لن تهدأ روسيا في حربها ضد أوكرانيا حتى تحقق جميع أهدافها وتعلن الانتصار عليها، في معركة تشبه تلك التي حدثت إبان الحرب الهتلرية في القرن الماضي، كحصار لينينغراد الذي استبسل فيه الاتحاد السوفياتي آنذاك حتى يخرج منتصراً في الحرب العالمية الثانية.
وجه الشبه بين الحرب الروسية الحالية ضد أوكرانيا ومعركة لينينغراد يتمثل في إصرار روسيا الاتحادية على تحقيق انتصار، حتى لو كلفها ذلك مليارات الدولارات وإضعاف الاقتصاد والتضحية بمئات الآلاف من جنودها في المعركة.
خلال اجتماعه مع مسؤولين في وزارة الدفاع بموسكو، شدد الرئيس فلاديمير بوتين على أن بلاده ستحقق أهدافها من العملية العسكرية في أوكرانيا «بكل تأكيد»، وهذا التأكيد يأتي انسجاماً مع إصرار روسي على تغيير شكل النظام الدولي.
يعلم بوتين وكبار قياداته أن روسيا إذا خسرت هذه الحرب، ستكون لقمة سائغة لأوروبا الغربية، وستتكالب عليها الدول من حولها لإضعافها واجتزاء أراضٍ منها، وستتحول مع الوقت إلى دولة فاشلة كما حصل إبان تفكك الاتحاد السوفياتي أواخر العام 1991.
روسيا التي حمت سورية عشرات السنين، ووفرت لها كل أسباب القوة للتصدي لمنافسيها في الداخل السوري، تخلت عنها العام الماضي حتى تؤمن احتياجاتها العسكرية وتركز بشكل أكبر في حربها الدائرة ضد أوكرانيا.
وبالتأكيد ستتخلى موسكو عن أهم حلفائها إذا كان الموضوع مرتبطاً بعقد صفقات من فوق الطاولة أو تحتها حتى تؤمن انتصارها على أوكرانيا، لأنها ترى في هذا الانتصار تعزيزاً لحضورها الدولي على خارطة العالم وأوروبا تحديداً، ونفوذاً جغرافياً أوسع في الفضاء الأوكراني.
هذا سيحصل إذا توقفت الحرب ووافق الرئيس الأوكراني زيلينسكي على شروط روسيا، واستجاب لمطلب الولايات المتحدة الأميركية حول اتفاق وقف إطلاق النار، إذ إن أي اتفاق لا يشمل إقرار سياسة الأمر الواقع سترفضه روسيا الاتحادية بالتأكيد.
الرئيس الروسي يريد الاعتراف بجميع المناطق التي سيطرت عليها قواته في الشمال الشرقي من أوكرانيا، بالإضافة إلى شبه جزيرة القرم، حتى تتوفر أسباب السلام الممكن، ويعزز مطالبه هذه بحديثه المكرر عن تولي جيشه زمام المبادرة الإستراتيجية بقوة على طول خط الجبهة.
ما يدعم تأكيدات بوتين سيطرة قواته على كوبيانسك المدينة الإستراتيجية في شمال شرقي أوكرانيا، فضلاً عن تغزله بتحديث الترسانة العسكرية، خصوصاً النووية، وإدخال صواريخ فرط صوتية وأخرى باليستية إلى الخدمة، والتي يمكنها حمل رؤوس نووية.
في العام الماضي، اختبرت موسكو أول نسخة تقليدية من صاروخ «أوريشنيك» الذي يصعب اعتراضه، في حين من المقرر أن يدخل هذا الصاروخ إلى الخدمة بداية العام المقبل، وهو صاروخ باليستي حديث متوسط المدى وقادر على حمل رؤوس نووية.
هذا الصاروخ ليس موجهاً لأوكرانيا فحسب، وإنما لكل دول أوروبا الغربية وكذلك إلى الولايات المتحدة الأميركية، ويحمل مضامين مفادها أن موسكو هي المسيطرة في ميدان المعركة، وأنها مستعدة لضرب ما هو أبعد من أوكرانيا لحماية أمنها الإستراتيجي.
أيضاً هناك مسألة لها علاقة بفرض إملاءات مرتبطة بالمكاسب التي حققتها في الحرب ضد أوكرانيا، وتخويف الغرب وتحذيرهم بمنع تزويد كييف بأسلحة إستراتيجية، لأن ذلك سيدفع موسكو لاستخدام السلاح النووي تحت عنوان «علي وعلى أعدائي».
بالتأكيد واشنطن ربما مهتمة بتحقيق روسيا نوعاً من الانتصار، لأن ذلك سيعني اتكال كل أوروبا الغربية على الولايات المتحدة في مسألة تأمين الحماية الأمنية وتوثيق الصلات السياسية والعسكرية والاقتصادية، وسيضمن توسع النفوذ الأميركي في القارة العجوز.
والحقيقة أن أوروبا بكل ما تحمله من إمكانيات سياسية واقتصادية وعسكرية، تقف عاجزة عن حسم هذه الحرب، بدليل حديثها الصاخب عن تغيير العقيدة الأمنية وتحديث أسطولها العسكري وضخ استثمارات هائلة في تعزيز قدراتها القتالية.
دون واشنطن لن تتمكن أوروبا الغربية من الوقوف في وجه روسيا، والسبب أنها غير متفقة على قلب رجل واحد. بمعنى هناك دول تسعى للتخلي الطوعي التدريجي عن الحماية الأميركية، في حين تريد دول أخرى البقاء تحت هذه المظلة الأمنية.
وفي المحصلة، إن صوت أوروبا خافت لا يلقى صدى عند الأميركان والروس فيما يتعلق بالملف الأوكراني، وهناك خشية أوروبية حقيقية أن تفتح شهية أي انتصار روسي في أوكرانيا الباب أمام تحول في الجغرافيا السياسية لصالح موسكو.
روسيا تؤكد : لن نسلم الأسد إلى سوريا
19 ديسمبر 2025
