لايزال العجز عن إيقاف الانتفاضة الجارية والتي انطلقت مطلع أكتوبر الماضي يسيطر على قادة جيش الاحتلال وساسته، الذي يعبرون عن هذا العجز بإجراءات لا تسمن ولا تغني عن الموت شيئا، من هدم منازل الفدائيين إلى ملاحقة نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي كل مرحلة من مراحل هذه الانتفاضة تبتدع سلطات الاحتلال إجراءات قمعية جديدة ظنا منها ان ستشكل رادعا للفلسطينيين عن تنفيذ المزيد من العمليات التي قتلت حتى اليوم 34 إسرائيليا بين جنود ومستوطنين، غير أن الواقع الميداني للفدائيين الفلسطينيين يأتي بردود عكسية، فكلما صعبت قوات الاحتلال من إجراءاتها العقابية بحق عائلات الفدائيين ازدادت شرارة هذه الانتفاضة توقدا، وتطورت معها العمليات الفدائية كما ونوعا.
وبعد سلسلة من العمليات التي أطلق عليها جيش الاحتلال “العمليات الفردية” باتت قوات الاحتلال تواجه اليوم عمليات من نوع آخر تعتمد على أكثر من منفذ، بقصد زيادة عدد القتلى الإسرائيليين ومضاعفة خسائرهم، ولا تزال صورة العجز في مواجهة هذه الانتفاضة ثابتة في عيون الإسرائيليين وعقول أجهزتها الأمنية التي توقفت عن التفكير، وباتت تفضل التصرف برعونة على أن تواجه الواقع القاتل التي تعيشه دولة الاحتلال بأكملها.
حصاد الانتفاضة
من جهتها نشرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية أمس الأحد تقريرا مفصلا لحصاد الانتفاضة الجارية منذ حوالي نصف عام والعمليات التي ينفذها الشبان الفلسطينيون ضد جنود الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين.
وبين التقرير أن الفلسطينيون نفذوا 1680 عملية حتى اليوم أدت لمقتل 34 إسرائيليا وإصابة حوالي 345 مشيرة إلى أن 37 إصابة وصفت ببالغة الخطورة، ووصفت 8 إصابات ما بين متوسطة إلى صعبة، في حين وصفت 54 إصابة بالمتوسطة، و13 إصابة وصفت ما بين متوسطة وطفيفة، في حين وصفت 230 إصابة بالطفيفة، و115 أصيبوا بحالة من الهلع.
وأشارت الصحيفة إلى وقوع 74 عملية دهس، و33 عملية طعن، و71 عملية إطلاق نار، و1400 عملية إلقاء زجاجات حارقة، اضافة الى 168 عملية إلقاء عبوات بما في ذلك عمليات إلقاء (اكواع).
وحول التوزيع الجغرافي للعمليات الـ1680 أوضحت الصحيفة أن 1302 عملية وقعت في محافظات الضفة الغربية، ووقعت 360 عملية في القدس المحتلة، و4 عمليات في تل ابيب، و3 عمليات في رعنانا، وعمليتان في كل من بتاح تكفا والرملة، وعملية واحدة في كل من، العفولة ونتانيا وريشون لتسيون وموديعين وبيت شيمش وعسقلان ورهط وبئر السبع ويافا.
شكل جديد للعمليات
أما صحيفة “معاريف” العبرية فقالت في تقرير لمراسلها “عوز روزنبرغ” إن “المسؤولين وقادة الأجهزة الأمنية الإسرائيليين باتوا متفقين على شيء واحد وهو أن العمليات الفردية التي ميزت الانتفاضة الحالية منذ اشتعالها قبل حوالي نصف عام ما هي إلا وجه السطح وما هو قادم أكبر وأشد على الإسرائيليين، فقد أصبح الشبان الفلسطينيون يفضلون العمليات الجماعية المشتركة والتي تتسم بالتنظيم والدقة”.
وتضيف الصحيفة “خلف عبارات “انتفاضة الأفراد” أو “انتفاضة السكاكين” يختبئ عامل آخر الشبكات الإلكترونية التي تربط عالم الفدائيين ببعضه البعض ويجعله يكون أيقونة موحدة، الأمر الذي يفرض على الإسرائيليين تغيير قواعد اللعب، وهذا أيضا علامة فارقة تميز الانتفاضة الحالية عن الانتفاضتين اللتين سبقتاها، الأمر الذي ما من شأنه أن يجعل موجة العمليات الحالية تستمر لزمن طويل آخر، بل ربما لسنين”.
وينقل المراسل عن “موشيه جفعاتي” أحد قادة جيش الاحتلال الذي كان يشغل منصب قائد لواء دان في قيادة الجبهة الداخلية خلال الانتفاضة الأولى التي اندلعت عام 1987 قوله: “انا لا أرى نهاية وشيكة لهذه الانتفاضة، وكل انتفاضة استمرت خمس سنوات تقريبا، يمكنك ان تسمي هذه “انتفاضة السكاكين”، “الشباب” أو “الافراد”، لكنها لن تنطفئ قريبا”.
ويضيف جفعاتي “هذه المرة، يدور الحديث عن مخلوق من نوع جديد، فبما شهدناه خلال الانتفاضة الاولى يمكننا القول إنه لا توجد أي صلة بين الانتفاضة الاولى وهذه، صحيح أن الظروف لتنفيذ العمليات هي ذات الظروف، ولا سيما الإحباط المتزايد منذ سيطرتنا على مناطق الضفة الغربية، ولكن في الانتفاضة الاولى كان انفجار شعبي لمظاهرات جماهيرية من النساء، الأطفال وكبار السن، الانتفاضة اياها كانت كفاحا شعبيا أكثر، وبعد ذلك فقط أخذت صورة كل أنواع الانتظامات، لم تكن في حينه كمبيوترات تقريبا أو انترنت، وكانت الاتصالات تجري بالمناشير وبالبث الاذاعي، ورويدا رويدا، عندما بدأ المراسلون يجرون التقارير في الميدان كان بوسع من في طولكرم ايضا أن يرى ما يحصل في الخليل”.
انتفاضة الانترنت
وفي سياق متصل تنقل الصحيفة عن اللواء متقاعد في شرطة الاحتلال “شلومي كعطيبي” قوله: “هذه انتفاضة انترنت، فلا توجد بنية تحتية لها، لكن هناك أحد ما ينهض في الصباح، يتابع شيئا على الفيس بوك وغيره ويقول لنفسه سأفعل شيئا”.
وعن الانتفاضة الثانية يقول “كعطيبي” الذي عين قائدا للبلدة القديمة في حرس الحدود بمدينة القدس المحتلة، في الانتفاضة الثانية، التي اندلعت عام 2000، وبعدها عين قائدا للواء الضفة الغربية في شرطة الاحتلال: “في الانتفاضة الثانية، وخلال مراحلها المتقدمة، كان كيان ينظمها، ويثير ويحرض وينسق كل شيء، وكانت هناك حقا سياسة عمليات، يخططون متى يضربون ومتى لا، كان هناك تنظيم، اما اليوم، بالمقابل، فبسبب الانترنت، الكل يتأثر، أضف الى هذا حقيقة أنه كان للجميع تقريبا مصابون من الدرجة الاولى أو الثانية من القرابة، واذا بك تحصل على ما تراه اليوم في الشوارع″.
وتعود الأجهزة الأمنية الإسرائيلية للتأكيد على مزاعمها من جديد بالقول: “إن ما يغذي الانتفاضة الحالية هو، الانترنت اساسا، التي تسمح باتصال وافر وبسيط، وتخلق أجواء تشجع العمليات بسهولة أكبر مما حين كانت الاتصالات لا تقوم إلا على اساس الراديو والتلفزيون”.
وتضيف أجهزة الاحتلال الأمنية، أن “ما يحصل الان يحركها الشباب أساسا، فهم من يستخدمون الشبكات الاجتماعية، فما الذي باستطاعة الأجهزة الأمنية فعلها عندما يقوم شاب فلسطيني لا ينتمي لأي منظمة بعملية يتخذ قرارها في لحظة”.
وتختم الصحيفة بالقول: إنه “اذا لم يكن تغيير على ما يجري في الشبكات الاجتماعية، فإن الشيطان الذي خرج من القمقم في أيلول لن يعود اليه، والتنقيط المؤلم هذا الذي نراه في الشوارع اليوم يحتمل أن يصبح نمط حياتنا في السنوات القادمة ومشكوك جدا أن يكون ممكنا عمل شيء لوقفه”.
عن قدس نت