مستقـبـل حكــومــة نتنيـاهـو

نتنياهو
حجم الخط

بقلم: عومري نحمياس

كان متعذراً الحصول، هذا الأسبوع، على كرسي فارغ في غرفة مراقبة الدولة، حيث عقد «مؤتمر طارئ» بشأن مكانة إسرائيل الدولية في العالم. فزوج الأخوة الجديد رئيس «يوجد مستقبل» يائير لبيد ورئيس «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان، انتظرا في غرفة جانبية، وفقط بعد أن امتلأ المكان حتى آخره بالضيوف، بينهم نشطاء في «يوجد مستقبل»، أعطيت الإشارة للرجلين بالدخول.

لبيد، بالتزامه التظاهري المميز بالوقائع، أعلن دون تلعثم أن «وضعنا الدولي لم يكن أبداً، أبداً، في كل تاريخ الدولة من العام 1948 وحتى اليوم، أسوأ مما هو عليه الآن». وليس واضحاً مدى إسهام «مؤتمر طارئ» على مدار ساعة لمكانة إسرائيل في العالم، لكن عن أحداث من هذا القبيل درج القول إن أهميته تكمن في مجرد انعقاده ـ والأهمية هي 100 في المئة سياسية في هذه الحالة.

ولم تمر بضع ساعات، حتى تبين أن هذا ليس المؤتمر الوحيد الذي ينوي الرجلان المشاركة فيه في وقت قريب. فقد كان لبيد أول مَن أكد حضوره إلى مؤتمر «لوبي أرض إسرائيل» في الكنيست، الذي يرأسه عضو الكنيست بتسلئيل سموطريتش (البيت اليهودي) ويؤآف كيش (الليكود)، ضد تجميد البناء الاستيطاني في معاليه أدوميم. وبعده بوقت قصير، أكد ليبرمان أيضاً مشاركته في المؤتمر.

ومنذ تلك اللحظة انهدم السدّ، فأعلن أيضاً أعضاء في المعارضة مثل عوفر شيلح من «يوجد مستقبل» وإيتان كابل من «المعسكر الصهيوني» أنهم سيحضرون، لدرجة أن منظمي المؤتمر طلبوا من الكنيست نقله من غرفة لجنة إلى قاعة مركزية أكبر. وفي «الليكود» أبدوا استغرابهم من خطوة لبيد، وتساءلوا ماذا سيحدث لو أعلن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، قريباً من موعد مؤتمر اللوبي عن البناء في مدينة القدس المجاورة.

هل سيؤيد لبيد وشيلح هذه الخطوة، التي من المؤكد أنها سوف تتعرّض لانتقادات شديدة من نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، المتوقع وصوله قريباً إلى إسرائيل؟ وليس بالوسع توجيه الاتهامات لليبرمان ولبيد. فخلافاً لـ«صديقهم» زعيم «المعسكر الصهيوني»، اسحق هرتسوغ، هما يفعلان ما هو متوقع من المعارضة ـ إنهما يتحدّيان الحكومة ويخلقان ضغطاً عليها عبر خلقهما أجواء شعبية بأن بالوسع استبدالها خلال فترة قريبة. مع ذلك، في الائتلاف كانوا أقل استثارة من المؤتمر الذي عُقد ومن المؤتمر الذي سيُعقد. وأعلن مصدر في الائتلاف الحكومي ليس عضواً في كتلة الليكود أنه «سيتوفر للبيد وليبرمان الوقت الكافي لعقد الكثير من المؤتمرات المشتركة وهم في المعارضة».

معركة الميزانية ولكن من لحظة أن أزيلت، الأسبوع الماضي، للمرّة غير المعروف عددها، غيمة تهديد عضو الكنيست أورن حزان بعدم التصويت إلى جانب الائتلاف، فإن الأمر الوحيد الذي يشكل تهديداً فعلياً لسلامة الحكومة لا يرتبط بالمؤتمرات الطارئة الأسبوعية التي يعقدها ليبرمان ولبيد. وإنما بأمر واحد ووحيد: ميزانية الدولة. في نهاية الشهر، مع حلول الربيع، سيطلب موظفو وزارة المالية البدء في بلورة ميزانية العام المقبل، في إطار الجداول الزمنية المتبعة لديهم، حيث ينبغي البدء بتخطيط الميزانية في شهري نيسان وأيار، لعرضها على الحكومة في آب.

ولكن في لحظة ما سيتساءل موظفو المالية: أي ميزانية سيُعدّون؟ لسنة واحدة أم لاثنتين؟ هذه هي المرحلة التي يضطر فيها وزير المالية، موشي كحلون، للكفّ عن ألاعيب القط والفأر التي يديرها مع رئيس الحكومة نتنياهو واتخاذ القرار. وكما سلف، فإن نتنياهو يمارس ضغوطاً هائلة على وزير ماليته للموافقة على ميزانية لسنتين، تضمّن واقعياً استمرار حكمه حتى آذار 2019. ولكن كحلون، الذي يخشى من أنه حال ضمان ولاية نتنياهو، سيتعامل معه على أنه في الجيب ولا يعود يأخذه بالحسبان، يقوم بدور المتعنت ويشير منذ شهور إلى أنه يرغب فقط بميزانية لعام واحد. وقد لحظ نتنياهو الإشارات، فعرض بين أمور عدة تحسينات على وضع كحلون، إذا وافق: تحسين مكانة وزير حماية البيئة آفي غباي من كتلته وتعيينه وزيراً للاقتصاد. ولكن غباي، المثير للغرابة، أوضح أنه غير معني بتحسين مكانة حقيبته في منتصف الولاية بدعوى أنه ليس جدياً استبدال الحقيبة بعد عام واحد، والتخلي في منتصف الطريق عن معالجة أمر تلوث الجو في خليج حيفا.

وبعدما لم ينجح أوضح نتنياهو لكحلون أن الميزانية لسنتين مُقرّة في الاتفاقات الائتلافية. وردّ كحلون عليه بأنه منذ الانتخابات انتهك «الليكود» الاتفاقات ذاتها تسع مرات. وفي هذه الأثناء الوقت ينضب، وقريباً سيُضطران لاتخاذ القرار السياسي الأهم في الولاية الحالية. ومن المؤكد أنه ليست هناك أي صلة بالدعوة الزوجية التي تلقاها الوزير كحلون وزوجته لتناول وجبة زوجية في مقر رئيس الحكومة مع الزوجين نتنياهو. وقد أقيمت المأدبة في الأسبوع الفائت في البيت في شارع بلفور من دون أن يتم إبلاغ الصحافة عنها. ولكن المسألة ليست فقط الميزانية. فلكحلون، كزعيم لحزب وسط، يمكنه أن يُقرّر إن كان يريد الذهاب إلى حكومة يمين أو يسار وهو يملك القوة بين يديه. ومن الواضح أن لنتنياهو مصلحة عليا في أن يقرب كحلون إليه، والحفاظ عليه بعيداً قدر الإمكان عن محور ليبرمان لبيد الذي من المؤكد أنه سيتطوّر مع مرور الوقت. وإذا أجرينا الحكم وفق المقابلة التي منحها كحلون لإذاعة الجيش فليس من المؤكد أن جهود نتنياهو تعطي أكلها في هذه المرحلة.

فقد سئل وزير المالية إن كان نتنياهو الشخص الأنسب لرئاسة الحكومة، فردّ بكلمات «ساخنة»: «نتنياهو هو رئيس حكومة يعمل ومنتخَب». وأبدت جهات سياسية ضليعة بالتفاصيل تقديرها بأن كحلون لن يزيل عن جدول الأعمال التعاون مستقبلاً مع ليبرمان وجدعون ساعر و/أو رئيس الأركان الأسبق غابي أشكنازي، لكنهم يرون أن فرص قبوله بخوض الانتخابات بقائمة مشتركة مع لبيد هي صفر.

وقالوا «إنه لا يرتبط به بأي مستوى. لا شخصياً ولا اقتصادياً ولا سياسياً». ولكن حتى نهاية الولاية، هو لا ينوي الإقدام على أية خطوة في الاتجاه، ولا حتى أصغر خطوة. فهو لا يريد أن يشعل لدى نتنياهو المصابيح الحمراء، التي تقود إلى رقص شياطين قد ينتهي بانتخابات مبكرة. وماذا بشأن الميزانية؟ صحيح أنه من السابق لأوانه التقرير، والأسابيع المتبقية حتى موعد القرار هي كأنها الأبد بتعابير السياسة الإسرائيلية، ولكن هناك مَن هم على استعداد للمجازفة والتقدير بأن كحلون في نهاية المطاف سوف يقبل بميزانية لسنتين.

«صحيح أنه فعلاً يفضل ميزانية لعام واحد، ولكن في الاختيار بين ميزانية لسنتين وبين ميزانية لصفر سنوات (أي تفكيك الائتلاف)، فإنه يفضل ميزانية لسنتين». «العمل» يبتعد عن «ميرتس» هل يسعى حزب العمل لترك «ميرتس» في المعارضة والانضمام إلى «الليكود»، «البيت اليهودي»، و»يهدوت هتوراه» في الائتلاف؟ في الكنيست الحالية هذا لم يحدث بعد، لكن يتبين أن هذا مدرج على جدول الأعمال تماماً في بلدية القدس، في مقطع يذكرنا كثيراً بالأوضاع السياسية القطرية، وصولاً للحظة التي يمكن فيها أن تتردّد وتظن أن الحديث يدور عن جزء من فيلم. وأمامكم الوقائع. التحليل والمعاني الرمزية تبقى على عاتق القراء.

والقصة تبدأ بانتخابات 2013 لبلدية القدس. وقد قرر حزب العمل وحركة ميرتس توحيد قواهما والتنافس سوياً، في محاولة لزيادة نفوذهما في المجلس. ولكن الخطوة مُنيت بالفشل، والكتلة المشتركة حظيت فقط بمقعدين في المجلس من بين 31 مقعداً. والمكانان الأولان في القائمة شغلهما في النصف الأول من الولاية لورا فرتون وبابا ألالو من «ميرتس». وألالو هو أحد أقدم الأعضاء في المجلس، أخلى مكانه قبل بضعة شهور لمصلحة أيتي غوتلر من حزب العمل، كي تخدم في النصف الثاني من الولاية عضواً في المجلس. وقبل أسبوعين توجّه غوتلر لفرتون، موضحاً له نيته فك الكتلة المشتركة، بحيث يخدم كل منهما ككتلة مستقلة بذاتها.

والقارئ المنطقي سيسأل نفسه بالتأكيد، لماذا لكتلة من عضوين، هما في أحسن الأحوال عضوا المعارضة الوحيدان من بين 31 أعضاء مجلس البلدية، أن تنفصل؟ فليس في ذلك أي جدوى ـ في نهاية المطاف سيكون عليهما العمل سوياً كمعارضة سواء كانا عضوين في كتلة واحدة أم انقسما إلى كتلتين. وفي حزب العمل وكذلك في «ميرتس» قناعة بأن غوتلر معني بالانفصال كي يتمكن من الانضمام إلى ائتلاف رئيس البلدية وعضو الليكود، نير بركات. وقد غضبوا في الحزبين من هذه الخطوة. واشتكى نشطاء كثر من أن هذا يعتبر سرقة مقعد.

فرتون أرسلت لغوتلر رسالة لاذعة على وجه الخصوص، وفي حزب العمل وجدوا بنداً في النظام الداخلي يبقي مجالاً للتشاجر الداخلي وحالياً يطالبون بعرض المسألة على مجلس تحكيم. أما السكرتير العام، حيليك بار، وهو بنفسه عضو سابق في مجلس البلدية، وتعرض لهجمات من جانب نشطاء في لواء القدس جراء اتهامه بأنه سمح بهذه الخطوة، رد عليهم برسالة ألكترونية: «الأمر الوحيد الذي سمحت به هو طلب غوتلر بالانفصال عن ميرتس لكتلة منفرد لحزب العمل في البلدية. وحسب كلامه فالأمر يعود لانعدام الكيمياء وللتنسيق الأولي بينه وبين السيدة فرتون.

وبعد الانفصال، حينما يكون المقعد بيد حزب العمل، فإن القرار بشأن مصير هذا المقعد، سواء سيبقى كتلة منفرد أو سينضمّ لأي جهة أخرى، فسيخضع لنقاش يجري في اللواء». من المثير للاهتمام معرفة ما سيختارون. وفي حديث مع عضو المجلس، غوتلر، أوضح: «كل مبادرة مستقبلية سيتم فحصها على أساس تناسبها وتأثيرها على قيمي وإيماني وقيم حزب العمل، وما هو الموقف الصحيح. وكل شيء سيتم وفقاً لهذا المبدأ».

عن موقع «والا»