احتاج الرئيس بوتين، جرياً على عادته، إلى حدث دراماتيكي لإعلان أن مهمة روسيا العسكرية في سورية قد أنجزت، ولهذا أعطى أوامره للبدء بسحب «الجزء الأساسي» من قواته المنتشرة في سورية. في إعلانه لم يحدد بوتين بدقة ما هي المهمات التي أنجزت، لكنه حرص على التشديد على أن القواعد المركزية لن تُغلق، وخصوصاً القاعدة الجوية في اللاذقية التي جرى توسيعها بصورة كبيرة خلال الأشهر الخمسة الأخيرة من القتال. سيبقى الوجود الروسي، ولا سيما الجوي، في سورية لفترة غير محددة، وسيجري تعزيزه مجدداً إذ نشأت حاجة روسية أو سورية تتطلب ذلك، وفي هذه الأثناء تواصل روسيا هجماتها الجوية. ومن هذه الزاوية لا يدل إعلان بوتين على نهاية العنف في سورية، وكعادة الرئيس الروسي فإن نياته لن تتضح إلا مع مرور الوقت. الآن هو الوقت لإجراء تقويم مرحلي فيما يتعلق بالجبهة السورية. لقد امتازت الأشهر الأخيرة بنشاط روسي مكثف وطلق في أجواء دمشق وسائر مدن الدولة، مئات وربما آلاف الأهداف تعرضت للقصف ووقعت أضرار جسيمة في الأرواح والممتلكات سواء في مناطق القتال أو في المناطق المدنية. لقد عملت روسيا من دون قيود ونجحت في تغيير موازين القوى بين مقاتلي الأسد ومعارضيه، لكن خلال تلك الفترة لم يحدث حسم، والقوى والمجموعات المختلفة المعارضة للحكم العلوي لم تدمر؛ إنها مُدّماة لكنها لا تزال حية وقادرة على الإيذاء. لقد أثمر التعاون الروسي - الإيراني والاستثمارات الضخمة للقوات الخاصة لطهران إنجازات مهمة، بيد أن هذا التعاون أظهر أيضاً عجز إيران عن الانتصار وترسيخ هيمنتها في سورية، وفشلها بين أمور أخرى، في إيجاد تهديد إيراني كبير على إسرائيل. وعلى العكس من ذلك، فرضت إسرائيل قيوداً على طهران، ونجحت من خلال مجموعة عمليات في كبح محاولاتها خلق وجود لها قرب الحدود الإسرائيلية - السورية. ومن خلال سلوك اللاعبين على الأرض يمكن استنتاج أن روسيا لم تحاول مساعدة إيران في تحقيق نواياها. لقد خرجت روسيا رابحة من التعاون العملياتي مع إسرائيل الذي جرى التوصل إليه عندما قام رئيس الحكومة بزيارة موسكو قبل بضعة أشهر. كما ساعد سكوت إسرائيل على العمليات الواسعة التي تقوم بها روسيا ما وراء حدودها، على صعيد صورتها الدولية. ووجدت تحت الطاولة عملية «خذ وأعط» كانت مفيدة للطرفين. وثمة أساس لافتراض أن هذه السياسة لم تضر بعلاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة التي استفادت هي أيضاً بصورة غير مباشرة من نجاح إسرائيل في منع إيران من تحقيق إنجاز لها في جنوب سورية وفي هضبة الجولان. على هذه الخلفية تشكل الزيارة الحالية لرئيس الدولة لموسكو فرصة ليس فقط للحصول على توضيحات تتعلق بنيات بوتين في المستقبل القريب، وإنما أيضاً مثلما يستطيع الثناء على وضع العلاقات بين إسرائيل وروسيا، يستطيع تفحص مدى استعداد بوتين لاستخدام نفوذه لكبح إيران في المرحلة الحاسمة المقبلة. لقد كانت العلاقات الروسية - الإيرانية دائماً معقدة جداً: كانت روسيا ولا تزال المزوّد الأساسي لإيران بالسلاح. ومليارات الدولارات التي ستستعيدها إيران بعد الاتفاق النووي ستستخدمها، من بين أمور أخرى، في تمويل مشتريات السلاح الإيراني من روسيا. وتأثير روسيا على طهران أكبر وبما لا يقاس من تأثير الولايات المتحدة. وتستطيع روسيا الضغط على إيران كي تفي بتعهداتها بصورة دقيقة وبطريقة أكثر فاعلية. في الفترة الأخيرة عادت طهران إلى القيام بتجارب إطلاق صواريخ بالستية القصد منها، من بين أمور أخرى، أن تحمل سلاحاً نووياً. في التسعينيات، وخلال الولاية الأولى لبنيامين نتنياهو رئيساً للحكومة، عمل من دون كلل من أجل وقف المساعدة الروسية المباشرة للبحث والتطوير المتعلق بهذه المنظومات. لقد كانت تلك أياماً مختلفة. والتعاون الروسي - الإيراني في سورية أثمر شبكة علاقات عملياتية مهمة بين الدولتين. إن إرسال سفير إسرائيل إلى الأمم المتحدة لتقديم احتجاج علني ضد التجارب الإيرانية مهم للجانب العلني من الدبلوماسية الإسرائيلية، لكن الأكثر أهمية هو محاولة إسرائيلية جدية للبحث في العمق في جوهر علاقاتنا المتطورة مع روسيا، وقد يؤدي قيام الروس بخطوة تكبح الاهتمام الإيراني بمنظومات إطلاق الصواريخ، إلى فائدة كبيرة للطرفين. طوال السنوات الماضية سمعت أكثر من مرة هذه الجملة في روسيا: «المسافة بين طهران وتل أبيب تساوي المسافة بين طهران وموسكو».
عن «يديعوت»