إسرائيل لا تملك أية وسيلة لوقف الانتفاضة

0
حجم الخط

تختلف "انتفاضة الشباب" العفوية التي نحن اليوم في ذروتها عن كل المواجهات التي خَبِرتها دولة إسرائيل منذ قيامها وقبل ذلك أيضاً. 
لا يوجد دافع واحد للشباب الذين يخرجون للقيام بعمليات طعن ودهس وإطلاق نار بصورة عشوائية، ونجاح "ارهابي" واحد أو اثنين ينتشر خلال دقائق على شبكات التواصل الاجتماعي وبوساطة الاعلام ويتحول إلى نموذج للمحاكاة.
كما أن أساليب عمل "المخربين" متعددة، فهم يتحركون كفرد واحد أو اثنين، ويستخدمون سكاكين، مقصات، وعبوات محلية الصنع وأسلحة محلية. 
هذا النموذج الفوضوي من الصعب احباطه، وحتى مواجهته في وقت حدوثه تكون عشوائية لأن الشخص الذي يصطدم بـ "المخرب" هو ليس دائماًً رجل أمن مسلحاً.
الانتفاضتان السابقتان واجههما الجيش الإسرائيلي وأجهزة الاستخبارات بوساطة الردع، والاستخبارات، وعمليات عسكرية هجومية. 
والاستخبارات أتاحت تنفيذ عملية احباط مسبقة، والردع دفع السكان والزعامة الفلسطينية إلى كبح أعضاء التنظيمات "الإرهابية"، والعمليات الهجومية ساعدت في جمع المعلومات الاستخباراتية وفي الردع أيضاً، حيث أخمدت في نهاية المطاف الانتفاضة الثانية (وكذلك الأولى).
في الانتفاضة الحالية لا توجد معلومات استخباراتية ولا ردع ولا أهداف لعمليات عسكرية هجومية. 
لا يوجد ردع لأن الوسائل التي جرى استخدامها وبينها أيضاً "القبضة الحديدية" التي يقترحها ليبرمان، استُنفدت ولم تعد مفيدة. 
ببساطة الشباب الفلسطيني لا يهمهم في أحيان كثيرة ما قد يحدث لعائلاتهم، وهم ليسوا "مستعدين" للموت، بل إنهم يريدون الموت.
وفي مواجهة ذلك ليس لدى إسرائيل أية وسيلة أو أسلوب عمل عسكري أو سياسي يمكن أن يضع حداً لمثل هذه الانتفاضة خلال بضعة أسابيع أو أشهر. 
وفي القدس يصلون [القادة السياسيون والأمنيون] لحدوث معجزة "تخمدها". 
ويجب أن نعترف بأننا في مواجهة هذه الانتفاضة، نحن الإسرائيليين، نقف عاجزين. صحيح  أن عدد ضحاياها ليس مئات القتلى وآلاف الجرحى مثل الانتفاضة الثانية، لكن لا يمكن مواصلة روتين الحياة والعيش من دون أمن فردي معقول لوقت طويل. 
والأخطر من ذلك أن انتفاضة الشباب العفوية بنمطها الحالي يمكن أن تتحول في لحظة واحدة ومن خلال حدث واحد، إلى انتفاضة مسلحة شعبية شاملة يشارك فيها تنظيم "فتح" بأعضائه المسلحين.
في مثل هذا الوضع يجب تفكيك مكونات نمط "الإرهاب" ومحاولة ايجاد رد على كل مكون. 
ليتنا نستطيع إغلاق شبكات التواصل الاجتماعية الفلسطينية، وجميع وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية التي تنشر التحريض، ولكن هذا مستحيل تقريباً.
لذا فالمطلوب هو هجوم على وعي الفلسطينيين لإقناعهم بأن "الإرهاب" العفوي ليس عملاً بطولياً، وإنما عمل أحمق. 
وهذا ممكن حتى في مجتمع يقدس الشهيد ويمنح يأسه الشخصي أو اضطرابه النفسي هالة بطولية. 
يستطيع أبو مازن وأعضاء "فتح" المساعدة في حملة الإقناع هذه إذا عُرضت عليهم صفقة تعطيهم حوافز ليأمروا بوقف التحريض في الجهاز التعليمي وفي وسائل الإعلام، فإطلاق معتقلي "فتح" الذين يقبعون في السجون الإسرائيلية منذ عشرات السنوات يمكن أن يساعد، وكذلك الإعلان الإسرائيلي عن وقف البناء خارج الكتل الاستيطانية يمكن أن يحدث منعطفاً. 
نعم، يجب إعطاؤهم شيئاً ما كي يكون لديهم حافز ليقولوا للشباب: أوقفوا تحطيم آمالكم وأحلامكم على سور الأمن الإسرائيلي. 
وفي الإمكان أيضاً في غلاف القدس، المكان الذي لا توجد فيه صلاحيات للسلطة الفلسطينية، التعاون مع الزعامة المحلية وتقديم حوافز اقتصادية لها كي تشارك في وسائل الإقناع في مواجهة الشباب، والاستعانة بالأساتذة وأطراف أخرى على صلة بهم. 
على الصعيد الاستخباراتي من أجل إحباط محاولات الهجوم، يمكننا أن نفعل أكثر. 
وحقيقة أن أغلبية "المخربين" يستخدمون أسلحة محلية الصنع يدل على وجود محدَدة أو كاراج سيارات ينتج هذه الأدوات. ويستطيع "الشاباك" الوصول إلى هناك إذا بذل جهداً. 
الأمر الأساسي عدم القيام بعمليات عنيفة من شأنها أن تزيد من اليأس والغضب وسط الشباب، وأن تجر الراشدين في الشارع الفلسطيني إلى انتفاضة شعبية شاملة تدفّعنا ثمناً أكبر بكثير.
كلمة أخيرة: إذا كانت دولة إسرائيل لم تجد وسيلة لتوفير الأمن لمواطنيها في مواجهة موجة "الإرهاب" الحالية، فإنه يتعين عليها أن تضاعف كثيراً جهودها على صعيد توفير "إحساس بالأمن". 
تكثيف دوريات الشرطة ورجال الأمن في الشوارع ولا سيما في الأماكن المكتظة بالناس، سيؤدي إلى أمرين: سيجذب "المخربين" لمهاجمة أشخاص مدربين ومسلحين مستعدين لمواجهتهم؛ وسيدفع المواطنين إلى الخروج من منازلهم مع الإحساس، ولو الوهمي، بالأمن.
إن دوافع هذه الانتفاضة دوافع سيكولوجية، ودينية وثقافية. هذه انتفاضة محركها كلمة واحدة هي الوعي، لذا يجب أن تكون وسيلة إحباطها من النوع عينه.