اعتقدتم أن وضعنا السياسي في الحضيض؟ ليس تماما. فقد نشر البروفيسور شلومو بن عامي، وزير الخارجية في حكومة باراك ومن كبار رجالات حزب العمل، الاسبوع الماضي، مقالا في موقع "بروجكت سينديكات" المحترم، يتوصل فيه إلى استنتاج مفاجئ. فقد كتب يقول ان "من المتبع قوله ان استمرار الاحتلال يضر بمكانة اسرائيل الدولية. اما الحقيقة فهي أن اسرائيل تتمتع بنفوذ عالمي غير مسبوق في تاريخها". ويكتب بن عامي فيقول، صحيح أن التعاطف مع اسرائيل في الغرب في ميل للانخفاض، ولكن وجد للدولة شركاء جدد. في العقد الذي بين 2004 و 2014 تضاعف التصدير إلى آسيا ثلاثة اضعاف. التجارة مع الصين، اليابان، والهند أكبر من التجارة مع الولايات المتحدة. ولا يشترط أي من القوى العظمى الاسيوية علاقاتها مع اسرائيل بالتقدم في مسيرة السلام مع الفلسطينيين. والحكومة الهندية الجديدة القومية متعاطفة على نحو خاص: فهي توثق التعاون الامني، بما في ذلك مشتريات التكنولوجيا العسكرية. ويواصل فيعدد اصدقاء اسرائيل الجدد: روسيا بوتين، التي تكبد نفسها عناء التنسيق مع اسرائيل لخطواتها في سورية؛ تركيا اردوغان، التي هي في أمس الحاجة الى حلفاء في المنطقة ومعنية بالغاز الاسرائيلي؛ السعودية، التي تحافظ على علاقات أمنية سرية مع اسرائيل للاسباب ذاتها؛ هكذا ايضا مصر السيسي وامارات الخليج؛ اليونان والباكستان تطوران العلاقات لاسبابها، وهكذا ايضا الحكومات اليمينية في وسط وشرق اوروبا. هذه هي البشرى الطيبة. أما البشرى الاقل طيبة في نظر بن عامي فهي أن الشركاء الجدد لاسرائيل لا يتشاركون معها في فكرها؛ فضلا عن ذلك فان التردي في أهمية النزاع يبعد الاحتمال في أن تلطف حكومة اسرائيل من حدة مواقفها ليكون ممكنا الوصول الى حل. فبلا اتفاق، كما يكتب، فان قمع الفلسطينيين سيواصل القضم الفتاك بالمجتمع الاسرائيلي. ويجمل القول بأن "ليس لاسرائيل ما يدعوها الى الفرح". ما لا يكتبه، في هذا المقال على الاطلاق، هو أن التغيير في مكانة اسرائيل جاء بالتوازي مع تغيير عميق في سلم قيمها. فاسرائيل ليست الدولة الغربية، الليبرالية التي كافحت في سبيل حياتها في 1948 وفي 1967. قوتها في العظمة العسكرية والتكنولوجية لديها وفي استقرارها الاقتصادي والسياسي. قيمها ذات نزعة قوة. قومية متطرفة، ومثلما تثبت الاستطلاعات الاخيرة ايضا فانها تمقت الديمقراطية ومصابة بالعنصرية. الصينيون، الذين يجتاحون كل العالم بحثا عن العلم، يشترون ويسرقون كل ما يقع في متناول يدهم. لا يتأثرون بهذا التحول. ولا حكومة روسيا وحكومة الهند ايضا. فسلم قيمهما مشابه. تعزز مكانة اسرائيل في المنطقة نجدنا مدينين به للادارة الأميركية ولايران. فالأميركيون خلقوا في انسحابهم فراغا. وتوجه الانظمة السنية نحو اسرائيل هو جزء من جهودها لملء الصفوف. وطالما يتخيل الإيرانيون ابادة اسرائيل، يمكن الاعتماد على الكفار الصهاينة، أبناء الموت: فهم لن يخونوا. ولكن هذا لن يدوم الى الابد. فالنظام الابيض في جنوب افريقيا تمتع لفترة طويلة من مكانته كمعقل للغرب في افريقيا، في مواجهة محاولات التآمر السوفييتية. وعندما سقط الاتحاد السوفياتي فقد النظام عالمه. في اللحظة التي تنتهي فيها الحرب السنية – الشيعية، سيختفي اصدقاؤنا السعوديون. فإسرائيل هي بالنسبة لهم مظلة ليوم ماطر. وبالتوازي فاننا نفقد الدعم من الحائط الى الحائط الذي منحه لنا الرأي العام والساحة السياسية الأميركية. فالافنجيليون سيبقون معنا، وكذا الإقلية الصغيرة من اليهود الارثوذكس غير الاصوليين سيدعموننا، وكذا بضعة مليارديريين يهود. المعسكر الليبرالي في أميركا، بما في ذلك جموع الشباب اليهودي، ليس مسحوراً مما يرى ويسمع عن اسرائيل. وهو يبتعد. وهذا هو الحكم في غرب اوروبا. هذا الفراغ تملؤه دعاية الـ BDS. لا غرو ان الادارة الأميركية لا تقبل بحماسة الطلب الاسرائيلي لزيادة رزمة المساعدة. فاذا كنتم على هذا القدر من القرب من الصينيين، الهنود، الروس والسعوديين، فلماذا يتعين علينا أن نضيف لكم مليارات اخرى على المساعدات الامنية، يسأل الأميركيون. نحن أعطينا ونعطي كفاية. الآن جاء دوركم في المساهمة. يحتمل أن يأتي يوم نسأل فيه أنفسنا إن لم نكن قد بعنا بكارتنا بشروى نقير. حتى ذلك الحين سنبقى نخوض قصة الغرام مع الأنظمة المهزوزة والاكثر فساداً في العالم. هذا لا يسمى نجاحاً اسرائيلياً.