هل تشعل سورية شرارة الحرب العالمية الثالثة؟

0
حجم الخط

تجادل مجموعة كبيرة من الباحثين والسياسيين أن الفوضى في سورية قد تكون سببا في جولة الصراع العالمي المقبلة. وصلت هذه التوقعات إلى درجة الحمى أواخر العام الماضي عندما قامت تركيا، عضو حلف الشمال الأطلسي، بإسقاط طائرة روسية، وتجددت مرة أخرى في الأسابيع الأخيرة بعد أن حذرت تركيا روسيا من عواقب الاستمرار في انتهاك مجالها الجوي. وقال رئيس الوزراء الروسي، ديمتري ميديديف، في وقت لاحق إن التوسع في الصراع يمكن أن يسفر عن حرب عالمية جديدة. ولحسن الحظ، فإن هذا الصراعات لم تسفر بعد عن نشوب الحرب العالمية الثالثة. وليس من قبيل الصدفة أن هذه النظرة المتشائمة والمروعة في بعض الأحيان للصراع في سورية قد ازدهرت مع الذكرى المئوية للحرب العالمية الأولى، لأنه قد صار أن المألوف أن يتم مقارنة المشهد السياسي اليوم بنظيره في العام 1914. وحتى رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، قد أدلى بدلوه مدعيا أن عالم اليوم يحمل أجواء مشابهة لتلك التي سادت عشية الحرب. ومن المؤكد أن صراعا عالميا بين القوى الكبرى في العالم هو على الأرجح أكثر عرضة للحدوث اليوم عما كان الأمر عليه منذ بعض الوقت. وتبدو أكثر المقارنات الملائمة هي تلك الخاصة بأوروبا في العام 1914 حيث تلعب الحرب الأهلية السورية دورا شديد الشبه بتلك الأزمات التي وقعت في أماكن مثل المغرب والبوسنة في السنوات التي سبقت الحرب العالمية الأولى، وهي الأزمات التي قوضت سمعة القوى الأوربية وحدت من قدرتها على الالتزام تجاه الحل السلمي في عام 1914. وفي حين أن الشرارة التي سوف تطلق الحرب العالمية القادمة من غير المرجح أن تحدث في سورية، فإن التصورات حول مدى مصداقية اللاعبين الرئيسيين تتغير وعواقب هذا الأمر ربما تستمر في التكشف لسنوات أو حتى لعقود قادمة. عودة إلى الماضي في العام 1905، ما يقرب من 10 أعوام قبل اغتيال الأرشيدوق «فرانز فرديناند» (الحدث المباشر الذي أشعل فتيل الحرب العالمية الأولى)، كانت ألمانيا وفرنسا تتراشقان فيما صار يعرف لاحقا باسم الأزمة المغربية الأولى. هبط القيصر فيلهلم الثاني في المغرب، وأعلن دعم ألمانيا للسيادة المغربية. نظرت فرنسا إلى هذا التحرك باعتباره تهديدا رئيسيا لسيطرتها على شمال أفريقيا، وهددت بشن حرب ضد ألمانيا حتى إنها قامت بحشد قواتها. وعلى الرغم من أن فيلهلم قد قرر التراجع لاحقا، فإنه كان قد رسخ سمعة ألمانيا كدولة معتدية وساهم في تقويض مصداقيتها. بعد ست سنوات، سعى القيصر لتغيير هذه الصورة عن طريق نشر سفن حربية في أغادير خلال الأزمة المغربية الثانية. نشأت الأزمة، جزئيا، بسبب التصور الألماني بأن فرنسا قد تراجعت عن الالتزامات التي قطعتها في الأزمة السابقة. ومرة أخرى فقد كانت ألمانيا مجبرة على التراجع.  في غضون ذلك أعلنت النمسا والمجر نيتهما في ضم البوسنة والهرسك في العام 1908. ورغم أن روسيا هددت بشن حرب لمنع ضمها، فقد أدركت أن جيشها لم يكن في حالة تسمح له بمحاربة النمسا والمجر. ورغم أن روسيا هددت بشن حرب لمنع ضمها، فقد أدركت أن جيشها لم يكن في حالة تسمح له بمحاربة النمسا والمجر. ونتيجة لهذه الأزمات، فإن الالتزامات من قبل القوى الأوروبية تجاه استخدام القوة أو الامتناع عن استخدامها أصبح ينظر إليها على أنها غير مؤكدة على نحو متزايد. وبحلول الوقت الذي اغتيل فيه الأرشيدوق، كانت القوى الكبرى في أوروبا تواجه أزمة مصداقية وبالتالي وجدت صعوبة في الالتزام تجاه الحل السلمي. على وجه الخصوص، كان لدى ألمانيا حوافز قوية لشن حرب وقائية بسبب المشاكل العالقة بين القوى العظمى، التي تفاقمت بفعل سنوات من الأزمات الدولية. ويرى بعض العلماء أن عدم قدرة الدول على الالتزام بمصداقية لمسار العمل تمثل أهم أسباب الصراع الدولي. عندما تكون بعض الدول غير قادرة على تقديم التزامات ذات مصداقية فإن نشوب الحرب يصبح أكثر احتمالا، كما أن إنهاء الحروب القائمة يصبح أكثر صعوبة. تحدث الظروف التي أدت إلى نشوب الحرب التي اندلعت في آب 2014 عندما تكون تهديدات الدول باستخدام القوة أو تعهداتها بعدم استخدامها غير ذات مصداقية. ولكي نكون واضحين، فإن مفهوم المصداقية يختلف بشكل كبير عن توازن الردع كما أنه يشير إلى استخدام القوة أو عدم استخدامها على حد سواء. ويمكن للدول تقديم التزامات ذات مصداقية من خلال مجموعة متنوعة من الآليات، ولكن واحدا من أهم الطرق هو من خلال إنشاء سابقة أو سمعة تدعم التزامها. يتم تطوير هذه السمعة على المدى الطويل من خلال التفاعلات المتكررة. إلى سورية قد تمثل سورية تطورا مثيرا للقلق على صعيد مستقبل العلاقات بين القوى الكبرى ويرجع ذلك على وجه التحديد إلى كون مصداقية هذه القوى قد بدأت من التغير. بالإضافة إلى تدخلها في سورية، فإن أنشطة روسيا في جورجيا في العام 2008 ثم في أوكرانيا في العام 2014 قد وسمت الكريملين بسمعة الميل إلى استخدام القوة فضلا عن سمعة عدم القدرة على التنبؤ بتصرفاتها. وفي الوقت نفسه، وبعد أكثر من عقد من الحرب في الشرق الأوسط، فإن ضبط النفس النسبي الذي أبدته الولايات المتحدة في سورية قد صار يثير الشكوك حول مدى استعدادها لاستخدام القوة. والجدير بالذكر أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ينسب لنفسه الفضل في إقناع إدارة أوباما بالتراجع عن تهديدها بمهاجمة الحكومة السورية في العام 2013.  قد لا تبدأ الحرب العالمية القادمة في سورية، ولكن الصراع هناك هو جزء من معادلة أوسع بكثير مما يبدو عليه. وقد جادل بعض المعلقين مؤخرا أن الصراع المباشر بين القوى العالمية من المرجح أن يبدأ في بلد مثل أستونيا، ولكن يحتمل أن يكون زرع بذور أي صراع مستقبلي على أستونيا قد بدأ اليوم في الرقة أو حلب. وعلاوة على ذلك، فإن تطور سمعة اللاعبين الرئيسيين في سورية يمكن لاحظتها بشكل جيد خارج منطقة الشرق الأوسط. وقد وجد العلماء أنه خلال النزاعات الدولية فإن الكثير من الدول تبني قراراتها على الطريقة التي تصرف بها خصومها في الماضي في إدارة العلاقات مع غيرهم من الدول. وتؤكد الهدنة أن الإجراءات التي يتم اتخاذها من قبل كل من روسيا والولايات المتحدة، وفرنسا في سورية تخضع للمراقبة عن كثب من قبل الأطراف غير المتورطة بشكل مباشر في الصراع مثل الصين واليابان. ونتيجة لذلك، قد يكون للنزاع السوري تأثير ضخم على قضايا قد تبدو غير متعلقة، ولكنها مرتبطة بمصداقية القوى العالمية. وبعبارة أخرى، فإن ما يحدث في سورية ليس منفصلا عما يحدث في نهاية المطاف في أماكن مثل بحر الصين الجنوبي. عندما يذهب العالم إلى الحرب مرة أخرى، فإن سورية سوف تكون أحد النقاط المأساوية والحرجة لهذه الحرب.