الاقتحامات الإسرائيلية لمناطق "أ".. منتصف الليل

20161803213029
حجم الخط

كانت الليلة بين الاربعاء والخميس ماطرة جداً. سقطت الامطار بشكل متقطع، حيث ازدادت في لحظات وتوقفت للحظات بشكل كامل. مطر انجليزي خفيف، نهاية الشتاء وبداية الربيع. الساعة الثانية فجرا. القافلة مكونة من سبع حافلات عسكرية مصفحة اجتازت معسكر عوفر. تمت ازاحة الحاجز الكهربائي، واطفاء مصابيح الحافلات، وامتلأت شبكة الاتصالات بالاصوات. دخلنا بيتونيا، وهي بلدة فلسطينية في مناطق «أ»، جنوب غرب رام الله. 
خلال النهار يكون هناك جندي فلسطيني بالقرب من الجسر يعطي الاشارة للدخول الى البلدة. هذه هي طريقة السلطة الفلسطينية لإظهار السيادة. وفي الليل يختفي الجندي. مملكة الليل تابعة للجيش الاسرائيلي ومملكة النهار تابعة للسلطة. واذا قرر الجيش أن هناك ظروفا استثنائية فانه يدخل اثناء النهار ايضا. والحي الوحيد الذي يشدد الجيش الاسرائيلي على عدم دخوله هو المقاطعة، التي هي رمز للسلطة في مركز رام الله. المقاطعة شيئ استثنائي بأمر عسكري. 
أحد القادة في القوة، لنسمّه مصدرا عسكريا في المنطقة، قال لي إن زواراً غرباء سألوه لماذا يعتقل الجيش الاسرائيلي القاصرين في الليل ويأخذهم من أسرتهم ويتسبب بفزعهم. «لو كنا نعتقلهم في النهار لكان الامر سيضر بنسيج الحياة»، أجاب، «هدفنا هو مكافحة الارهاب بأقل قدر من الضرر للمدنيين». 
النتيجة معقدة. في العادة يبلغ قادة الكتائب في الجيش الاسرائيلي نظراءهم الفلسطينيين عن دخول الجيش الاسرائيلي الى مناطق السلطة. واحيانا يتم الابلاغ قبل ساعات واحيانا عند حدوث الامر. لا تحب الاجهزة الفلسطينية الحركة التي يقوم بها الجيش الاسرائيلي، لكنها سلمت بهذا الواقع. وهذا التسليم آخذ في التلاشي حسب تقديرات الاجهزة الامنية: اذا لم نتوصل الى تفاهمات مع الاجهزة فهي ستصبح ضدنا. على هذه الخلفية حدث، هذا الاسبوع، صدام بين الوزيرين الكين وبينيت، عضوين في الكابنت، وبين رئيس الحكومة ووزير الدفاع. وسأعود الى هذا الصدام في السياق. 
في الوقت الحالي سأتحدث عن بيتونيا. الامطار تسقط. الشوارع مملوءة بالحفر العميقة بسبب الاهمال الممتد لسنوات، وقد امتلأت بالمياه. رياح باردة رطبة هبت على ظهور الجنود. الغيوم استوطنت في بيتونيا. وعلى ضوء اعمدة الكهرباء في الشارع ظهرنا كلنا كأجسام مشوشة ضبابية كما هي الحال في الرسومات الصينية. تجولت الكلاب في الشوارع لكنها لم تنبح. ظهرت بيتونيا مهملة كأنها في فيلم. لقد أبعدوا وجودها. ونحن أبعدنا وجودهم. 
العقيد اسرائيل شومر، قائد كتيبة بنيامين، يأخذ القوات كل ليلة الى الميدان. وفي هذه الليلة عملوا بالتزامن في ست مناطق في رام الله – بيتونيا، قلنديا، بيت سوريك، بيت دقو، الجديرة، وحزما. كانت المهمة اعتقال المشبوهين. بعض هذه المناطق تتبع لمناطق «أ» وبعضها لمناطق «ب» والبعض الآخر لـمناطق «ج». وحسب اتفاقات اوسلو يُمنع على الجيش الاسرائيلي دخول مناطق «أ». وقد ألغت عملية «السور الواقي» في 2002 هذا التمييز.
القوة في بيتونيا تابعة للقوات العسكرية في الجبهة الداخلية، مقاتلات ومقاتلين. بعضهم جاء سيرا على الاقدام، وبعضهم في جيب عسكري، وهو سيارة مخيفة وعالية ومصفحة وتبتلع داخلها فرقة من الجنود. وقد أُخذ اسمها (سفارون) من حافلات السفاري التي استخدمها الجيش الاسرائيلي في لبنان. 
كان الهدف الاول هو فتى كتب رسالة وداع لأصدقائه في الشبكة: إنه سيتحول شهيداً. وتسكن عائلته في شقة مكونة من اربعة طوابق، في الطابق الاول من جهة اليسار، والشقة مكونة من ثلاث غرف: صالون وغرفة نوم وغرفة مزينة بعلم فلسطين، حيث نام فيها الاولاد الاربعة، أحدهم معاق، حيث ان قدمه مبتورة. استقبلوا الجنود بصمت دون احتجاج، وكأنهم كانوا ينتظرونهم. الأم فقط هي التي بدت خائفة. 
تم تكبيل المشبوه ووضع عصبة على عينيه وباقي الاخوة تم تسجيل اسمائهم في دفتر مُركز «الشاباك». ورغم هدوء الجنود إلا أن جميع سكان البناية قد استيقظوا. الحي كله استيقظ وتابع الناس من شققهم المظلمة ما يحدث. وفي شقة واحدة فقط فوق التل أضيئت المصابيح. 
تابعنا الى الطرف الشمالي من بيتونيا، على بعد خمس دقائق سفر من مكتب رئيس الحكومة الفلسطيني. وفي بيت ناءٍ أدنى من مستوى الشارع يسكن مشبوه اعتبر «مُخلاً بالنظام». هذا الفتى مشتبه برشق الحجارة. وهو يعيش مع والديه واخوانه. وبعد ساعة من التحقيق تم اخراجه من قبل الجنود. وفي اعقابه خرج اخوته. 
الهدف الثالث كان أحد اعضاء الاجهزة الفلسطينية. وهو مشتبه بتجارة السلاح – الكارلو، المسدسات المحلية، والبنادق التي سرقت من الجيش الاسرائيلي – هذا الشخص تحول الى هدف بارز على خلفية تصاعد عمليات اطلاق النار. 
إنه يعيش في شقة صغيرة في الطابق الارضي للبناية مع مدخل خاص. وعلى الحائط علقت صورة لعرفات وتحتها علقت بندقية صيد قديمة. قام الجنود بنبش الشقة على أمل ايجاد السلاح. وقد عثروا على مسدس واحد. اثناء التحقيق ورغم وجود المسدس على الطاولة، حاول الشاب اقناع المحقق أنه بريء. ومن يسمع النقاش قد يعتقد أنهما صديقان. الساعة هي الثالثة والنصف فجرا.

57 عملية
بيتونيا هي بلدة للطبقة الوسطى، منازلها مكونة من 3 – 4 طوابق، هي منطقة صناعية من المناطق القليلة في الضفة، «فتح» تعمل فوق الارض و»حماس» تحتها. واذا كانت رام الله هي تل ابيب فان بيتونيا هي بات يم. 
في التسعينيات بنى جبريل الرجوب هنا مقر القيادة الخاص بجهاز الامن الوقائي. كان هذا قصرا حقيقيا على نمط تشاوتشسكي، كبيرا وفاخرا ومملوءا بالقوة. 
خلال الانتفاضة الثانية هدم الجيش الاسرائيلي هذا المبنى تماما. والتقيت مع الرجوب بعد ذلك بفترة قصيرة في مخبأ في بيتونيا، حيث كان مطلوبا لاسرائيل. الرجوب بكى على الخسارة. ومنذ ذلك الحين لم ينس ولم يغفر. 
خرجت من المنطقة التي تسيطر عليها كتيبة بنيامين في الانتفاضة الحالية، 57 عملية. 31 عملية منها حدثت داخل الخط الاخضر، الجزء الاكبر جاء من قلنديا وكفر عقب التابعة للقدس الموسعة، واغلبية منفذي العمليات قتلوا، والقليل منهم اعتقلوا، وعمل الآخرون ضد الجنود والمستوطنين. هناك خلايا قليلة لاطلاق النار ما زالت تتجول في الميدان. 
في ظل غياب اختراع يحيد السكاكين مسبقا فان الجيش الاسرائيلي يواجه الامر ميدانيا. اثناء النهار ينتشر الجنود على الشوارع والمفترقات التي تحدث فيها اغلبية العمليات. يفتشون كل فلسطيني جسديا. ومن يظهر اسمه في قائمة المطلوبين للجيش و»الشاباك» يتم اعتقاله في الليل.

التفتيش في الظلام
يجب تطهير الاجواء، قال ضباط الجيش الاسرائيلي للفلسطينيين، الكراهية والتحريض يشجعان السكاكين. يجب تطهير الاجواء، قال الفلسطينيون. عندما تمر قافلة للجيش الاسرائيلي بالقرب من مدرسة، لا تندهشوا اذا قام الاولاد برشق الحجارة. 
موضوع الاجواء كان الخط المركزي الذي تحدث عنه ضباط الجيش مع رجال السلطة. في هذه القصة توجد روايتان المسافة بينهما كبيرة. رواية الجيش الاسرائيلي، التي ظهرت، هذا الاسبوع، في اقوال رئيس الاركان، غادي آيزنكوت، في لجنة الخارجية والامن التابعة للكنيست. لقد وسع الجيش الاسرائيلي في الفترة الاخيرة تواجده داخل المدن الفلسطينية. وهذا يضر بشعور السيادة هناك، ويُصعب على الاجهزة الفلسطينية التنسيق. يجب تقليص هذا الامر. بعض الاتصالات حول هذا الموضوع هي بمستوى تكتيكي. قائد كتيبة يتحدث مع قائد كتيبة. لا يوجد هنا موضوع سياسي.
النقاشات مستمرة، لم تتفجر. وزير الاستيعاب، زئيف الكين، العضو في الكابنت، له رواية مختلفة. «لا يمكن التظاهر بالسذاجة والقول إن هذا أمر تكتيكي»، قال لي، هذا الاسبوع، الفلسطينيون هددوا: اذا لم تعيدوا لنا السيطرة الكاملة على مناطق أ فسنوقف التنسيق الامني.
«هذا مطلب سياسي وليس مطلبا أمنيا. لقد بحثنا عن حل وسط، قلنا. سندخل فقط اذا كانت هناك قنابل موقوتة. عندها طلب نتنياهو اعتراف الفلسطينيين رسميا بحقنا في الدخول. وهذا ايضا مطلب سياسي، حيث يشطب عمليا ما ورد في اتفاقات اوسلو.
«لقد غضبت من يعلون ونتنياهو اللذين أخفيا موضوع المفاوضات عن الكابنت. وعندما قلت لنتنياهو رأيي علنا، قام باستدعائي الى جلسة استيضاح. وقال إن الفلسطينيين رفضوا الموافقة على طلبه فتوقفت الاتصالات. لم تكن هناك ضرورة لعرض هذا الموضوع على الكابنت. وهذا الامر تفجر».
يقول نتنياهو اشياء صعبة جدا فيما يتعلق بالسياسة الامنية: «لا أتفق مع القيادة الامنية عندنا. ما زال يعلون والجيش يتمسكون بأمل رابين وهو أن يقوم الفلسطينيون بتنفيذ العمل من اجلنا بدون المحكمة العليا وبدون «بتسيلم». فهم يؤمنون أن اجهزة الامن الفلسطينية هي جزء من بنية الجيش الاسرائيلي. وهذه الخدعة تسببت بالانتفاضة الثانية. والامر الذي ساهم في تحسين الامر هو حرية عمل الجيش الاسرائيلي في مناطق أ. وأنا ضد تغيير هذا الوضع بشكل كامل، لا سيما في الوقت الحالي الذي يتدهور فيه الوضع.
«إن التنسيق يفيدهم أكثر مما يفيدنا. 80 في المئة من الامن في الضفة هو نحن. وبفضلنا فقط ما زال أبو مازن واجهزته على قيد الحياة.
«إن يعلون ينجر زيادة عن اللزوم. وفي موضوع الاستيطان هو مخطئ ايضا. وحينما كان وزيرا لشؤون الاستيطان هاجم وزير الدفاع باراك لأنه عمل ضد المستوطنين. والآن هو نفسه ضد المستوطنين أكثر من باراك».
الصلة بين ما يزعج الوزراء في الكابنت وبين ما يحدث في ليالي بيتونيا ضعيفة. وقد تطرق رئيس الاركان في لجنة الخارجية والأمن الى اربع قضايا حدث فيها تداخل بين السياسة وبين الامور العسكرية. القضية الأولى هي إخراج الهوية اليهودية من الحاخامية العسكرية. والثانية هي واجب حلق اللحية في الجيش الاسرائيلي. «أذهب إلى دورة طيران فأرى الجميع قد حلقوا لحاهم، وأذهب الى دورة للضباط فأرى كل واحد بلحية مختلفة. المشكلة الاساسية هي العلمانيون. جيل الجنود الحالي يكره حلق اللحية».
القضية الثالثة هي أوامر فتح النار. السياسيون، والآن الحاخامات، يقولون للجيش متى وكيف يجب اطلاق النار. القضية الرابعة مهمة بشكل خاص: ذكر رئيس الاركان في حديثه أن عناصر من اليسار تحدثوا عن قضية بوخرس لأنه تقدم في الجيش بسبب اعتماره القبعة الدينية. «أعرف بوخرس منذ كنت مسؤولا عنه في الكتيبة»، قال، «إنه ضابط ممتاز».

الموت على السكين
سمعت المعطى من مصدرين مختلفين في جهازين أمنيين، حيث كشف عن زاوية مهمة في الانتفاضة الحالية: في نصف العام الاخير تراجعت نسبة الانتحار في المجتمع الفلسطيني بشكل دراماتيكي. وللأسف الشديد لم استطع الحصول على ارقام تؤكد هذا الامر. لكني استطيع القول إن واضعي السياسة في الاجهزة الامنية يعتبرون ذلك المفتاح لفهم الدافع وراء جزء من العمليات. هذا صحيح فيما يتعلق بالشباب والشابات الذين يواجهون مشكلات في البيت أو في المدرسة. وهذا صحيح ايضا بالنسبة لنساء، بينهن أمهات تم الاشتباه بهن بالمس بشرف العائلة. وهذا صحيح ايضا بالنسبة للاشخاص المتخلفين عقليا.
الافتراض هو أنه عندما يلتقي التفكير اليائس مع حلم الموت البطولي، فان السكين هي الحل المطلوب. ففي لحظة يتحول من شخص منبوذ الى شهيد وبطل. وتوضع صوره على الجدران ويتحدث الجميع عنه، وتحظى عائلته بالاحترام والمساعدة المالية. إن رغبة منفذي العمليات بقتل أنفسهم هي أكبر من رغبتهم بقتل الاسرائيليين.
صحيح أن هذا التفسير مريح للمؤسسة الاسرائيلية، مريح جدا. فهو يقزم مساهمة الاحتلال في استعداد الشبان الفلسطينيين للموت على سكاكينهم. وهو يدفن المشكلة في خزانة علم النفس، ويدفع الى الشعور بالذنب وتوقع أن تفعل الحكومة شيئا ما – سياسيا، اقتصاديا وعسكريا – من اجل تغيير الواقع. باختصار، هو يلائم السياسة الحالية مثل ملاءمة القفاز لليد، رغم أنه يحتاج الى نقاش.
حينما تحدث المفتش العام للشرطة قبل ثلاثة اسابيع في مناسبة للعائلات الثكلى في ايلات، قارن بين المجتمع الاسرائيلي والمجتمع الفلسطيني: «في الوقت الذي اخترنا فيه تقديس الحياة، اختار أعداؤنا تقديس الموت»، قال. الجمهور أحب هذه الاقوال – الكثيرون ومنهم أبناء عائلات ثكلى، درزية وبدوية، توجهوا لشكره – لكن حينما وصلت هذه الاقوال الى قنوات التلفاز ولاقت استجابة مختلفة تماما هناك، بدا المفتش العام كمن يدخل في خلاف غير مهم. الفضول الزائد الذي يثيره المفتش العام الجديد في وسائل الاعلام وفي اوساط الجمهور عاد عليه كالسهم المرتد.
اذا قال المفتش العام للشرطة إنه يريد اصدار قرار حكم اخلاقي للمجتمع الفلسطيني، فهذا لن يساعد. ويجب عليه التفكير بالشباب والشابات الذين يبحثون عن مخرج لضائقتهم من خلال رصاص الجنود.

بعد الموت
«شخص غير متهكم في عالم متهكم»، قال مائير دغان الذي توفي، أول من أمس. كان دغان من الجيل الذي تشكلت قناعته في حرب «يوم الغفران». ثقته بقدرة اسرائيل جاءت من هناك. ايمانه بضرورة المبادرة والجرأة جاء من هناك. غضبه تجاه من يتمسك بالوضع الراهن جاء من هناك. وهناك ايضا تعلم التحفظ على كل من يتهرب من تحمل المسؤولية.
لقد كان رجلا شجاعا وحكيما. يمكن الاختلاف عليه، لكن لا يمكن الغاؤه.
في شباط الماضي التقيت أنا وشمعون شيفر معه في مقابلة شاملة. ايران والمواجهة بين نتنياهو واوباما كانتا في مركز المقابلة. وقد قال دغان اموراً صعبة عن نتنياهو. وفي النهاية سألناه عن الفلسطينيين. «ستكون لنا مشكلة مع الفلسطينيين دائما. طالما لم نطبق حق العودة، وأنا ضد هذا الحق. وستكون لديهم جهات تسعى الى تدمير اسرائيل. كان يجب علينا أن نهزم حماس ونجلب السلطة الفلسطينية الى غزة. للمرة الاولى لدينا جامعة دول عربية غير مناكفة. نحن والسعودية ودول الخليج ومصر متفقون في الرأي، في الموضوع الايراني وفي موضوع الاسلام الراديكالي. كان يجب علينا أخذ أبو مازن الى غزة تحت غطاء الجامعة العربية».

عن «يديعوت»