يصادف، الثامن من آذار، ما بات يعرف بـ "يوم المرأة العالمي"، حيث تتم الاحتفالات وتصدر البيانات والتصريحات، التي تدعم وتساند المرأة، ولكن القليل من ذلك يجد طريقة إلى التطبيق العملي، وبالأخص في طريق العمل من أجل حقوق المرأة، ومنها توفير فرص العمل، والحد الأدنى للأجور، وفرص القيادة والتغيير والمشاركة في صنع القرار، والمهم هو توفر شروط أو ظروف الصحة والسلامة المهنية للمرأة، وهنا الحديث عن المرأة العاملة الفلسطينية.
ومن يذهب إلى بعض مناطق الأغوار مثلا، يمكن أن يشاهد المرأة الفلسطينية تعمل في الزراعة أو في الحقل، سواء تساهم في تحضير مبيدات للرش، أو تشارك في عملية الرش، أو حتى تقوم بقطف المحصول المرشوش، دون إبداء أي اعتبار لما يعرف بـ"فترة الأمان"، ومن الممكن أن تقوم المرأة بكل ذلك وهي حامل أو خلال فترة الرضاعة، أو حتى بمشاركة أطفالها، وما لذلك من مضاعفات للخطورة، سواء خطورة بعيدة أو قصيرة المدى، بعيداً عن ظروف أو شروط السلامة المهنية. ورغم الاهتمام العالمي المتصاعد بموضوع الصحة والسلامة المهنية، وبالأخص للنساء العاملات بسبب خصوصية المرأة.
ورغم تخصيص يوم من كل عام، للاحتفال بيوم للسلامة المهنية وكذلك للاحتفال بـ "يوم المرأة العالمي"، من أجل التركيز على الحقوق المفترض توفرها للمرأة في العالم، من حقوق اجتماعية واقتصادية وسياسية وظروف العمل، من حيث توفر شروط السلامة والصحة المهنية، إلا أن أوضاع السلامة المهنية للمرأة العاملة، ومن ضمن ذلك المرأة الفلسطينية ما زالت متردية.
ورغم القفزة التعليمية الكبيرة التي حققتها المرأة الفلسطينية، إلا أنه وحين النظر إلى سوق العمل، فإن نسبة كبيرة من النساء الفلسطينيات يعملن في قطاعات تتطلب عملاً يدوياً وشاقاً، مثل قطاعات الزراعة والخياطة وصناعة الملابس والأحذية والنسيج، وصناعة الأغذية والأدوية، وفي النظافة وفي رياض الأطفال وغير ذلك، وإن عدم توفر ظروف السلامة المهنية، يمكن أن يسبب أمراضاً متنوعة للمرأة العاملة، سواء أكانت أمراضاً جسدية أو نفسية، حيث يمكن أن تظهر أعراض الأمراض بعد فترة قصيرة أو طويلة.
ومن المعروف، أن قانون العمل الفلسطيني، ينص وبوضوح، على ضرورة توفر إجراءات الصحة والسلامة المهنية، وبغض النظر عن طبيعة العمل، في داخل بيئة العمل، وبأن تكون التعليمات بخصوص هذه الإجراءات واضحة للعيان لكل من يتواجد في بيئة العمل، وأن تتوافر المعدات والأدوات اللازمة للإسعافات الأولية وللحماية الشخصية في حال تطلب العمل ذلك، وينص القانون كذلك على ضرورة إجراء الفحوصات الطبية الروتينية الدورية وحسب طبيعة ومدة العمل. وهناك خصوصية واضحة للمرأة العاملة في قانون العمل الفلسطيني، من حيث حقها في الحصول على إجازات للولادة والرضاعة ويشير القانون كذلك إلى تحديد الأعمال الخطيرة المحظورة على المرأة العاملة القيام بها وعدم إجبارها على ذلك، وكذلك هناك فقرة في القانون تنص على طبيعة الأعمال التي تستطيع النساء عملها ليلاً، وعلى حظر بعض الأعمال على النساء الحوامل والنساء المرضعات.
والأخطر حين يتعلق الأمر بالصحة والسلامة المهنية للمرأة العاملة، هي تلك الإصابات أو الأمراض المزمنة والخطيرة والتي تنتج عن التعرض المتواصل لمواد، سواء أكانت كيميائية أو بيولوجية أو إشعاعية أو حتى فيزيائية، وبشكل قليل، بحيث لا تظهر الآثار الآنية للتعرض لها، ولكن ومع مرور الزمن ،تظهر الأمراض، سواء على المرأة نفسها أو على أجنتها وأطفالها، وبسبب تراكم التعرض لهذه المواد، ولو بكميات قليلة. ويمكن أن تظهر الآثار على شكل إمراض مثل السرطان والتشوهات الخلقية والأمراض العصبية والانعكاسات المترتبة على ذلك، وربما من الأمثلة على ذلك التعرض المتواصل للمبيدات الكيميائية للعاملات في قطاع الزراعة، والتعرض إلى المعادن الثقيلة والمركبات العضوية للعاملات في الصناعات الكيميائية والغذائية والأدوية، وكذلك التعرض المتواصل للضجيج للعاملات في صناعة الغزل والنسيج والخياطة، هذا بالإضافة إلى الآثار النفسية التي تتعرض لها المرأة العاملة من ضجيج وضغط العمل والجلوس أو الوقوف لفترات زمنية طويلة، التي قد تؤثر على قدرتها الإنجابية.
وحين يتعلق الأمر بالصحة والسلامة المهنية، فإنه يجب الأخذ بعين الاعتبار خصوصية المرأة العاملة. المرأة العاملة قد تحمل وتلد وترضع، وبالتالي فإن بيئة العمل ومدى تعرضها لظروف عمل غير صحية خلال هذه المراحل المختلفة، قد يؤدي إلى عواقب وخيمة عليها وعلى جنينها وأطفالها، فهناك دراسات دلت ودون أي مجال للشك على أن العديد من المواد الكيميائية إذا وصلت إلى جسم المرأة فإنها تنتقل من خلال المشيمة إلى الجنين وكذلك من خلال الرضاعة إلى الرضيع.
ومع الانتهاء من احتفالات "يوم المرأة العالمي"، وما يرافقه من الضجيج الإعلامي الكبير حول حقوق المرأة، وفي ظل الصخب والتهريج والضجة حول أهمية منح حقوق المرأة، والذي وصل ألي إقرار عطلة رسمية في "يوم المرأة العالمي"، سواء في بلادنا أو في غيرها من الدول، إلا أنه من الأجدر القيام بخطوات عملية تجاه إعطاء المرأة الحقوق، وباتجاه توفير الظروف الصحية والسلامة المهنية في بيئة العمل، وحتى باتجاه إعطاء المرأة الفلسطينية العاملة، حقها في الحصول على الحد الأدنى للأجور، كما نص عليه القانون الفلسطيني، وبالتحديد قانون العمل الفلسطيني.