتين منطقة تقول وتدعي انها منطقة إنسانية ومنزوعة السلاح ومنطقة اخري تحت سيطرة حماس وكأن إسرائيل يعجبها هذا السيناريو والبقاء فيه فترة أطول وبالتالي تعيق أي وحدة جغرافية للقطاع وتعيق في زات الوقت أي وحدة سياسية فلسطينية وهنا يتاح لها اعمار غزة حسب خرائط امنية واستراتيجية إسرائيلية تتضمن إقامة مناطق لفرز السكان الفلسطينيين وتنظيم انتقالهم لهذه المدن ,والأخطر ان اسرائيل لا تريد أي انتشار لقوة الاستقرار الدولية وتريد ان يحكم القطاع مليشيات كانت قد شكلتها ابان الحرب وزودتها بالسلاح دون ان تدرك ان المجتمع الدولي يعارض مثل هذه السيناريوهات الإسرائيلية التي هي في الحقيقة لن تحقق أدني مستوي من الامن والاستقرار ولا تضمن أي تعافي للسكان الفلسطينيين من اثار الحرب الوحشية التي اخذت معها كل ما يملك الفلسطينيين.
