الأديب د. عاطف أبو سيف : شخصية وطنية ممنوعة من السفر؟!!

احمد يوسف
حجم الخط

لقد ترشح د. عاطف أبو سيف لنيل جائزة القصة القصيرة بالمملكة المغربية، وكان من المفترض أن يلتقي وروايته "حياة معلقة" في الدار البيضاء، باعتباره أحد المرشحين الأوائل من بين عدد من المشاركين العرب، ولكن للأسف تمَّ اعتراض سفره في معبر بيت حانون (إيرز) لدواعي غير معروفة، وقد حاولت جهات عدة من أصدقائه التدخل لدى الإخوة المسئولين في وزارة الداخلية وحركة حماس، ولكن لم يأتِ أحد بقرار يمنحه البسمة والأمل ويسمح له بتشريف بلده في ذلك العرس الأدبي، وذلك باحتضانه لتلك الجائزة العالمية.

السؤال الذي نطرحه - دائماً - نحن أبناء هذا الوطن من المثقفين والمفكرين وأصحاب القلم: إلى متى يمكن لمثل هذه السياسات أن تستمر في كبت الطاقات المبدعة من التحرك، وحرمان "ابن الوطن" من حظوظه في الحرية والتنقل،والتي حرمنا منها الاحتلال؟

على المستوى الشخصي، لقد تلقيت العديد من الدعوات للسفر إلى بعض الدول العربية والإسلامية للمشاركة في ملتقيات ومنتديات فكرية وسياسية، ولكن – للأسف - ما تزال المعابر هي المشكلة والعقبة والكأداة.. إننا نشعر مع إغلاق المعابر وقيود السفر بأننا كمن يعيش حياة العزلة في سجن كبير، حيث تنحصر الفضاءات، وتضيق الأماكن، ويتعطل الإبداع.

إنني أعرف د. عاطف منذ عدة سنوات، كأديب وصاحب قلم، وكناشط سياسي وأكاديمي، وكمدير تحرير لمجلة سياسات التي تصدر من رام الله، وقد دارات بيننا حوارات موسعة حول خلافاتنا السياسية ومشروعنا الوطني، الذي فقدنا بسبب الانقسام توازن بوصلته، وكنا في مساحات الرؤية والتحليل نلتقي ونتفاهم، نتفق ونختلف، ولكني لم أعرف عنه خصومة فاجرة، بل منطق أخوي وحرص وطني، وربما مواقف واجتهادات رأي لا تخلق قطيعة، ولا تُفسد للود قضية.

وتأسيساً على ذلك، فإننا إذا تابعنا كتاباته الأدبية فهو مبدع في وطنيته، ودقيق في توصيف معاناة وهموم ومحن أهل بلده، وجريء في فضح جرائم الاحتلال ومجازره وانتهاكاته لكل القوانين والأعراف والقيم الإنسانية.. إن د. عاطف هو ثروة وطنية؛ اتفقنا معه أو اختلفنا، وهو قلم في السياسة والأدب، ولديه من حصيلة غربته وتجربته النضالية الكثير مما يشكل إضافة للمسيرة النضالية لشعبنا العظيم في تحديه ومقاومته للاحتلال.

إن د. عاطف أبو سيف يمثل في الفكر السياسي توجهاً معارضاً لرؤية حركة حماس، ولكنه في الحقيقة ليس خطاً معادياً، فالرجل كمفكر وشخصية وطنية ينتمي إلى حركة فتح وإلى الخط النضالي فيها، فهو داعم لنهج المقاومة ومؤيد له، وله من المواقف السياسية وتقديرات الموقف ما يجعلنا نحترم خصوصيته الفكرية، وقدراته المعرفية والتحليلية، فهو أكاديمي وصاحب خبرة سياسية، إضافة لحضوره الأدبي، حيث إنمداد قلمه ما زال يرسم بكلماته وتعبيراته كل ما يغرس من معانٍوأحاسيس وطنية وسياسة نحترمها ولا نختلف كثيراً معها.

من هنا أقول للجميع: إن رأس مال الفلسطيني هو كرامته ورأسه الذي يرفعه في وجه المحتل، فإذا كان البعض يظن أن إهانة المفكر والأديب والمناضل أو المقاوم ستكسر شوكته، ليتلاعب بها بعض منتسبي الأجهزة الأمنية، فهذا خطأ جسيم بحق الوطن، وخطيئة لا تغتفر..وإذا اعتقد البعض أننا سنكسب معركتنا مع المحتل الغاصب بشعب ذليل مهيض الجناح فهو واهم؛ لأن الجبان لا يرفع سيفاً، هذاإن قوى على حمله..لذلك،أقول للجميع من إخواننا وأبناء شعبنا في الضفة والقطاع:احفظوا للناس كرامتهم، وجللوا هيبتهم بالتعامل الحسن؛ "فطالما استعبد الناس إحسانُ".

إنناشعب عظيم في جهاده وتضحياته، ولن نسمح بتكرار درس فرعون، ولن نعيش حالة "فاستخف قومه فأطاعوه".

إنه شرف لحركة حماس أن تكون هناك أصواتاً تختلف معها أو تعارضها، فهذا يمنحنا الحجة للدفاع عن ديمقراطيتنا، وعن مشروعنا في النهوض الكريم بشعبنا وشراكة قيادته على طريق التحرير والعودة،فالحرية لشعبنا هي رأس الأمر كله، ومعها تأتي – إن شئتم - حزمة أخرى من الفضائل والقيم.

أتمنى – بعد مناشدة الجميع – أن لا نتعمد إعاقةسفر د. عاطف أبو سيف، وألا نقطع الطريق أمام وصوله لتحقيق هدفه في التألق واحتضان جائزته العالمية، ورفع اسم بلده في المحافل الإقليمية والدولية.

كما أنني أتوجه للأخ العزيز إسماعيل هنية (أبو العبد)، رئيس الوزراء السابق، ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، بما له من هيبة ومكانة وكلمة مسموعة - لا ترد - بين الجميع، أن يوعز للمسئولين في الأجهزة الأمنية بالسماح للصديق د.عاطف أبو سيف بالسفر عبر معبر بيت حانون، وعدم تعطيل وصوله لنيل جائزته، حيث إن الجاهزة والهدف من ورائها هو في الأساس رفع اسم فلسطين.

كما أنني أتمنى أن لا يتم منع أي فلسطيني من السفر من قبل الأجهزة الأمنية لأسباب ذات دوافع سياسية أو انتماءات تنظيمية، حيث إنه لا وجاهة أو قبول لأيِّ منعٍ على غير الخلفية الأمنية، وشكوك العمالة والتخابر  مع العدو.

لقد ولدنا أحراراً، وتمردنا على قيد المحتل وقاومناه في كل معاركنا رجالاً، ونريد أن نظل كذلك.

هذه الكلمة هي تعبير عن موقف تضامني مع صديق أعتقد أنه يستحق التحية والتقدير، وليس من الحكمة والمصلحة الوطنية أن تُقطع عليه الطريق،وأن يحرم من السفر مع فرصة نيل الجائزة والوصول للعالمية.

د. أحمد يوسف؛ رئيس هيئة الوفاق الفلسطيني