انتفاضة غير موجهة

000
حجم الخط

تحاول أفضل الأدمغة في شعبة الاستخبارات و"الشاباك" إيجاد خطوط مميزة لموجة "الإرهاب" التي بدأت في فترة الأعياد، لكن مع مرور حوالي نصف عام ليس هناك اسم متفق عليه للأحداث (عدا تسمية «انتفاضة الأفراد» التي سادت في وسائل الإعلام).
وفي الأسبوع الماضي لم يسهل الأمر على دوائر الأبحاث الاستخبارية، بالتأكيد ليس يوم الثلاثاء الذي تلاحقت فيه العمليات من القدس إلى يافا: كل عملية وقصتها. وهكذا، في الأسبوع الماضي أيضا لم يكن بالوسع الإشارة إلى بروفيل ثابت لـ "المخربين" ولا تحديد مخزن سلاح أو «المهندس» الذي يقف خلف وسائل القتال ـ فالسكين لا تزال الأداة الأكثر شيوعا، التي يؤمنها كل منفذ لنفسه. 
ليست هناك قيادة مركزية تصدر أوامر الخروج للعمليات، هناك إلهام لعمليات، يصل إما من عمليات "داعش" أو من التحريض المتكرر في وسائل الإعلام العربية (ليس تحديدا وسائل إعلام السلطة الفلسطينية).
ومع ذلك فإن عمليات الثلاثاء الماضي القاسية تبرز نقاطا عدة: جرت تحديدا بعد شهر من التراجع النسبي في كمية العمليات (متوسط عشر عمليات في الأسبوع مقارنة بعشرات العمليات كل أسبوع في بداية الأحداث)، ما يثبت مرة أخرى أن الشعور بالأمن لا يتحدد وفق كمية العمليات وإنما وفق نتائجها ومكانها (فحملة القتل بالسكين لـ "المخرب" في يافا حظيت باهتمام إعلامي أكثر من أية عملية «تقليدية» في "يهودا" و"السامرة").
ومن ناحية المؤسسة الأمنية، فإن الفارق بين عمليات داخل الخط الأخضر وتلك في "يهودا" و"السامرة"، يكمن أولا في المسؤولية: فالمسؤولية في قلب المدن تقع على الشرطة فيما الجيش يتحمل المسؤولية الأمنية حصرا وراء الخط الأخضر. لذلك، مذهل معرفة أنه حتى بعد حوالى نصف عام، لا تزال المؤسسة الأمنية بكليتها لم تبلور سياسة موحدة حول مسألة إعادة جثامين "المخربين" الذين يقتلون في العمليات. وفيما يؤيد الجيش إعادة الجثامين بأسرع وقت، تماطل الشرطة. والسجال بين وزير الأمن الداخلي، جلعاد أردان، المسؤول عن الشرطة، ووزير الدفاع، موشي يعلون، أكثر مما هو بين رجال الجيش والشرطة أنفسهم.
وهناك سجال دائر أيضا داخل المؤسسة الأمنية والمجلس الوزاري المصغر بشأن الحصار على "المناطق": طالما تستمر العمليات بوتيرة تعتبر «محتملة» فإن موقف الجيش و"الشاباك" هو عدم فرض حصار على "المناطق". واستنتاجات دوائر الأبحاث الاستخبارية هي أن الأغلبية المطلقة من السكان غير ضالعة في الأحداث (خلافا للانتفاضتين الأولى والثانية، اللتين جرفتا سكانا كثرا)، لذلك هناك خشية من أن الحصار قد يدفع الجماهير للانضمام إلى دائرة "الإرهاب"، إذا خسر المئات أماكن عملهم وتفاقم الوضع الاقتصادي في "يهودا" و"السامرة" (تشير المشاركة الضئيلة نسبيا للسكان الفلسطينيين في العمليات إلى أن الأحداث حاليا تشبه كثيرا موجة طعن السكاكين 1991 - 1992 أكثر مما تشبه الانتفاضتين الأولى والثانية، اللتين كانتا أكثر شعبية وشملتا أيضا استخداما أوسع للأسلحة والعبوات).
ويفترض بالحصار الشامل على "المناطق" أن يقلص إلى الصفر تقريبا تواجد الفلسطينيين من "يهودا" و"السامرة" داخل إسرائيل والمستوطنات لن يمنع العمليات التي ينفذها أبناء القدس الشرقية. 
من جهة أخرى، مشاركة الفلسطينيين أصحاب تصاريح العمل في إسرائيل في العمليات هي صفر لأن معظم العمليات داخل الخط الأخضر ينفذها فلسطينيون يقيمون بشكل غير قانوني، ويجدون دوما من يشغلهم ويؤيهم. لذلك، حتى إذا فرض الحصار على "يهودا" و"السامرة"، ليس واضحا ما يمنع الشرطة و"الشاباك" من الإعلان عن عملية هائلة لاكتشاف كل المقيمين غير الشرعيين وعن فرض عقوبات أشد على المشغلين ومؤجري الغرف التي تؤويهم.
والمزيد عن أحداث ربيع 2016: العمليات تستمر وستستمر رغم أن التنسيق بين الجيش و"الشاباك" وبين قوات الأمن الفلسطينية تحسن جدا خلال الأسابيع الأخيرة .
ورغم أنه لا توجد يد موجهة واضحة، فإن ليس كل ما يجري صدفة: "الشاباك" يواجه خلايا عدة صعبة بشكل خاص، بما فيها من وقف خلف عمليات تكررت في منطقة باب العامود، والكثير منها باستخدام أسلحة نارية. فتكرار العمليات في المكان نفسه له أثر يفترض أن يبث الذعر، وهو ما يحدث فعلا. كما أن السؤال حول إذا ما كانت عمليات الثلاثاء الماضي مرتبطة جزئيا بوصول نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، ليس له جواب: يمكن رغم ذلك أن جزءاً من «الموجة» الأخيرة يرتبط فعلا بالزيارة.
وأيا يكن الحال، هناك حاجة للتناسب: عمليات الأسبوع الأخيرة ستنساها أغلبية الجمهور بسرعة كبيرة، وستغدو جزءاً من الذاكرة الجمعية لمئات أحداث «انتفاضة الأفراد». وبالمقابل قد يتبين مع الوقت أن لزيارة بايدن معاني استراتيجية، لأن الموضوعين اللذين بحثهما في البلاد هما اتفاقية المعونة الأمنية متعددة السنوات الأميركية الجديدة لإسرائيل ومنظومة العلاقات الدقيقة بين إسرائيل وتركيا، التي تبدو دافئة كثيرا بسبب الضغط الأميركي على تركيا.
وعلى خلفية موجة النشرات الأخيرة في الإعلام، من الجائز جدا أن بايدن اهتم أيضا بمواضيع بين إسرائيل ودول عربية خليجية وهي تدفأ أيضا، على خلفية القلق الإقليمي المشترك من تعزز قوة إيران في ضوء سباقها للتسلح بعد إزالة العقوبات الاقتصادية عنها.

بين سان فرانسيسكو وبنما
وهناك فارق بارز آخر بين أحداث الشهور الاخيرة والانتفاضتين الأولى والثانية، وهو أن اهتمام العالم بالعمليات عندنا في حده الأدنى. 
ويمكن نسبة ذلك لغرق أميركا في السباق إلى البيت الأبيض، لكن السبب الأساسي هو أن الأحداث عندنا تعتبر لعب أطفال مقارنة بالحرب الأهلية في سورية أو بالعمليات التي تفتك بالعشرات والمئات في كل تفجير (كالعمليات الصعبة هذا الأسبوع في العراق وتونس، وقلة هنا تعي ذلك).
وزيارة، مؤخراً، لسان فراسيسكو وبنما تظهر أن العمليات لا تعني الجمهور هناك، وأنه رغم الكلام الكثير في البلاد عن حملة المقاطعة والتحريض على إسرائيل، فإنه في كل ما يتعلق بالتكنولوجيا، التقدير لإسرائيل مطلق. 
وهكذا فإن الحضور الإسرائيلي في مؤتمر السايبر الذي عقد، الأسبوع الماضي، في سان فرانسيسكو، كان الثاني بعد الولايات المتحدة. 
فحوالى 10 في المئة من الشركات في المؤتمر كانت إسرائيلية، والإسرائيليون ملؤوا المؤتمر والمستثمرون من كل العالم يركضون خلف التكنولوجيا الإسرائيلية.