أظهر استطلاع أجراه معهد "بيو" الأميركي، تجذّر النزعات العنصريّة داخل إسرائيل ضدّ فلسطينيّي الـ48 والعرب عموماً، إذ أشار إلى أنَّ حوالي نصف اليهود - من سكّان إسرائيل - يؤيّدون إبعاد وترحيل الفلسطينيين عن وطنهم، فيما تزداد هذه النسبة بمقدار تديّن هؤلاء أو اقترابهم إلى التقاليد. كما يوضح التقرير تقبّل الغالبيّة الساحقة من الإسرائيليين لواقع التمييز العنصري ضدّ العرب ومحاباة اليهود.
وعرض معدّو هذا الاستطلاع، الذي جرى على طريقة المقابلة وجهاً لوجه، نتائج بحثهم على الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين الذي طالب بضرورة دراسته واستخلاص العبر منه.
والاستطلاع الذي شمل حوالي ستة آلاف مشارك تزيد أعمارهم على 18 عاماً، أجراه مركز الأبحاث الأميركي "بيو" في الفترة الممتدة بين نهاية العام 2014 ومنتصف العام 2015.
وهدف أحد أسئلة الاستطلاع إلى فحص درجة موافقة اليهود في إسرائيل على "طرد أو نقل العرب في إسرائيل"، فأجاب 21 في المئة من المستطلعين أنّهم "يوافقون جداً"، فيما قال 27 في المئة إنَّهم "يوافقون".
وبعد دمج العيّنتين، تبيّن أنَّ 48 في المئة من اليهود الإسرائيليين، يؤيّدون خيار الترحيل. في المقابل، عرضت نسبة 46 في المئة هذا التوجه، فقال 29 في المئة إنّهم "لا يوافقون جداً"، بينما أكَّدت نسبة 17 في المئة أنَّها "لا توافق أبداً" على طرد العرب من إسرائيل.
وأظهر الاستطلاع أنَّ نسبة المؤيّدين لطرد العرب في أوساط المتديّنين كانت الأعلى، مقارنةً بباقي السكّان اليهود في إسرائيل. وأيّدت نسبة 71 في المئة من المتديّنين، و59 في المئة من الحريديين، و54 في المئة من التقليديين، طرد الفلسطينيين. لكن في أوساط العلمانيّين، كان الحال معاكساً بعض الشيء، بعدما عارضت نسبة 58 في المئة الترحيل، فيما وافقت عليه نسبة 36 في المئة.
وكما هو متوقّع، فإنَّ نسبة المؤيّدين لطرد العرب، كانت أعلى في أوساط اليمين عنها في أوساط اليسار والوسط. إذ تؤيّد نسبة 72 في المئة من المستطلعين اليمينيين، و37 في المئة من الوسط، و 10 في المئة من اليسار، ترحيل العرب من إسرائيل. وتبيّن أيضاً، وفق الاستطلاع، أنَّ نسبة تأييد الترحيل أعلى في أوساط اليهود الشرقيين (56 في المئة) منها في صفوف الاشكناز (40 في المئة).
كما أنَّ نسبة تأييد الترحيل تقلّ كلّما نال المشارك في الاستطلاع تعليماً أكثر. إذ إنَّ 57 في المئة من الذين لم يحصلوا على الثانوية، قالوا إنّهم يؤيّدون الترحيل، ليقل إلى 50 في المئة لدى الذين أنهوا الثانوية، و38 في المئة لدى أصحاب اللقب الأكاديمي.
لكن هذه الاستطلاع جرى قبل الهبَّة الشعبيّة الفلسطينيّة التي زادت بدورها من مخاوف وعداء اليهود للعرب، لذا فإنَّه لا يعكس التغيير المحتمل في مواقف اليهود في إسرائيل حول هذا الموضوع.
ونقلت "هآرتس" عن المسؤول عن أبحاث الأديان في المركز الأميركي الذي أجرى الاستطلاع، الين كوبرمان قوله، إنَّ السؤال حول تأييد الترحيل "صيغ بشكل مقصود، بشكل عام، وبشكل مباشر وبسيط"، من دون الدخول في سيناريوهات وتفاصيل معيّنة مثل التعويض مقابل الترحيل، ومن سيشمل الترحيل تحديداً.
في المقابل، انتقد الباحث الاجتماعي الحاصل على جائزة إسرائيل، البروفيسور سامي سموحة، الطريقة التي صيغ فيها السؤال في استطلاع المركز. وفي حوار مع "هآرتس"، قال: "من الواضح أنَّ تأييد الترحيل والطرد يستحقّ التنديد، لكن صيغة السؤال كانت غامضة". وأضاف أنَّ السؤال لا يحدّد من الذي سيتمّ طرده، ويحتمل أنَّ المستطلعين اعتقدوا أنَّ الحديث يدور عن طرد سكّان الضفة الغربيّة الذين يعيشون في البلاد ولكنهم ليسوا مواطنين إسرائيليين.
وفضلاً عن ذلك، يرى سموحة أنَّ السؤال لا يوضح ما إذا كان الطرد سيوجّه إلى جميع العرب في إسرائيل أم لمن يؤيّد العدو ويسعى ضدّ وجود الدولة. لكن في كل الأحوال، يعتقد سموحة أنَّ الاستطلاع "يعكس الاغتراب والتحفّظ من العرب أكثر ممَّا يعكس إعطاء الشرعيّة للحكومة من أجل طرد العرب". وهذا، بحسب رأيه، لأنَّ "القول الوارد في الاستطلاع غير منطقي وغير قابل للتطبيق".
في كل حال، فإنَّ استطلاع المركز أشار إلى تراجع نسبة اليهود وفلسطينيي الـ48 الذين يرون أنّه توجد فرص سلام بين إسرائيل والدولة الفلسطينية المستقبلية. فظهر أنَّ نسبة 43 في المئة من اليهود و50 في المئة من الفلسطينيين، يؤمنون بذلك لغاية العام 2015. وفي استطلاع سابق أجري في العام 2013، وافقت نسبة 46 في المئة من اليهود على السلام، في مقابل 74 في المئة من العرب.
وبخصوص فحص مشاعر التمييز في أوساط المسلمين في إسرائيل، أظهر الاستطلاع أنَّ نحو الثلث، 37 في المئة، قالوا إنّهم عانوا من التمييز بسبب هويتهم الدينية في السنة الأخيرة. وأكدت نسبة 17 في المئة أنَّ رجال الأمن قاموا بمساءلتهم، و15 في المئة قالوا إنّه محظور عليهم السفر من البيت إلى العمل، فيما قالت نسبة 15 في المئة أنّه تم تهديدهم أو الاعتداء الجسدي عليهم بسبب ديانتهم في السنة الأخيرة، و13 في المئة قالوا إنَّ أضراراً لحقت بممتلكاتهم بسبب ذلك.
وحاول الاستطلاع عرض معطيات كثيرة تعبّر عن الخلاف في المجتمع الإسرائيلي، بعضها يظهر أنَّ 76 في المئة من اليهود، يعتقدون أنَّ إسرائيل يمكن أن تكون دولة يهوديّة وديموقراطية، في الوقت نفسه. أمَّا 64 في المئة من العرب، فيعتقدون العكس.
وفي بند آخر في الاستطلاع، أجاب 42 في المئة من اليهود أنَّ المستوطنات تخدم أمن إسرائيل، و30 في المئة قالوا إنّها تضر به. وتبيّن أيضاً أنَّ 79 في المئة من اليهود، يعتقدون أنَّ على إسرائيل أن تقوم بالتمييز لمصلحة اليهود.
مع ذلك، تفضّل نسبة 62 في المئة من اليهود، مبادئ الديموقراطية على الدين في حال حدوث تناقض بينهما، فيما تعارض نسبة 64 في المئة أن يصبح الدين قانون الدولة، وتعارض نسبة 63 في المئة وقف المواصلات العامة في أنحاء البلاد أيّام السبت. وتؤيّد نسبة 72 في المئة من اليهود، التجنيد الإجباري للحريديين في الخدمة العسكرية، فيما يعارضون الفصل بين اليهود والحريديين في المواصلات العامة.
وفي تحديد الهوية اليهودية، أجابت نسبة 65 في المئة من اليهود بأنَّها "ذاكرة المحرقة"، وتأتي بعدها "الحياة الأخلاقية" بنسبة 47 في المئة، و 85 في المئة لـ "قوانين الشريعة اليهودية"، و33 في المئة لـ "العيش في إسرائيل"، و27 في المئة لـ "العدل والمساواة".
ويوضح الاستطلاع أنَّ نسبة 77 في المئة من اليهود يؤمنون بالله، بما في ذلك 56 في المئة من العلمانيين، وأنَّ 61 في المئة من اليهود، بما في ذلك ثلث المستوطنين، يعتقدون أنَّ الله منح أرض إسرائيل لليهود.
ووجد الاستطلاع أنَّ 53 في المئة من اليهود يؤمنون بنظرية التطور البيولوجي، بينما تؤمن نسبة 43 في المئة منهم بأنَّ الله خلق الإنسان.
الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين الذي التقى مع القائمين على الاستطلاع، قال "هذا الاستطلاع يجب أن يوضع أمام صنّاع القرار في إسرائيل، أمام حكومة إسرائيل. إنَّه يشير إلى ضرورة علاج مشكلاتنا الداخليّة داخل البيت أكثر من أي وقت آخر". وأضاف أنَّ "التفكير بدولة إسرائيل على أنَّها ديموقراطية لليهود فقط، شيء غير محتمل ويجب أن نجد الطريقة لعلاج ذلك".