بقدر ما هو صعب ربما الاعتراف بذلك من قبل رجال اليسار فانه لا مفر من الموافقة على ما قاله المفتش العام للشرطة روني ألشيخ في ان هناك، في جولة العنف الحالية، فارقاً قطبياً بين الثكل الفلسطيني والثكل الاسرائيلي. محق، كذلك، بيني تسيبر، الذي وافق المفتش العام – بالفعل، موت "الارهابيين" الفلسطينيين، الذين يسقطون اثناء انتفاضة السكاكين، اقل إيلاما للمجتمع الفلسطيني مما هو مؤلم للمجتمع الاسرائيلي موت ضحايا "الارهاب" الاسرائيليين. منفذو العمليات الفلسطينيون – اولئك الذين يهاجمون بسلاح بارد او ناري جنود الاحتلال الاسرائيلي، او اولئك الذين يقتلون او يحاولون قتل مدنيين اسرائيليين – يقتلون في سبيل حق الشعب الفلسطيني الكامن في الحرية الوطنية. هذا حق انساني من اكثر الحقوق طبيعية، المحفوظة للفلسطينيين مثلما هي لكل شعب آخر. وحرمان الاحتلال الاسرائيلي هذا الحق عن الفلسطينيين كجماعة وطنية، يمنع عنهم التطور الاجتماعي، الاقتصادي، والثقافي الطبيعي. في المدى البعيد يعرض للخطر استمرار وجودهم كشعب. وعليه، فبينما لا يمكن إلا أن نندد ونشجب "العنف الاجرامي" الفلسطيني، الذي يزرع الموت والثكل دون تمييز في اوساط اسرائيليين أبرياء، فان موت منفذي العمليات الفلسطينيين على ايدي الاحتلال الاسرائيلي ليس موتا بلا غاية. العكس هو الصحيح. فهو يذكر بموت اليهود في ثوراتهم ضد الاحتلال الروماني، موت البولنديين في الانتفاضات العنيفة ضد روسيا القيصرية، موت الايرلنديين في كفاحهم الوطني ضد الاستعباد البريطاني والاوكرانيين والليتوانيين ممن قتلوا اثناء المقاومة المسلحة للقمع السوفياتي. مثل موت كل اولئك، فان موت الشباب الفلسطينيين ممن يهاجمون جنود الجيش الاسرائيلي او مواطني اسرائيل المحتلة بالسكاكين مشحون بالمعنى الوطني العميق. إذ ان الحديث يدور عن التضحية بالحياة للفرد في سبيل تحرير الامة من قضاء بحكم الموت السياسي الجماعي. يقربه كل يوم آخر من الاستعباد المهين - المباشر أو غير المباشر – للحكم الأجنبي. هكذا، فان الموت الفردي، الذي يمثل رفض شعب كامل للفناء، يحمل في طياته أملاً بالحياة الوطنية الجديدة للاجيال القادمة. وهذا الامل فيه ما يساعد المجتمع الوطني الذي يثكل ابناءه، في التغلب على الالم. أما الجنود والمدنيون الاسرائيليون بالمقابل، ممن يقتلون ويغدرون في الاشهر الاخيرة في موجة المقاومة "الارهابية" الفلسطينية، فانهم لا يسقطون في كفاح على حق اساس انساني ما. انهم يقتلون كجزء من الدفاع الاسرائيلي اليائس عن حقوق زائدة للاحتلال والاستيطان في الاراضي الفلسطينية، التي تسلبها لنفسها لدولة بقوة الذراع. الحقوق الزائدة هي بمجرد تعريفها حقوق زائدة، ليست مثل الحق الوطني للفلسطينيين في تقرير المصير في دولتهم، والذي يعد تحققه حيوياً للغاية لمواصلة وجود الشعب الفلسطيني، فالحقوق الاسرائيلية الزائدة في فلسطين ليست ضرورية وليست اضطرارية لادارة حياة اقتصادية، ثقافية، واجتماعية سليمة للشعب اليهودي في اسرائيل. وهكذا ينتج ان ضحايا "الارهاب" الاسرائيليين دفعوا ثمنا ويواصلون دفع الثمن بحياتهم على أمر زائد من حيث الجوهر. من هنا تنبع شدة ألم الثكل في المجتمع الاسرائيلي، الاحتلال الاكبر بلا قياس من شدة ألم الثكل في المجتمع الفلسطيني، الذي يكافح في سبيل حريته الوطنية. فليس لكم ألم مضن ومعذب أكثر من ذاك الذي ينطوي على موت عابث من اجل هدف ليس فيه اي حاجة. العقل يقول ان القادة الفرعيين للاحتلال الاسرائيلي، مثل المفتش العام ألشيخ أو المعجبين المهنيين بقائده الرئيس، مثل بيني تسيبر، يفهمون جيدا بان المجتمع الاسرائيلي يجد صعوبة في أن يشرح لنفسه لماذا من الحيوي والضروري التضحية بابنائه من اجل الاحتلال. وهم بالتأكيد يفهمون بانه بقدر ما يصعب على المجتمع ان يشرح هذا لنفسه، فان الالم في ضوء فقدان الحياة بسبب استمرار السيطرة على الفلسطينيين يصبح بالنسبة له عديم المعنى وثقيلا على الحمل. في ضوء ذلك، فان قادة الاحتلال ورجال دعايته يبذلون جهودا عظيمة للادعاء من جديد بالثكل الاسرائيلي بمعان مشابهة. أحد الاساليب لذلك هو عرض علاقات الاحتلال والمحتل وفقا لذاك النموذج الاستعماري الذي يتمثل بالخيط الثاني في الخطاب الامبريالي من الرومانيين وحتى السوفيات: الامبراطورية متسامحة، كونية، محتوية ومعانقة. وهي التي تضحي بحياة ابنائها من أجل عالم افضل، بينما الشعوب التي ملت سيطرتها هي بالضرورة شعوب بربرية، قبلية، انعزالية ومتزمتة، تبعث بابنائها الى موتهم انطلاقا من الكراهية الشديدة لذاتها وفي ظل ابداء نكران الجميل تجاه الحاكم الامبريالي. هكذا بالضبط يصف المفتش العام ألشيخ الفلسطينيين وهذه هي الصورة التي يتخذونها في نظر تسيبر ايضا (الذي عرض في الماضي بشكل مشابه، بلا خجل، الارمن في عهد ذبحهم في تركيا العثمانية). السؤال هو الى متى سيواصل الاسرائيليون العاديون شراء هذه التشبيهات البدائية، ويدفعون المرة تلو الاخرى الثمن من حياتهم من اجل حقوق زائدة لا داعي لها على نحو ظاهر؟