عندما تبكي شجرة عيد الميلاد في بيت لحم..!

تنزيل (5).jfif
حجم الخط

بقلم د. هاني العقاد

 

 

 هو الاحتفال الأول لعيد الميلاد المجيد في بيت لحم, مدينة السلام , مدينة الحب , مدينة الميلاد الحزينة  التي زرعت الحب والسلام في قلوب الملايين من أبناء الديانتين المسيحية والإسلامية أبناء فلسطين والعالم  على مدار التاريخ ,محبي السلام والإنسانية , انه الاحتفال الأول بعد الحرب الهمجية التي مازالت لم تتوقف وتنهش الجسد الفلسطيني  ليس في غزة وحدها وانما بكل ارجاء الوطن في القري والمخيمات والمدن وكافة انحاء القطاع المدمر والضفة الممزقة , المئات في ساحة المهد تعلقت قلوبهم بالسلام والمحبة وصعدت دعواتهم الي السماء بتحقق السلام في ارض السلام وتصاعدت رسائلهم الي كل  دعاة السلام في العالم بأن يوقفوا هذا الجنون الاسرائيلي بحق أبناء شعبنا الفلسطيني ,رفعوا عيونهم الي السماء فبكت العيون عندما شاهدوا  دموع شجرة الميلاد تنهمر دون توقف وهي تبكي واقفة بحرقة ,لم يتساءلوا لماذا...؟  فالإجابة  كانت في عيونهم وانفسهم انها تبكي على أهل فلسطين وتبكي غزة الحروقة المدمرة تبكي عشرات الالاف من الشهداء والجرحى والمرضي والمشتتين في   مخيمات النزوح , دموعها تنهمر حزنا على ماجري للفلسطينيين في ربوع الوطن الفلسطيني وعلى امتداد جغرافية قطاع غزة المنكوب, شجرة عيد الميلاد حزينة على الفلسطينيين الذين حرموا الامن والاستقرار والسلام ,الفلسطينيين الذين قتلت منهم إسرائيل عشرات الألاف ودمرت مدنهم وشتت اطفالهم وباتوا بلا مأوي في مخيمات النزوح , شجرة الميلاد الكبيرة المزينة بكرات حمراء وكرات ذهبية لم تفرح بزينتها لم تفرح بعيد الميلاد المجيد هذا العام كباقي الأعوام السالفة ,عيد ميلاد المسيح الفلسطيني "عيسي علية السلام"  كان حزينا هذا العام    فقد اصبح موعداً لمراسم الحزن والبكاء والدعوات الي الله تعالي بان يتحقق السلام في ربوع فلسطين .

كانت الأجواء احتفالية في مدينة السلام "بيت لحم" لكنها لم تكن بمستوي فرح الأعوام السابقة فالاحتفالات كانت الي حد ما يغلب عليها الطابع الرسمي ,فلم يسمح الاحتلال للألاف من الحجاج المسيحين بالعالم بالقدوم الي بيت لحم وحضور مراسم واحتفالات عيد الميلاد , في سياسة ممنهجة قديمة حديثة للتنغيص على الفلسطينيين في مناسبات افراحهم التي غالبا ما يسارع  الاحتلال لتحويلها  الي اتراح يمنعهم من الحضور الي بيت لحم يغلق المدن الفلسطينية بمئات الحواجز ويمنع الاحتفالات وفي الكثير من الأحيان ينتهك قداسهم واحتفالاتهم بمساجدهم وكنائسهم  , اليوم يأتي عيد الميلاد والاحتلال يشن حرب لم يحترم فيها ادمية الانسان ولم يحترم فيها تعالم الديانات كلها حتي اليهودية التي حرمت على أبناء البشر قتل البشر وذبحهم وحرمت هدم بيوتهم وحرق مزارعهم   والسطو علي ممتلكاتهم . ان الاحتفال بعيد الميلاد هذا العام جاء على واقع فلسطيني مؤلم زاد فيه الوجع وكثرت   فيه آهات الناس  سلبت الحرب منهم كل شيء   سلبتهم حياتهم وحياة اطفالهم , سلبتهم بيوتهم ودمرها وحطمت طرقاتهم وشوارعهم وحرمتهم المدارس والمستشفيات التي يعالجوا فيها ,لم يفرق الاحتلال بين فلسطيني  مسلم وفلسطيني مسيحي كلهم على السواء  كانوا هدف لالة الحرب الهمجية فصفت المساجد والكنائس ,فقد قصفت كنيسة (دير اللاتين) في غزة وارتقي فيها العديد من أبناء الطائفة المسيحية الذين اتخذوها مأوي لهم على امل ان يحترم الاحتلال الأماكن المقدسة ولا يستهدفها بالطائرات او الدبابات أصيب راعي كنيسة دير اللاتين الاب (جبرائيل رومانيللي) بعد استهداف الكنيسة الكاثوليكية بمدينة غزة والحقت اضرار بالغة بكنيسة العائلة المقدسة وهي الكنيسة الوحيدة داخل قطاع غزة. كما استهدف الاحتلال المستشفى المعمداني اكثر من مرة  وهو مستشفيي أنشئ عام 1882 ميلادية وقد اسسته جمعية الكنيسة الارسالية التابعة لكنيسة إنجلترا وإدارة لاحقا المذهب المعمداني الجنوبي كبعثة طبية عامي 1954 و1982 وعاد المستشفى تحت ادَ المستشفى تحتَ إدارة (الكنيسة الأنجليكانية)  في الثمانينيات, وارتكب  إسرائيل مجازر دامية وبشعه خلالها تطايرت أشلاء المواطنين الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين بفعل صواريخ الطائرات الحربية  الذي لجاوا الي المستشفى من اجل الاحتماء من الة الحرب و الهروب من الموت في الشوارع , اكثر من 500 شهيد في ليله واحدة ومئات الجرحى وتدمير أجزاء كبيرة من أروقة واقسام المستشفى.    

احتفالات عيد الميلاد المجيد هذا العام جرت في غزة أيضاً ونصبت شجرة عيد الميلاد في كنيسة (دير اللاتين) أيضا بالتزامن كما في بيت لحم وقرعت الاجراس وجرت الترانيم ورفعت الدعوات بعام سلام وعام استقرار الا ان شجرة الميلاد في غزة لم تكن دموعها اقل من دموع شجرة الميلاد في بيت لحم ,وشاركت شجرة ميلاد المسيح في بيت لحم البكاء فالهم واحد والمصيبة واحدة والجرح المفتوح في صدر الفلسطيني واحد والعدو الذي يرفض تركنا كفلسطينيين نعيش في سلام هو عدو واحد.... برغم الزينة التي ازدينت بها شجرة عيد الميلاد في غزة أيضا ومحاولة الناس الفرح الا ان وجوههم تقول وتحكي البؤس والقلق والخوف من القادم في ظل وجود حكومة اسرائيلية لا تعترف باي تفاهمات او اتفاقات وترفض حتى الان الانتقال لمرحلة الثانية من اتفاق ترمب لأنهاء الحرب في غزة. بكاء صامت كان سيد المشهد دموع هنا في غزة على حالها المدمر وحال الناس المشتت ودموع حزينة علي حال الناس الذين يبيتون اليوم بلا مأوي في القطاع ويعيشون حياة مؤقتة بكل تفاصيلها ,دموع هناك في بيت لحم حزنا علي السلام الضائع الذي اضاعه الاحتلال الإسرائيلي وبكاء على الحق المنتهك ,حق البشر الفلسطينيين في الحياة و الحق في السكن والحق في التمتع بالأمن والاستقرار و الحق في العلاج و الحق في التعليم   كحقوق باقي شعوب الأرض , تبكي سكان الخيام الذين يرتجف أطفالهم بفعل البرد القارس  والذين لا يجدوا غطاء يقيهم هذا البرد وفي كثير من الأحيان تتلوي امعائهم بفعل الجوع القاتل والغالب منهم يتلوى وجعاً لعدم وجود دواء ولا علاج ,الذي قراناه في عيون شجرة عيد الميلاد التي تغمرهما الدموع ان  بكاء شجر ة عيد الميلاد المجيد هذا العام هو امر جلل   وعظيم الأثر فقد بكت بسبب غياب الإنسانية عن هذا العالم وكان الإنسانية خلقت لشعوب دون الأخرى والدواء خلق لشعوب دون اخرى والامن والاستقرار خلق لشعوب دون اخرى والقصد بالطبع الفلسطينيين . ان كيل العالم بمكيالين في موضوع الإنسانية وانقاذ الانسان وحمايته امر آلم الحجر قبل البشر وجعل الشجر يبكي فكانت شجرة الميلاد اول الاشجار بكاءً لان  الإنسانية في فلسطين غائبة في حين تتشدق السنة الساسة بالعالم بالعديد من مصطلحات الشجب والاستنكار كلما مست فيه إنسانية شعوب الأرض الأخرى وكلما تألم شعوب الأرض تألمت هذه الالسنة , نعم تألمت الشعوب وخرج الي الشوارع واحتجوا امام سفارات الداعمين لإسرائيل ومن يزودوها بالسلاح الفتاك من لا يؤمنوا ان الفلسطيني هو الضحية ومن يصدقوا رواية الاحتلال الكاذبة بان الفلسطيني إرهابي...! , رفعوا أصواتهم ونادوا بأعلى الصوت مطالبين بحماية الفلسطينيين من غول الاحتلال وجبروته وقالت هذه الشعوب الحرة كلمتها لأنها تعرف الحقيقة تعرف ان الفلسطينيين شعب بلا حماية يتعرض للتطهير العرقي والإبادة لأنه شعب  يريد العيش في سلام وامن واستقرار كباقي شعوب الأرض.