«حماس» وإسرائيل وقواعد اللعبة الجديدة

تنزيل (7).jfif
حجم الخط

الكاتب: عاطف أبو سيف


 

لم تنتهِ الحرب بعد، ولم يكن إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب اكثر من إعادة توجيه للمرحلة الجديدة من خلال وأد فكرة الحرب في الأخبار ـ وبالتالي الحفاظ على ما تبقى من صورة إسرائيل في العالم. ما حدث أن «حماس» قبلت الفكرة وعليها أن تتكيف مع قواعد اللعبة الجديدة التي أرستها إسرائيل عبر إعلان ترامب.
نعم، الحرب لم تنتهِ رغم أن الخطاب الصادر عن «حماس» يتناغم مع التصور الأميركي الإسرائيلي حول نهاية الحرب، وهو الخطاب الذي نجحت إسرائيل في تسويقه عالمياً وبالتالي «حدت» من التغطية التي حظيت بها حربها على غزة في الصحافة العالمية، دون أن تتوقف هذه الحرب. كل يوم، هناك شهداء وهناك تدمير وتوغل وقصف، زد على ذلك المعاناة اليومية التي يعانيها الناس جراء نقص الغذاء والدواء والمأوى، واستشهاد العشرات يومياً من البرد خاصة من حديثي الولادة الذين لا يتمكنون من النجاة من شدة البرد. وأمام كل ذلك، هناك غياب واضح للتغطية الصحافية وللصورة وللخبر عن غزة.
المعادلة الجديدة تقول، إن الحرب تستمر وإن خفت وطأتها وحدتها، ولم تعد إسرائيل تقتل بالمتوسط مائة فلسطيني يوماً بل صارت تقتل بالمتوسط عشرة أشخاص، ولكنها هذه المرة تقتل وهي مرتاحة وغير واقعة تحت الضغط الدولي، لا احد يقول لتل أبيب، أوقفي ما تقومين به، بل إنها باتت وبموافقة الطرف الفلسطيني الذي فاوضها، أي «حماس»، تسيطر على أكثر من خمسين بالمائة من قطاع غزة فيما يقع الجزء المتبقي تحت مرمى نيرانها وقصفها دون توقف، ولا أحد يقول، إن إسرائيل تقصف غزة، فحتى قصف سيارة وقتل خمسة فلسطينيين ليس أكثر من مجرد تفصيل آخر من تلك التفاصيل التي تأتي في سياق البحث عن استقرار وقف إطلاق النار. فحين تقصف إسرائيل سيارة أو بناية ويستشهد خمسة فلسطينيين فإن هذا لا يدعو لشيء أكثر من المطالبة بضبط النفس من اجل الحفاظ على حالة الاستقرار المزعومة، فحتى أشد منتقدي إسرائيل لا يملكون إلا المطالبة بضبط النفس حتى لا تتدحرج الأمور للأسوأ. «حماس» من جانبها أقصى ما قد تذهب إليه هو مطالبة الوسطاء (الذين تثق فيهم أكثر من ثقتها بالشعب الفلسطيني) بالتدخل لحماية وقف إطلاق النار. وربما من سخريات القدر أن تقرأ بيانات قادة «حماس» وهم يطالبون باحترام الخط الأصفر وانزعاجهم من تجاوز إسرائيل له ومطالبتهم بضبط التقدم الإسرائيلي في عمق غزة الغربية. عبارات موجعة لأنها تعني قبولاً بالواقع الجديد الذي جلبته حروب «حماس» على شعبنا، كل هذا دون مراجعة واحدة لكل ما جرى.
ما علينا، المهم أن الواقع الجديد الذي نتج عن السابع من أكتوبر وإدارة «حماس» للحرب وللمفاوضات بات هو الحالة الراهنة التي يجب الحفاظ عليها. تتذكرون أن كلمة «الوضع الراهن» أو «Status quo» هي من الكلمات المفتاحية بل والمقدسة في السياسة الشرق أوسطية. وعادة في الصراع ما يتم تحديد الوضع الراهن بوصفه الحالة التي يجب الحفاظ عليها، ويعتبر الوضع على ما هو عليه أفضل الخيارات للجميع لأنه يعني نظرياً عدم الانخراط في صراع آخر، فيما في حقيقة الأمر فإن «الوضع الراهن» ليس إلا جزءاً من الصراع ذاته. وفي الحالة التي نتجت عن السابع من أكتوبر وحرب الإبادة وما إلى ذلك فإن الوضع الراهن هو النتيجة التي أسفرت عنها تفاهمات ترامب وجهوده التي يسميها «إحلال السلام» واحتفل بإطلاقها بحضور ممثلي ثلاثين دولة من العالم. والوضع الراهن يعني احتفاظ إسرائيل بما تحدده هي بأنه الخط الأصفر والذي يزيد وينقص حسب الحاجة الإسرائيلية، وإبقاء الحصار كما كان في ذروته، وربط أي إدخال للمعونات بتقديم تنازلات من الفلسطينيين. طبعاً، الكثير من ذلك يمكن رده لرغبة «حماس» في البحث عن موطئ قدم في ترتيبات ترامب التي ستلي الحرب. وربما تصريحات قادة «حماس» لا تتردد في فضح هذه الرغبة بل تعلن عنها بجلاء من خلال التعبير عن اليد الممدودة لترامب والاستعداد للتعاون في المراحل المقبلة.
حتى فكرة العودة إلى ما قبل السابع من أكتوبر ليست مطروحة في حسابات الفاعلين في ملف غزة، وما قبل السابع من أكتوبر يعني انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة بشكل كامل وفتح المعابر وتشغيل معبر رفح وغير ذلك. حتى إن مثل هذه المطالب ليست مطروحة ولو من باب المناكفة، فثمة استكانة مميتة هي النتيجة الحتمية لكل «العنتريات» التي صاحبت خطاب «حماس» طوال عامين ونيف. تخيلوا أن المهمة المقدسة، الآن، باتت البحث عن رفات الجنود الإسرائيليين. صار هذا هو الجهاد الحقيقي وصار الالتزام بما تم الاتفاق عليه مع إسرائيل هو ذروة العمل الجهادي. عموماً، هذا كلام مؤلم، لكن لا يمكن للمرء أن ينساه. الآن، لا يبدو ثمة خيار آخر إلا أن نتخيل أن هذا الواقع الذي تعيشه غزة قد يستمر لزمن، نعم، لزمن قد لا يكون قصيراً، لكنه في كل الأحوال أفضل من الاستمرار في المغامرة الكبرى التي كان يمكن أن تؤدي لتهجير الناس من غزة.
قواعد اللعبة الجديدة كانت واضحة في حادثة اغتيال رائد سعد عضو المجلس العسكري لـ»حماس». ضمن قواعد اللعبة هذه فإن إسرائيل تعمل ما تستطيع وتقتل وقتما تشاء وتستهدف وتغتال من تشعر بأن الفرصة باتت سانحة للتخلص منه، وعلى «حماس» أن تطالب ترامب بالضغط على تل أبيب لضبط النفس، أما الناس الذين يعيشون في الخيام فسينقضي الشتاء وسيبدؤون بإعداد الخيمة لفصل الصيف، يرتقون ما تمزق منها ويعيدون ترتيب ملابسهم المهترئة فيما عملية السلام التي ستتمخض عنها الحرب مستمرة. تذكروا مرة عندما قال احد الوسطاء الأميركيين حول عملية السلام، إن المهم ليس السلام بل العملية، وهذا هو المنطق ذاته الذي يتحكم بواقع غزة، الآن، فاتفاق ترامب دخل في غيبوبة لكنه لم يمت، ومن وقت لآخر وعند الحاجة ومن أجل إنقاذه سيتم ضخ جرعات من الهواء في صدر المريض.