بقلم: تسفي برئيل
ألقى سيرغي ريفكوف، نائب وزير الخارجية الروسي، هذا الاسبوع، قنبلة سياسية عندما قال «اذا قرر السوريون أن تكون سورية دولة فيدرالية فلا أحد يمكنه منع ذلك... آمل أن الاطراف المشاركة في المفاوضات تقوم بفحص فكرة الفيدرالية». فجأة يتحدث الجميع عن الفكرة الروسية الجديدة – تقسيم سورية الى كانتونات على نمط سويسرا واقامة حكم فيدرالي مع مقاطعات فيها حكم ذاتي، كحل محتمل للأزمة السورية.
التقديرات التي لم يتم نفيها حتى الآن هي أن الادارة الأميركية ايضا، في ظل غياب خطط عمل بديلة، لن تعارض، رغم تأييد الأميركيين حتى الآن لاقامة حكومة سورية تسيطر على سورية موحدة مثل العراق. المغزى الفعلي للاقتراح الروسي اذا تحقق، هو أنه ليس الاكراد في سورية فقط يمكنهم السيطرة على مقاطعة فيها حكم ذاتي – بل ايضا ستكون للعلويين مقاطعة خاصة بهم.
والمقصود كما يبدو مقاطعة اللاذقية التي فيها ايضا المعسكرات البحرية واغلبية المعسكرات الجوية لروسيا. ويبدو أن مقاطعة درعا ايضا في الجنوب ستحظى بحكم ذاتي. إن ميزة هذه الخطة، حسب مؤيديها في سورية، هي أن صلاحيات الاسد ستقلص وتقتصر سيطرته على السياسة الخارجية والدفاع عن الدولة في مواجهة الاعداء الخارجيين. في المقابل، خوف المعارضة، كما عبر عنه جورج صبرا، وهو احد الشخصيات البارزة، هو أن «اهداف روسيا تلتقي مع اهداف اعداء سورية، من اسرائيل وحتى طهران».
روسيا في حينه يمكنها البقاء في سورية بشكل دائم وبشكل رسمي تقريبا، أما ايران فستستمر في فرض الاجراءات السياسية داخل الدولة عن طريق الاسد. الامر الطبيعي أن الاكراد في سورية، الذين يحظون في الايام الاخيرة بالهدوء من هجمات الجيش السوري ويظهرون كمتعاونين مع النظام، يؤيدون الفكرة.
وحدات الدفاع الشعبي للاكراد نجحت، هذا الاسبوع، في السيطرة على أحد الطرق المهمة التي تربط بين حلب المحاصرة وبين ادلب التي توجد تحت سيطرة المتمردين. وبهذا يستكمل الاكراد الحصار الذي فرضه الجيش السوري على حلب، هذه السيطرة لا تساعد الجيش السوري فقط بل تعطي الاكراد مناطق جغرافية تربط بين مناطق الحدود مع تركيا التي يسيطرون عليها وبين الجزء المركزي لسورية.
هذا التطور يعتبر في نظر تركيا تهديدا حقيقيا لاستراتيجيتها التي تقضي بمنع سيطرة الاكراد على منطقة الحدود بين تركيا وسورية. هدف الاتراك هو منع الاكراد من انشاء تواصل يجد الارضية لمنطقة كردية ذات حكم ذاتي مثل المنطقة الكردية في العراق. تجد تركيا نفسها الآن في صراع ثلاثي. أهمه ضد الاكراد وضد تعزيز العلاقات بين واشنطن والاكراد، حيث يحصل الاكراد على مساعدات مالية وسياسية من الولايات المتحدة على أمل أن يكون الاكراد هم القوة الحربية الاساسية ضد «داعش» في سورية، ولاسيما من أجل طرد «داعش» من الرقة. الصراع الثالث لتركيا موجه الى روسيا التي تدهورت العلاقة معها في اعقاب اسقاط الطائرة الروسية في تشرين الثاني.
في أنقرة يعتبرون أن الفكرة الروسية لاقامة فيدرالية في سورية تهدف الى الحاق الضرر بمصالحها الاستراتيجية والتأثير على الحرب ضد المنظمات الارهابية الكردية وتقليص تأثير تركيا في الخطوات السياسية لحل الازمة السورية. إلا أن الفكرة الفيدرالية ما زالت عالقة في الاطار النظري.
ومن اجل تحقيقها، ليس فقط المليشيات المتمردة يجب أن توافق عليها، بل أيضا الأسد الذي لا يسارع الى التنازل عن طموحه في السيطرة على جميع الدولة، أيضا بعد إقامة الحكومة المؤقتة. وفي الوقت الحالي تزداد التقارير حول خرق وقف إطلاق النار من قبل النظام والمليشيات.
وما زال غير واضح اذا ومتى ستتوفر الكتلة الضخمة للخروقات التي ستحسم اذا كان وقف اطلاق النار سيستمر أو سيتم استئناف النار بكامل قوتها، كما يهدد المتمردون اذا استمر النظام في اطلاق النار نحوهم. روسيا والولايات المتحدة تنسقان فيما بينهما عملية الرقابة على وقف اطلاق النار. وقد تبادلتا، هذا الاسبوع، الخرائط التي وضعت عليها مواقع «المليشيات القانونية» والمواقع المسموح فيها اطلاق النار والتي يسيطر عليها «داعش» و»جبهة النصرة».
هناك أيضا خط ساخن أميركي يُمكن المنظمات السورية من تقديم التقارير حول خروقات وقف اطلاق النار، لكن تبين، هذا الاسبوع، أنه لم يكن في الايام الاخيرة من يتلقى الاتصالات بسبب النقص في متحدثي اللغة العربية. فرنسا بالتحديد ناشطة جدا في الرقابة على خروقات وقف اطلاق النار. وبمبادرة منها اجتمع، الاثنين الماضي، في جنيف ممثلو الدول ذات الصلة بالمفاوضات من اجل النقاش في ادعاءات المعارضة حول خروقات وقف اطلاق النار. النشاط الفرنسي غير منفصل عن الصلة السياسية الآخذة في الازدياد بين فرنسا والسعودية، الدولتين اللتين تشكان في أهداف روسيا الحقيقية في سورية.
فالسعودية على يقين أن سورية قد تجد نفسها تحت سيطرة روسية – ايرانية تمنع تأثير المملكة، ليس فقط في سورية بل في لبنان ايضا. ولصلات فرنسا مع السعودية توجد مصلحة اخرى مهمة هي أنها تطمح لتكون ماكينة التنفس لعملية السلام بين اسرائيل والفلسطينيين. يتوقع أن يكون هناك لقاء بين ولي العهد ووزير الداخلية السعودي، الامير محمد بن نايف، وبين الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند.
الاثنان سيلتقيان لنقاش امكانية تأييد السعودية لمبادرة السلام الفرنسية كونها صاحبة المبادرة العربية من 2002. وفي سياق الاسبوع سيلتقي وزير الخارجية الفرنسي، جان مارك آيرو، مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مصر. آيرو سيحاول اقناع السيسي بالانضمام الى المبادرة الفرنسية التي تخطط لعقد مؤتمر سلام في نيسان، حيث ستتم دعوة ممثلي اسرائيل والفلسطينيين. اسرائيل، كما هو معروف، تعارض هذه المبادرة.
وفي المقابل، الرئيس الفلسطيني محمود عباس باركها، خلافا لـ»حماس» التي قالت، أول من أمس، إنها تعارضها لأن هدفها المعلن هو التفاوض مع إسرائيل. وليس واضحا ما الذي سينتج عن هذه المبادرة. ولكن كي تنجح فرنسا في حياكة هذه الخطوة تحتاج الى تأييد السعودية.
والسعودية لا تقدم نفسها بدون مقابل. فالسعودية تتوقع من فرنسا أن تتعاون في الموضوع السوري واللبناني وأن تعارض الخطوات السياسية لروسيا وايران. هذه الدائرة السياسية التي تربط بين فرنسا والسعودية ومصر وسورية توضح الى أي حد اسرائيل غير قادرة على أن تقف غير مبالية تجاه الخطوات العسكرية في سورية. وأكثر من ذلك، التعامل مع الحركات السياسية التي تعقد تحالفات مرتبطة بالمصالح في سورية وبين العملية السياسية الاسرائيلية - الفلسطينية. هذه الخطوات بعيدة عن اهتمام سكان حلب وقراها الذين يقعون تحت حصار الجيش السوري. فهم يعانون من النقص في مياه الشرب والكهرباء المقطوعة وغياب الادوية الحيوية. ويضطر السكان لشراء المياه المعدنية للشرب وباسعار باهظة ومن اجل الاستحمام يستخدمون المياه الملوثة بعد غليها.
احدى المهن الجديدة التي نشأت في حلب هي «حارس الدور»، شباب يحصلون على عدد من الليرات السورية من اجل أخذ دور في الطوابير الطويلة على خزانات المياه. وبدون المياه في حلب، اذا استمرت القوات السورية بمنع دخول الغذاء والدواء الى المدينة، فان مليشيات المتمردين قد تعمل على افشال استمرار العملية السياسية، حيث إن رفع الحصار هو أحد شروط موافقتها على المفاوضات. ويوم الاربعاء القادم سيكون هناك مؤتمر آخر في جنيف، والسؤال هو كم من المياه ستتدفق حتى ذلك الوقت في انابيب حلب.
عن «هآرتس»