رجال الأنفاق وشباب السكاكين

3
حجم الخط

يتمحور النقاش الأمني في إسرائيل في الوقت الحالي، في ما يتعلق بالساحة الفلسطينية، على مسألتين مركزيتين: الأنفاق الهجومية التي حُفرت من قطاع غزة إلى أراضي إسرائيل، والتي عادت إلى العناوين الأولى في الصحف في الأسابيع الأخيرة بعد انهيار/اغراق ثلاثة أنفاق في القطاع؛ وموجة العنف التي نشبت في الضفة الغربية والقدس الشرقية في خريف 2015، وجبهة "ارهاب السكاكين". على هذه الخلفية تُطرح أسئلة تتعلق بدور وسائل التواصل الاجتماعي من بين سائر العوامل التي تحفز الشباب الفلسطيني وتدفعه للمشاركة في هذه الأعمال. "شباب الأنفاق": إن تجدد حفر الأنفاق في قطاع غزة بعد انتهاء عملية "الجرف الصامد" في آب 2014 لم يكن مفاجئاً. فتدمير الأنفاق خلال العملية والخطوات التي اتخذتها مصر لهدم الأنفاق بين قطاع غزة وسيناء، ألحقت ضرراً جسيماً بالبنية التحتية العسكرية لـ"حماس" وبالشريان الأساسي لاقتصاد القطاع والصناعة فيه. وما بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع سنة 2005، كانت بنية "غزة التحتية" هي التي أتاحت تهريب السلاح والمواد الخام والغذاء من سيناء إلى المنطقة. و"تجفيف" هذه البنية من قبل مصر أضر بالصناعيين والمهندسين والمقاولين الشباب الذين اعتاشوا منها. وفي ظل غياب بديل للعمل - مستوى البطالة في القطاع أكثر من 50% وجيل الآباء هو الذي يسيطر على سوق العمل -  فإن الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 15 و20 عاماً تشغّلهم الذراع العسكرية في "حماس" التي تؤمن لهم معيشتهم من خلال تشغليهم في حفر الأنفاق. وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال حملات افتراضية (# رجال _ الأنفاق) هي أداة تجنيد فعالة في صفوف "حماس". هذه الحملات محملة بالرسائل، وتضفي على حفر الأنفاق معاني وطنية ودينية. ومن المهم التشديد على أن تجند الشبان لحفر الأنفاق لا يعبر  قبل كل شيء عن التزام أيديولوجي، وإنما هو ينبع أيضاً، وربما أساساً، من اعتبارات معيشية. من هنا فالانتماء إلى إحدى "وحدات الكوماندوز" التابعة لكتائب عز الدين القسام، والتي يتركز نشاطها على الحفر، شكل مصدر الرزق الأساسي للشباب العاطلين عن العمل في غزة. وفي الوقت عينه، فإن وسائل التواصل الاجتماعي لا يجري استخدامها فقط  كوسيلة تجنيد لحفر الأنفاق وإنما يجري استخدامها أيضاً للتعبير عن معارضة استخدام الشباب في هذه الأعمال. ففي أعقاب الخسائر التي تسبب بها انهيار أنفاق خلال كانون الثاني 2016، بدأ نقاش نشيط في وسائط الاعلام الاجتماعية تركز على الشباب الذين يعملون في حفر الأنفاق. وظهرت في هذا النقاش اللهجة الانتقادية: برزت انتقادات ضد ما اعتبر استخداماً سيئاً من جانب "حماس" لهؤلاء الشباب، وقيل إنه بعكس الشعار الذي رفعته حملة التجنيد "يوجد ضوء في نهاية النفق"، فإن هؤلاء الشباب يحفرون قبورهم بأيديهم. بالإضافة إلى ذلك، يدور نقاش متزايد حول ظاهرة الانتحار وسط الشباب بسبب اليأس الذي يعانونه. من جهتها تواصل "حماس" استخدامها لوسائل التجنيد هذه ومن بينها تنظيم جنازات مهيبة لضحايا الجهاز اللوجستي - وهذا كان يحظى به في الماضي مقاتلو عز الدين القسّام فقط. "شباب السكاكين": على عكس ما يجري في قطاع غزة، فإن ظاهرة "شباب السكاكين" ليست منظمة ولا تجري إدارتها أو تمويلها من جانب أي طرف مؤسساتي معين - السلطة الفلسطينية، و"حماس" أو أي تنظيم آخر في القدس الشرقية أو في الضفة الغربية. إنها ظاهرة أفراد، وبعضهم يتحركون ضمن مجموعات تضم اثنين أو ثلاثة أعضاء. ليس هناك من بينهم من هو معروف أو يعتبر ان له تأثيراً على الرأي العام الفلسطيني. صحيح أن "حماس" والسلطة الفلسطينية تسارعان إلى تغطية هذه الأعمال وأحياناً تتحملان مسؤوليتها، ولكنهما يفعلان ذلك لأن ما يجري فيه مصلحة سياسية لهما، ويعكس هذا السلوك التسابق في ما بينهما على قيادة الساحة الفلسطينية. وضمن هذا الإطار، يتنافس هذان الطرفان المتخاصمان فيما بينهما على تغطية نفقات الدفن وإعالة عائلات منفذ هجمات الطعن بعد موته إذا قضى نحبه خلال العملية. ينعكس الدعم لهجمات الطعن أيضاً عبر المصطلحات التي تصف هذه الأعمال، فالشباب الطاعنون يوصفون بأنهم "مقاتلون من أجل الحرية" و"فدائيون"، ويصفهم أصدقاؤهم الشباب بمصطلحات رومانسية ملائمة. وينتشر على صفحات الفايسبوك في الساحة الفلسطينية تشبيه هؤلاء الشبان والشابات الذين قاموا بعمليات طعن، بأبطال هوليود مثل الرجل الوطواط، وسبيدرمان، وسوبرمان. والسلطة الفلسطينية، على خلفية تراجع مكانتها وسط الجيل الشاب، لا تطرح رؤية مختلفة لهذه الظاهرة. لقد كسر العالم الإعلامي الجديد احتكار المعلومات وأصبح متاحاً للشباب الفلسطيني في مخيمات اللاجئين التواصل مع هذا العالم. فالشباب والشابات اليوم ليسوا عرضة فقط لتأثير محيطهم المادي القريب، إنما أيضاً لتأثير ملايين الشبان والشابات من أبناء جيلهم في إسرائيل والعالم، الذين يعيشون ظروفاً أفضل من ظروفهم. أصوات هؤلاء الشباب مسموعة في شبكة – "الصف المدرسي الافتراضي" – الواسعة الانتشار وتعرّض [شبان المخيمات] لتأثيرها يولّد لديهم وهماً بالقدرة والقوة. لكن المشكلة تبرز عندما يحاول هؤلاء الشباب التأثير أو التغيير خارج المنابر الافتراضية، إذ يصطدمون حينها بسقف زجاج منخفض في المجتمع الفلسطيني- من جميع النواحي. وعلى هذه الخلفية يزداد الاحباط وسط الجيل الشاب، وتنشأ من بين أمور أخرى ظاهرة "شباب السكاكين". حدود القوة إن عائقاً مادياً أو قصفاً لن يمنعا شباباً مسلحاً بهواتف ذكية من دخول الشبكة ونشر أفكارهم بسرعة كبيرة. إن جوهر هذه الرسائل الفكرية والقدرة على نشرها بسرعة على الشبكة، تقيد كثيراً، لا بل تشل عملياً، فرص إحباطها والقضاء عليها بالأساليب العسكرية. إن ميزة وسائل التواصل الاجتماعي هي أنها، على حد سواء، تفسح في المجال للرسائل التي تشجع على "الإرهاب"، ولتلك الموجهة ضد العنف - بغض النظر عن مصدرها. لا يمكن "قتل" صفحة على فايسبوك، أو على تويتر أو يوتيوب، فالذين يشغلون هذه الشبكات موجودون خارج ساحة المعركة، وبناء على ذلك فإن محاولة تنفيذ "اغتيال موضعي" على الإنترنت في مناطق معينة لن تنجح. كما أن محو صفحات وإغلاق حسابات مستخدمة سيؤدي إلى إعادة فتح هذه الصفحات والحسابات إلى ما نهاية. تعني هذه الأمور أن وجهة النظر السائدة في إسرائيل القائلة إن مشاركة الشباب الفلسطيني في حفر أنفاق وهجمات طعن، هو نتيجة تشجيع التدين الذي تقوم به "حماس"، والتحريض الذي تمارسه السلطة الفلسطينية هو كذب وتضليل. إن شبكات التواصل الاجتماعي هي أدوات إعلامية وهي جذر المشكلة. وجهود المواجهة المبذولة على ساحة وسائل التواصل الاجتماعية من دون التطرق إلى المسائل الجوهرية الإشكالية المتصلة بالساحة الفلسطينية، وخصوصاً ضائقة شريحة جيل الشباب في هذه الساحة وأسباب الشعور بالإحباط لديهم، لن تساهم في تقليص ظاهرة رجال الأنفاق وظاهرة شباب السكاكين. في مقابل ذلك، المطلوب هو إدراك أنه بالإضافة إلى محاولات بلورة حلول عملياتية (جزئية) لظواهر مثل حفر الأنفاق و"إرهاب" السكاكين، يتعين على إسرائيل إلى جانب الخطوات التي تتخذها ضد التحريض في الشبكات الاجتماعية، بلورة خطة عمل تشغيلية - اقتصادية واسعة محورها بناء مستقبل إيجابي لشباب غزة والقدس الشرقية والضفة. ومن أجل محاولة وقف الانجذاب نحو التجند في طواقم الحفر في قطاع غزة، أو منع هجمات الطعن كوسيلة للتعبير الوطني وكحل لمشكلة شخصية، يجب طرح حلول للضائقات التي سببُها البطالة والفقر وغياب إمكان التقدم الاجتماعي.