أحاول أن أتخيّل نفسي إسرائيلياً، ها أنذا أخلع عروبتي، وأصير يهودياً إسرائيلياً كاملاً، بخوف من الأغراب وذكريات مخيفة من المجازر، سأخرج خائفاً بعد قليل من البيت. سأطلب من زوجتي أن تعتني بالأولاد، فيما لو طعنني عربي غاضب.
ستبكي زوجتي وهي تودعني، سوف تؤكد لي أن الأولاد سيكونون على ما يرام. سأصدّقها، عليّ أن أصدّقها، سأموت من الخوف لو لم أصدقها، الطريق إلى ريشون ليتسيون ليست بعيدة من مسكني، في نتانيا، بسيارتي، علي أن أتوقف عند إشارات مرور كثيرة. بصري لا يتوقف عن تفحص الوجوه، مصيبتنا أن نصف إسرائيل من اليهود من ذوي البشرة العربية. ليس في وسعي أبداً أن أميز، في أغلب الأحيان، بين اليهودي والعربي. ولأنني أنا أيضاً من ذوي البشرة العربية، فأنا محكوم عليّ بالموت من الجهتين، من العرب واليهود معاً. إلهي: ما الذي يريده العرب منا؟ أي وحوش هم! يتجولون في الشوارع ويطعنون الناس، لمحت عربياً على إشارة المرور، ربما يكون يهودياً شرقياً، قدت سيارتي بسرعة.
لم أنتظر اللون الأخضر، لحقتني سيارة شرطة، وحين شرحت لهم عن خوفي سامحوني، وأعربوا عن خوفهم مني، في البداية، حين ظنوني عربياً. واصلت طريقي إلى العمل، أعمل مديراً في سوبرماركت. على باب السوبرماركت، رأيت جمهرة غاضبة، تتحلق حول شيء ما، وتتناوشه بالأيادي والصراخ والأقدام. اقتحمت الجمهرة، فإذا بعربي، ملقى أرضاً، غارقاً في دمه.
عرفت، فيما بعد، أن هذا العربي طعن يهودية داخل السوبرماركت، وأن الحشد الغاضب نكّل به، وهو الآن بين الحياة والموت، طلبت من عمال السوبرماركت إدخال العربي إلى غرفة جانبية، إلى حين وصول الشرطة، جرّوه جرّاً، طلبت منهم أن يخرجوا، ويتركوني معه. أريد أن أنكّل به، وأن أذيقه طعم الطعن، انحنيت على وجهه، كان يحاول أن يفتح عينيه، وجهه مدمى، وجسمه ينزف، مشيت باتجاه المطبخ، وأحضرت سكيناً ضخمة، قربتها من وجهه. كنت أريد أن أطعنه في كل مكان، في عينيه ويديه وظهره وقلبه وعقله.
هذا العقل المتوحش يجب أن يموت، أن ينتهي من هذا العالم، سمعتُ تمتمة خفيفة من فمه، فتح المتوحش عينيه قليلاً. سمعته يقول: ماء أريد ماء ماء ماء. قرّرت أن أحضر له الماء، ثم أقتله، أحضرت له الماء، سألته صارخاً في وجهه: لماذا لماذا لماذا، وكرّرت الكلمة ثلاث مرات، فإذا به يكرّرها هو الآخر ثلاث مرات، صارخاً في وجهي: لماذا لماذا لماذا؟ هذا الإنسان الميت يسخر مني، سأصبر عليه قليلاً، ثم أقتله شر قتلة.
سمعت صوت رجال الشرطة، وهم يطلبون فتح الباب، لن أرد عليهم، سيعتقلونه، ويستجوبونه، ثم يسجنونه عشرين عاماً، ليخرج بعدها مع صفقة قادمة لحماس، رغبت فجأة في معرفة من يكون هذا الشاب، فتشت جيوبه، سحبت هويته، اسمه محمد، عمره 28 عاماً. طالب دراسات عليا في الفيزياء في جامعة بيرزيت، وثمة بطاقات عدة في محفظته، بطاقة انتساب إلى مكتبة عامة، وبطاقة أخرى إلى ناد بيئي، وأخرى لاتحاد الكتاب، وأخرى لمساندة ذوي الاحتياجات الخاصة، وأخرى لحماية المستهلك، وأخرى لجمعية حماية الطفولة، وأخرى لنادي رسم وسباحة، وتذاكر لحضور مسرحيات وأفلام، وثمة دعوة لحضور (مؤتمر نظريات أنشتاين أمام امتحان الزمان) الذي سيعقد في إيطاليا، بمشاركة أوروبية وعربية.
شيء ما حدث لي، لا أصدق أن هذا الشاب الجامعي المثقف يمكن أن يطعن مسنّة، ربما كان الحشد مخطئاً، كيف يفكر قاتل بالحفاظ على بيئته نظيفة وصحية؟ كيف يَقتلُ من يُدعى إلى مؤتمر علمي في عاصمة أوروبية؟ كيف يكون كاتباً ورساماً؟ كيف يكترث للطفولة؟ سمعته يتمتم بالانجليزية، بكلام لم أفهم معظمه، فهمت منه فقط كلمة، لماذا لماذا مكرّرة مرتين، تشوّش ذهني. لم أعد قادراً على التفكير.
لو صح أن هذا الشاب طعن أحداً ما، فسيكون دافعه من النوع الذي لا يقاوم. أعدت البطاقات إلى المحفظة التي كان فيها قطعة ورقية وحيدة من فئة العشرين شيكلاً. رأيت سكّيني تسقط على الأرض، مشيت باتجاه الباب، فتحته، انهمر رجال الشرطة على العربي ركلاً وشتائم، بينما انشغلتُ في تردادٍ هامس لما كان يردده الشاب من سؤال واحد على شكل اسم استفهام: لماذا لماذا لماذا؟