مفاجأة بوتين في جنيف!

15qpt697
حجم الخط

جنيف لم تكن بحاجة إلى مزيد من البرد هذه الأيام حتى يقال إن قرار بوتين سحب قواته من سوريا نزل «بردا وسلاما» على المشاركين في المباحثات الحالية حول سوريا أو المتابعين لها من الصحافيين أو المحللين. الخبر قد يكون بعث ببعض الدفء في أوصال وفد المعارضة لكنه الأرجح أنه لم يكن كذلك بالنسبة إلى وفد النظام، لكن في كل الأحوال كان وقعه على الجميع هنا مفاجئا إلى أبعد حد. 
حتى الصحافيون الروس الموجودون في جنيف لمتابعة الحدث فوجئوا بالخبر ولم يكونوا قادرين على تفسيره لمن جاؤوهم من الصحافيين الآخرين متلهفين لفهمه أو معرفة بعض خلفياته. شيء واحد فقط فهم هؤلاء الصحافيون الروس دلالته: الآن فقط عرفنا لماذا تعامل معهم رئيس الوفد السوري بشار الجعفري بفظاظة لم تكن معهودة منه تجاههم… و كذلك السفير السوري هنا… يبدو أنهما كان يعرفان أن شيئا ما من هذا القبيل من موسكو على وشك أن يعلن. 
كلمة «المفاجأة» هي الأكثر ترددا على ألسنة المحللين والسياسيين في تعليقاتهم الفورية على الحدث الساخن مساء أول أمس، ومن قبل الروس أنفسهم قبل غيرهم، فالمحلل السياسي الروسي ديمتري بابيش على سبيل المثال وصل حد القول إن «موجة من الدهشة عمت الداخل الروسي بسبب هذا القرار المباغت». أما سيرجي ماركوف النائب الروسي السابق فاعتبر أن قرار الرئيس «بوتين مفاجئا من حيث التوقيت لكنه ليس كذلك من حيث الاستراتيجيا» لأن التدخل الروسي، حسب رأيه، لم يكن إلا لإنقاذ الأسد الذي كان على وشك السقوط لكنه الآن قادر على السيطرة على مساحات أفضل بفضل الضربات الجوية الروسية مما يجعل الانسحاب الروسي الآن هدفه «خلق جو جيد في المباحثات في جنيف». أما الدبلوماسي الروسي السابق فيتشسلاف ماتوزوف فاعتبر أن وزارة الخارجية الأمريكية فوجئت بالقرار الروسي مما يدل على أن الخطوة الروسية لم تتم بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية مشددا على أن انسحاب القوات الروسية «فتح الباب أمام حل سياسي حقيقي» وإن رأى أن توقع سقوط النظام نتيجة الانسحاب الروسي «أمرٌ غير صحيح». 
أما في الجانب الأمريكي، الذي يرى البعض أنه كان على الأرجح في صورة القرار الروسي، فلم ترصد سوى تعليقات فورية من قبيل ما قالته «وول ستريت جورنال» من أن «مأزق بوتين السوري يوحي بانتهائه» أو اعتبار «فورين بوليسي» أن «الانسحاب السوري قد يمهد السبيل لتنحي الأسد». 
بعض المعلقين العسكريين الأمريكيين أشاروا في تعليقاتهم الساخنة فور الإعلان الروسي المفاجئ إلى أن الأيام المقبلة هي الكفيلة بمعرفة عدد القوات التي سيسحبها بوتين بالضبط فهو «من دون شك سيبقي على قواته في قاعدتي اللاذقية وطرطوس حتى أن العديد من المحللين يذهبون إلى أن سبب تدخل بوتين من أساسه هو لحماية قواعده هناك» على حد ما صرح به الجنرال الأمريكي المتقاعد مارك هارتينغ الذي لم يتردد في القول إن «بوتين ربح كثيرا من خلال مساندته للأسد حيث نجح في نسج علاقات جيدة ليس فقط مع الحكومة السورية واستفاد من العلاقة مع إيران والعراق وبدرجة أقل مع بعض الحكومات في المنطقة الذين يرون أنه رجل يعرف جيدا استراتيجيته وقام بعمليات عسكرية وخرج ولم يتعثر كما فعلت الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وفي الوقت نفسه قدم لحليفه المساعدة التي يحتاجها ليعود من نقطة الدمار حيث أصبح الرئيس الأسد في موقف أحسن بكثير اليوم مما كان عليه في الستة أشهر الماضية، ومن المستبعد أن تنسحب روسيا بصورة كلية من سوريا وإنما ستُبقي على حضور عسكري هام لدعم حليفها الأسد».
هذا الرأي ينسفه بالكامل الدكتور فواز جرجس أستاذ العلوم السياسية في جامعة لندن حين يقول بلا مواربة «لو كنت محل الرئيس الأسد سأقضي الليلة بلا نوم لأن هذا القرار سيغير ديناميكية المفاوضات (..) وبالتالي ما حدث هو مفاجأة كبرى وصفعة في وجه نظام الأسد وستكون لها عواقب كبيرة على مستقبل الأسد والمسار السياسي في سوريا».
في مباحثات جنيف الحالية حول سوريا التي انطلقت أول أمس ويفترض أن تستمر لعشرة أيام سيكون الإمتحان الأول لمثل هذا الكلام.. فإما أن يبدو وفد النظام السوري متساهلا أكثر من أي وقت مضى أو يتصرف كالنمر المجروح أو يظل يراوح بين المنزلتين لأنه لم يتمكن بعد من إعادة النظر في حساباته في ضوء ما أقدمت عليه موسكو. 
إذا لم يتسرب شيء محدد من فحوى مباحثات المبعوث الأممي ستيفان دي مستورا ومدى تقدمها، فيكفي هذه الحالة رصد مزاج بشار الجعفري وفريقه فهي معبرة للغاية. أحد الصحافيين الغربيين كان على وشك أن يسأله والمسؤول السوري يقف متحدثا إلى الصحافيين عن السبب الذي جعله معكر المزاج هذه المرة إلى هذا الحد، ويضيف هذا الصحافي «حضرت كل الجولات السابقة في جنيف ولم أره أبدا متجهما ومكسورا وعصبيا كما أراه الآن»…