أمن الأردن وأمن المنطقة

20140113111004
حجم الخط

 

كنت كتبت الأسبوع الماضي أن الأردنيين الآن أكثر أمنا واطمئنانا؛ إذ تمكن الأمن في بلدنا من كشف المخطط الإرهابي في إربد، وإحباطه في المهد بضربة ساحقة سبقت ساعة الصفر. فهذه العملية ستردع كثيرين، وتقلل قدرة تنظيم "داعش" وأمثاله على الاستقطاب، وستزعزع الثقة الداخلية بينهم. وهي بالطبع حفزت وستحفز الأردنيين على مزيد من اليقظة، ليكون كل مواطن شريكا ورقيبا في خدمة أمن بلده وأهله.
لكن هذا لا يعني أن الخطر زال؛ إذ لا يمكن عزل أمن الأردن عن أمن المنطقة. فما دام النزاع مستمرا في المنطقة، فإن مصدر الخطر مستمر وسيتجدد. وبقدر ما يتراجع ويندحر الإرهاب في سورية على وجه الخصوص، يمكن أن نطمئن إلى طي صفحة التطرف والإرهاب في بلدنا. فالتوصل إلى حلّ سياسي ديمقراطي في سورية بعد هذا الخراب الرهيب، سينعكس على البيئة السياسية والثقافية والاجتماعية؛ بانحسار الفكر المتطرف وتنظيماته حتى الزوال التام.
الرهان على مفاوضات جنيف يقترب من الصفر. والثقة معدومة بين المعارضة والنظام. ووقف إطلاق النار، أو توقف الأعمال العدائية حسب التعبير الدولي المفضل، يصمد "نسبيا"، لكن ليس لخدمة الحل السياسي، بل للتسليم بتقاسم سورية بعد استعادة النظام مواقع استراتيجية مهمة، وبقاء المناطق خارج سيطرته نهبا للصراع بين الفئات المختلفة، وأغلبها من المليشيات الإسلامية المتطرفة. وهذه وصفة للصوملة الدائمة، سوف تقلل من أهمية وديمومة الإنجاز العسكري في العراق، حيث ستستمر "القضيّة السُنّية" من دون حل، مما يهدد وحدة العراق وأمن المناطق السُنّية، ويبقيها مفتوحة للتسيب ونشوء مليشيات سنيّة متطرفة.
المشكلة أن بديلا مقنعا لا يظهر؛ فلا أحد يجرؤ على اقتراح سيناريو التقسيم في العراق، وهناك معارضة قوية لسيناريو التدخل البري في سورية. وعندنا في الأردن، مثلا، هناك شبه إجماع على معارضة سيناريو الحرب البريّة في سورية، من دون أن يقول أحد ما العمل لاستئصال "داعش" والمليشيات المتطرفة من سورية وإنهاء الحرب الأهلية، إلا إذا كان الرهان الوحيد المضمر هو انتصار الجيش السوري ونظام بشار على كل الأرض السورية، وهو احتمال غير واقعي  وغير وارد عسكريا وسياسيا، ليس فقط لأسباب داخلية، ولكن لأن الأطراف الإقليمية والدولية لن تقبل نصرا كاملا لإيران 
وحزب الله. وهذا الأمر نفسه يحول دون السماح للقوات العراقية -بافتراض أنها مستعدّة لذلك- أن تتقدم داخل الأراضي السورية لمحاربة "داعش". وبهذا المعنى، فإن الحديث عن موقف أردني يقوم على النأي بالنفس والحياد عند حدود الدفاع عن أمننا الداخلي، يتجاهل أن قضية أمننا الوطني مرتبطة بتقديم إجابات لحل مشكلة الأمن والاستقرار في المنطقة، وتحديدا في سورية.
مع وقف إطلاق النار في سورية، خفتت مؤقتا الدعوة السعودية للاجتياح البري. لكن مع تضاؤل فرص الحلّ السياسي الذي سيتضمن بالضرورة خطة للقضاء على "داعش" و"جبهة النصرة"، فإن العودة المنفردة لخطة للقضاء على "داعش" أو الخطة (ب) التي تحدث عنها وزير الخارجية الأميركي جون كيري ستعود للظهور. وليس بالضرورة أن نكون جزءا من قوات التدخل البري، لكن لا يمكن أن نكون بعيدين عن مشروع القضاء على "داعش". وأحسن أن يتم ذلك نتيجة التوصل إلى اتفاق على الحل السياسي في سورية، لكن قد تصبح المعادلة معكوسة؛ أي إن التدخل الدولي البري هو السبيل  للقضاء على "داعش"، ثم فرض الحل السياسي والسلام في سورية.