لم يجب بـ«لا»، نائب رئيس هيئة الأركان للقوات المسلحة الإيرانية عندما سئل إن كانت بلاده سترسل مستشارين عسكريين لليمن كما تفعل في سوريا، بل أوحى بـ«نعم»، قائلا بأن الجمهورية الإسلامية تشعر بواجبها في اليمن كما تفعل لمساعدة الحكومة والشعب في سوريا!
إيران موجودة في اليمن قبل الانقلاب على حكومة عبد ربه منصور هادي العام الماضي، وتنامي وجودها سبب رئيسي وراء إقدام السعودية على بناء تحالف عسكري وشن حرب هناك. فقد تأكدت شكوكها بأن إيران وراء استيلاء وكيلها، ميليشيا الحوثي، على العاصمة، وإرسالها كميات كبيرة من الأسلحة، ومن تسميهم بالمستشارين العسكريين، لدعمهم. وبعد استيلاء حليفها على السلطة مع الرئيس المعزول علي عبد الله صالح، أعلنت عن تسيير رحلة طيران يومية للعاصمة صنعاء، بعد أن كانت ترسل واحدة في الأسبوع، ولا توجد لإيران صادرات لليمن سوى السلاح والمقاتلين.
وحتى بعد نشوب الحرب، وإغلاق مطار صنعاء، وتولي الأمم المتحدة تفتيش السفن المتجهة لليمن، استمرت إيران ترسل شحنات أسلحة بطرق مختلفة. أستراليا أعلنت أول من أمس أن سفينة حربية تابعة لها عثرت على كميات أسلحة على متن سفينة قامت بتفتيشها متجهة من إيران لليمن، وقبلها بعشرة أيام أبلغ وزير الخارجية الأميركي الكونغرس أنه تمت إعادة سفينة إيرانية مماثلة، وبالطبع لا يكلف إيران سوى ثمن إيجار سفن رخيصة لتكرار المحاولة عدة مرات.
وهذا كله يقود إلى أن إيران تريد تحويل اليمن إلى سوريا أخرى، إلى ساحة معركة يفد إليها مقاتلون من ميليشيات مختلفة تابعة لإيران، من أفغانستان إلى لبنان!
السؤال، هل فعلاً تتجرأ إيران على توسيع دائرة القتال وتنقلها إلى تخوم اليمن؟
لا بد أن نقرأ تصريحات الرسميين الإيرانيين في ظرفها، تبدو رسالة تبعث بعد أن شهد الوضع اليمني لأول مرة بشائر إيجابية، من مفاوضات وتبادل أسرى، وتسهيل مرور مواد إغاثية. سواء كانوا يريدون نسف التقدم الإيجابي أم منح حلفائهم ضغوطاً إضافية لإنقاذهم، لأن وضع الانقلابيين بات سيئاً، وخسروا أكثر من نصف الأراضي التي كانوا قد استولوا عليها. أي مصالحة في اليمن تعني زيادة الضغط عليهم في مناطق الاشتباك الأخرى، مثل سوريا، لذا من مصلحتهم الإبقاء على القتال مستمراً لإلهاء الدول الخليجية في معركتها في حديقتها الخلفية، ويأمل الإيرانيون أن يحققوا نصراً ما، في سوريا التي زجوا فيها بثقلهم البشري والمادي مع الروس.
ولو افترضنا الاحتمال الأسوأ، بعزم إيران حقاً على إرسال ميليشياتها إلى اليمن، وتوسيع دائرة الحرب هناك، هل يمكنها الانتصار هناك؟
الحقيقة أن الإيرانيين موجودون ما قبل الحرب، في صورة ميليشيات حزب الله اللبنانية، والكثير من الأدلة تبين مشاركتهم في القتال حالياً، ويعزى لهم عمليات قصف المناطق الحدودية السعودية من شمال اليمن، حيث يقيم الحوثيون في تلك المناطق الجبلية الوعرة. اليمن بلد يماثل أفغانستان، في تضاريسه الوعرة، وتعقيد خريطته القبلية، وصعوبة الحركة فيه. ولن يكون حظ الإيرانيين جيداً لو جربوا الاستثمار في اليمن بإرسال مزيد من الرجال والسلاح، وإن كانوا سيعقدون الوضع على السعودية وحلفائها، لكن خسائرهم ستكون كبيرة.
في البداية كان عدد المتشككين كبيراً في رواية تورط إيران في اليمن، لكن اليوم قلما نسمع خبيراً ينفي حقيقة الدور الإيراني منذ بداية الأزمة، مثلما كان بعضهم يرفض أن يصدق دورهم في سوريا والبحرين والعراق.
لا ينقص الإيرانيون الجرأة على مزيد من التورط في اليمن، وهم يَرَوْن أن رهانهم على مد نفوذهم إليه يوشك على الفشل، لكن سينقلب ذلك عليهم عسكرياً وسياسياً، وربما هو ما يحتاج إليه السعوديون لإثبات أن خطر إيران ازداد بعد توقيع الاتفاق النووي وليس العكس، ومحاصرة الإيرانيين في جبال وسهول هذا البلد العصي على الغزاة.
*نقلاً عن "الشرق الأوسط"