نتنياهو يتنصل من "بيبي" إرضاءً لواشنطن!

6173684226
حجم الخط

اكتملت العملية المتقلبة. خلال أقل من أسبوع انقلب نتنياهو وتنصل من بيبي: في الأسبوع الماضي قال بيبي إنه لن تقوم دولة فلسطينية خلال ولايته. غداة يوم الانتخابات دعا نتنياهو طواقم تصوير أميركية وشرح لهم بأن أقواله أُخرجت عن سياقها وأنه لم يتراجع بأي شكل عن خطاب بار ايلان. في الأسبوع الماضي حذر بيبي من أن العرب يتدفقون الى صناديق الاقتراع ويهددون حكم اليمين. عبر نتنياهو، أول من أمس، عن أسفه للمس بالأقلية الكبيرة (20 بالمئة من مواطني دولته). إذاً، ها هو دكتور نتنياهو ومستر بيبي، هناك رئيس حكومة للأيام العادية وهناك داعية انتخابي لفترة الانتخابات. من يقوم بالربط بين الاثنين فهو يقوم بذلك على مسؤوليته.
في البداية يجب القول إن نتنياهو أحسن الصنع باعتذاره (في الحقيقة هو عبر فقط عن «أسفه») أمام «عرب اسرائيل»، أول من أمس. خطوة مهمة وضرورية لمن يحاول حتى الآن الظهور كزعيم للديمقراطية. القائمة المشتركة رفضت اعتذاره؟ هو لم يعتذر من اجل أن يقبلوا اعتذاره، هو اعتذر من اجل أن يسمعه البيت الابيض. السياسيون العرب في اسرائيل مفوضون سياسيون غير رفيعي المستوى يقومون بفعل كل شيء باستثناء مساعدة اخوانهم العرب، والتزامهم تجاه دولة اسرائيل أمر اشكالي. إضافة الى ذلك فإن الطريق للالتفاف عليهم وعلى تأثيرهم الضار من أجل الوصول إلى قلوب مئات الآلاف الذين يرغبون في أن يكونوا اسرائيليين يحترمون الدولة، ليست طريق الشيطنة بالصيغة التي فعلها نتنياهو. ومهما كان الامر فقد أحسن صنعا رئيس الحكومة باعتذاره.
هل يمكن أن يكون بيبي غير متغطرس ولم تُسكره القوة بعد انتصاره المفاجئ كما اعتقدنا؟ هل يمكن أنه يفهم حجم الضائقة الدولية التي تقف أمامه؟.
يبدو لي أن الامر كذلك. اثناء اعتذاره، أول من أمس، خطب رئيس طاقم البيت الأبيض، دنيس مكدونو، أمام ممثلي لجنة «جي ستريت»، وهي اللوبي اليساري في الولايات المتحدة، (مثل «ايباك» ولكن بالعكس). مكدونو، اليد اليمنى للرئيس اوباما، ألقى على نتنياهو دلو ماء باردة وأوضح أن المخاوف في القدس من انتقام الرئيس اوباما صحيحة. تحدث عن القلق في واشنطن من تصريحات نتنياهو، وعن أن الأميركيين لا يستطيعون التصرف وكأن اقوال نتنياهو لم تُقل، وعن أنهم لن يقبلوا ضم الضفة الغربية في أي يوم، وعن الحاجة الى قيام الحكومة الجديدة في اسرائيل بخطوات تكون متساوقة مع أقوالها في كل ما يتعلق بحل الدولتين.
كيف لنتنياهو ألا ينظر الى ما هو أمامه؟ فالموجود هو فقط حائط من الاسمنت. ومن أجل أن يجتازه يحتاج الى عتبة قفز، وهذه العتبة يسمونها اسحق هرتسوغ، ولكنه ليس ذا صلة الآن. ليس لأن هرتسوغ غير قابل للوصول اليه، بل العكس. على قدر علمنا ببوغي فإنه داخل أعماقه يهتز من الانفعال والنضوج للانضمام لحكومة نتنياهو. هو يتحرك لأن بيبي لم يتصل به حتى الآن، إنه يتعب عقله بجهود مضنية لشق طريق بورما أو لحفر نفق مثلما فعل ايهود باراك في حينه للوصول الى حكومة بيبي. ورقة تين؟ ليكن ورقة تين. هرتسوغ يعرف أن الحياة كوزير خارجية لدى بيبي ستكون أسهل ومثيرة أكثر من الحياة كرئيس للمعارضة مع شيلي يحيموفيتش من جهة ويائير لابيد من الجهة الاخرى.
الآن ليس لاحتمال كهذا امكانية سياسية. لقد قال نتنياهو نفسه أكثر من مرة إنه لن يشكل حكومة مع المعسكر الصهيوني. هرتسوغ يعرف أن يحيموفيتش ستلوي رأسه إذا نظر باتجاه بيبي. هذا الامر يمكن أن يحدث فقط عن طريق هزة خارجية أو عملية سياسية داخلية. على نتنياهو إنهاء المفاوضات التحالفية مع شركائه الطبيعيين من اجل أن يستطيع الوقوف أمام ناخبيه وأن يقول لهم إنه حاول، حقيقة حاول، تشكيل حكومة وطنية يمينية حريدية وما شابه، لكن الأصدقاء لم يُمكنوه من ذلك. المشكلة هي أنه إذا حدث هذا فسيكون الاضرار ببيبي سهلاً مع اقتراب الموعد النهائي وبدون تشكيل الحكومة. في وضع كهذا يكون من الصعب أن نتوقع من هرتسوغ انقاذه. يوجد هنا وضع سياسي معقد ومركب مع توازنات داخلية تصعب الثقة بانضاجه في الوقت المناسب.
لكننا ما زلنا بعيدين عن ذلك. المفاوضات التحالفية بدأت ونتنياهو بحاجة الى شيء ما لتهدئة الشهوة الكبيرة لليبرمان ونفتالي بينيت. يوجد لديه هنا جبهتان معقدتان وصعبتان مع شخصين تلقيا منه مؤخرا ضربات انتخابية قاتلة وكل ما يعنيهما هو الانتقام ولي ذراعه. لدى بينيت يغلون على بيبي الذي يحاول أن يخلق عندهم تمردا داخليا وأن يلعب معهم. «اذا نشرنا ما تعهد به لنا قبل الانتخابات فسيكون ذلك أمرا غير مريح جدا له»، قال مقرب من بينيت، هذا الأسبوع. سوف لا يوافق البينتيون بأي شكل من الاشكال على قبول أي شيء أقل قيمة مما سيحصل عليه افيغدور ليبرمان. لدينا مقعدان أكثر منه، يقولون. لهذا لن يكون هناك وضع يكون فيه إيفيت (ليبرمان) وزيراً للدفاع وبينيت لا يحصل على ترفيع. لدى ليبرمان لا يتحدثون مطلقا. عندما يصمت ليبرمان يكون ذلك أخطر. في هذه اللحظة ليس واضحا ماذا يريد إيفيت أكثر: أن يدخل الى الحكومة بوظيفة كبيرة (رغم الـ 6 مقاعد)، أو أن ينتقم من نتنياهو.
ايضا نتنياهو، بالمناسبة، لا يعرف. في الاسبوع القادم سيصرح جميعهم بتصريحات قتالية وستتفجر المفاوضات عدة مرات. وفي الاسبوع التالي سيهدؤون وينسقون توقعاتهم، وفي الاسبوع الثالث يبدؤون الحديث بجدية. عندها سنعرف ماذا سيحدث. هل ما تعهد به بيبي (حكومة يمين – حريديين) أو ما يريده بيبي (حكومة واسعة اكثر مع ورقة تين واحدة على الاقل).

عن «معاريف»