لقاء ترامب ونتنياهو: الخلاف يفوق الاتفاق

تنزيل (15).jfif
حجم الخط

الكاتب: أشرف العجرمي

 

قبيل لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الليلة قبل الماضية، تحدثت وسائل الإعلام الإسرائيلي نقلاً عن سياسيين، كزعيم المعارضة يائير لابيد وغيره من السياسيين والمحللين، أن نتنياهو لا يذهب بخطة إسرائيلية واضحة إلى الولايات المتحدة، وأنه ذاهب لتلقي التعليمات من ترامب. كما تحدثت عن الخلافات الواضحة بين الرجلين حول الكثير من القضايا، خاصة ضرورة الانتقال سريعاً للمرحلة الثانية من خطة ترامب في غزة، بصرف النظر عن الموقف الإسرائيلي من قضيتَي جثة الجندي الإسرائيلي التي لا تزال في غزة أو نزع سلاح «حماس» كمقدمة للانسحاب الإسرائيلي وتطبيق المرحلة الثانية. وقد صدقت التوقعات بأن يكون اللقاء صعباً ومليئاً بالخلافات، ولكن ماذا سيفعل ترامب في النهاية؟
التوتر كان سيّد الموقف بين نتنياهو ومستشاري الرئيس ترامب، حيث ضغط هؤلاء بأن يطلب ترامب من نتنياهو الانتقال فوراً للمرحلة الثانية دون انتظار تفكيك قدرات «حماس»، وأن على إسرائيل لجم عنف المستوطنين وتخفيف وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية ومنع انهيار السلطة الفلسطينية بإعادة أموال المقاصة إليها، حتى وإن كانت الولايات المتحدة تريد إجراء إصلاحات جدية وحازمة في السلطة. وهو عملياً ما طرح على طاولة البحث خلال لقاء القمة بين ترامب ونتنياهو.
في المؤتمر الصحافي، الذي أعقب لقاء الرجلين، وخلف كلمات المجاملة وإشادة كل منهما بالآخر، برز بوضوح الخلاف بين الاثنين في كل القضايا التي كانت موضع بحث بينهما ربما باستثناء قضية إيران. فترامب يريد الدخول في المرحلة الثانية مع بداية العام القادم دون انتظار أي شيء. وقال: إن على «حماس» نزع سلاحها كما تعهدت بذلك، وأن الوقت أمامها قصير لتقوم بذلك وإلا ستدفع ثمناً كبيراً. وأن نزع سلاح «حماس» ضروري لإتمام الاتفاق على عجل. لكنه لم يربط بشكل واضح بين تخلي «حماس» عن سلاحها وبين الدخول في المرحلة الثانية. وأكد على وجود خلافات مع نتنياهو حول عنف المستوطنين وما يجري في الضفة الغربية وقال: إنه لا يوجد اتفاق مئة بالمئة مع نتنياهو حول هذا الأمر وإن الأخير يعرف ماذا سيفعل.
وحول مشاركة تركيا في قوة الاستقرار الدولية، كان هناك خلاف بينهما حيث ترفض إسرائيل أي دور لتركيا بغزة في المرحلة التالية، بينما يريد ترامب أن تشارك تركيا بفعالية في الترتيبات القادمة. وقد أكد على الصداقة مع الرئيس رجب طيب أردوغان، وذكر نتنياهو بأنه ساهم في إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد الذي كان يشكل تهديداً لإسرائيل. ويبدو أنه يصر على دور تركيا ومشاركتها المهمة في المرحلة القادمة. وقد يعمل على تحسين العلاقة بين نتنياهو وأردوغان.
والمسألة الأخرى التي كان الخلاف حولها واضحاً هو سلوك إسرائيل تجاه سورية، فترامب يرى في الرئيس السوري أحمد الشرع عنصر استقرار في المنطقة وضمانة لأمن إسرائيل، بينما ترى الحكومة الإسرائيلية أن احتلالها لجزء من الأراضي السورية واستمرار عدوانها في الأراضي السورية يضمنان لها الأمن ويحميان الأصدقاء من الطائفة الدرزية، على حد تعبير نتنياهو. ويطالب ترامب بأن تتوقف إسرائيل عن سلوكها نحو النظام السوري الجديد، وأن تسمح للرئيس السوري تثبيت أركان حكمه دون معيقات.
الاتفاق بين ترامب ونتنياهو كان بشكل واسع حول إيران، إذ قال الرئيس ترامب: إنه سمع عن قيام إيران بترميم قدراتها التسليحية وفي مجال تخصيب اليورانيوم، وإنه مستعد للعمل العسكري ضد إيران، مع أنه لا يمانع في إجراء حوار ثنائي مع الإيرانيين. وعملياً يريد نتنياهو الذهاب نحو عمل عسكري ضد إيران. وتشيع الحكومة الإسرائيلية منذ فترة الكثير من الأخبار عن أن إيران تعمل على استعادة قدراتها التي تضررت خلال الحرب التي شنتها إسرائيل والولايات المتحدة ضد إيران. والنجاح الذي حققه نتنياهو في هذا الموضوع مع ترامب ربما يكون الثمن الذي يدفعه ترامب لنتنياهو مقابل ما يريد من الأخير أن يفعل بخصوص كل المسائل التي طرحت بين الرجلين خلال القمة، خاصة مسألة الانتقال للمرحلة الثانية من خطة ترامب في غزة. فهذا هو مشروع أميركا الأهم في المنطقة، وهو مشروع يتعدى مجرد وقف الحرب وإعادة الإعمار. ويعوّل عليه ترامب كثيراً لتحقيق إنجاز كبير يسجل له شخصياً.
رغم كل ما تقدم، وكان يبدو واضحاً من خلال المؤتمر الصحافي الذي عقد ترامب مع نتنياهو والتسريبات حول موقف مستشاري ترامب المتعارضة مع موقف نتنياهو، واللقاء الذي عقده نتنياهو مع وزير الخارجية مارك روبيو ومع جاريد كوشنر وستيف ويتكوف، لا تبدو الأمور واضحة بخصوص الخطوات القادمة. هل سيفتح معبر رفح؟ وهل سيعلن عن لجنة التكنوقراط الفلسطينية، ومجلس السلام؟ ومتى ستدخل «قوة الاستقرار الدولية»؟ ومن الدول التي وافقت على الانضمام لها؟ وما صلاحياتها ودورها المحدد؟ وكيف سيتم نزع سلاح «حماس»؟ وما الآلية الخاصة بذلك؟ ولمن سيسلّم السلاح؟ وهل «حماس» موافقة أم أنها لا تزال تماطل وتبحث عن دور في غزة؟ وما موقف ترامب الحقيقي من هذا الموضوع طالما لا يمانع في الدخول في المرحلة الثانية بصرف النظر عن هذه المسألة؟ أسئلة كثيرة بحاجة إلى إجابات قد نحصل عليها خلال الأيام القادمة لتتضح الصورة.