اضطرت وزيرة الخارجية الاندونيسية، ريتنو مرسودي، الى أن تدشن، قبل أيام، قنصلية الشرف الاندونيسية في فلسطين من عمان، عاصمة الأردن بالذات، وليس في رام الله كما خططت. وسبب ذلك هو أن اسرائيل لم تسمح لطائرة سلاح الجو الاردني، التي كان يفترض بها أن تقلها الى رام الله، أن تجتاز الحدود. ولم تكن حجة حكومة اسرائيل مفاجئة: اذا لم تكن الوزيرة مستعدة لتزور القدس فهي لن تزور فلسطين ايضا. ولتعلم الوزيرة من يسيطر حقا في المنطقة، ووجه من يجب أن ترى اذا كانت تريد ان تزور فلسطين المحتلة. ليس لاسرائيل علاقات دبلوماسية مع الدولة الاسلامية الكبرى في العالم، وعليه فلا يوجد أي سبب في العالم يجعلها تفرض على وزيرة الخارجية الاندونيسية أن تزور اسرائيل. ولكن، رغم انعدام العلاقات الرسمية، فان اندونيسيا بالذات تدير علاقات تجارية مع اسرائيل، بلغ حجمها في العام 2015 أكثر من 195 مليون دولار. صحيح أن هذه ليست مبالغ مالية كبيرة جدا، ولكن اذا اضفنا الى ذلك السياحة الاسرائيلية يمكن لنا أن نأخذ الانطباع بان الدولة الاسلامية مستعدة لتتخذ سياسة برغماتية لا تقاطع فيها اسرائيل. لقد اصطدم هذا الاستعداد، هذا الاسبوع، بالغرور الاسرائيلي، الذي يواصل إلحاق الضرر الكبير بمكانة الدولة. فاسرائيل ما كان يمكنها أن تدعي بان الزيارة واقامة القنصلية تشكلان اعترافا رسميا بالدولة الفلسطينية، إذ إن وفرة من القنصليات الاجنبية تعمل منذ الان في مناطق السلطة، وفلسطين باتت دولة غير عضو في الامم المتحدة. كما ان اسرائيل لا يمكنها أن تدعي بان مندوبي دولة معادية لاسرائيل لا يمكنهم أن يجتازوا مجالها الجوي، وذلك لان اندونيسيا ليست عدوا. وبالتالي فانه لم تتبق سوى حجة شوهاء واحدة: من لا يزور القدس لا يمكنه أن يزور فلسطين. ولكن هذه الحجة تعتمد على استنادات رقيقة، إذ إن وزراء من دول عربية سبق أن زاروا السلطة الفلسطينية دون أن يجبروا على زيارة القدس. غريب امر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي درج على نثر تلميحات مكثفة عن مظاهر تعاون بين دولة اسرائيل ودول اسلامية، ويرى في رؤياه الحالمة اسرائيل كشريك لدول المنطقة «المعتدلة» التي تعارض ايران مثله، ولكن يحظر على وزيرة خارجية دولة اسلامية مهمة جدا زيارة رام الله. أي منفعة استخلصتها اسرائيل من هذا الحظر، وأي ضرر لحق بالفلسطينيين من منع الزيارة؟ للفلسطينيين الان قنصلية جديدة، والتزام بالتعاون من جانب اندونيسيا، أما اسرائيل فبقيت مع صدى عليل لربتة ذاتية على الكتف.
عن «هآرتس»