بوادر «تشاؤم حادّ» تهدد بما هو أسوأ في الضفة وغزة

436x328_2312_234146
حجم الخط

يمكن أن نشخص في الأسابيع الأخيرة، على جانبي النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني، بوادر تشاؤم حاد، أشد من ذاك الذي ساد الطرفين في العقد الأخير. فالانتفاضة التي يقودها شباب الضفة الغربية وإن كانت تستمر بقوة محدودة نسبياً ولا تغير نمط حياة المواطنين الاسرائيليين والفلسطينيين مثل سابقتيها، إلا انها تدهور مع ذلك التوقعات السلبية أصلا لمن هم مسؤولون عن الانشغال الأمني في الطرفين.
في الجانب الاسرائيلي يتعزز الاحساس بان سياسة ادارة النزاع، التي تمسكت بها الحكومات الاخيرة، تقترب من نهاية طريقها. فالبادرات الطيبة الصغيرة، التسهيلات الاقتصادية الموضعية، لن تكفي على مدى الزمن، حين يطالب الفلسطينيون بتغيير الوضع من الاساس ولا يكتفون بعد اليوم بتحسينات تجميلية صغيرة. فضلا عن ذلك فان في جهاز الامن الكثير ممن يعتقدون بان شدة العنف الحالي الذي جبى حياة 34 اسرائيليا، واكثر من 180 فلسطينيا في غضون خمسة اشهر ونصف، هي بمثابة معجزة. فيحتمل أن يكون الوضع أسوأ.
مثال مميز هو الاقتراح الإسرائيلي الذي نشره، هذا الأسبوع، باراك رابيد في «هآرتس» لتقليص حملات الاعتقال التي يقوم بها الجيش الاسرائيلي في مناطق «أ» في رام الله وفي أريحا. رفضت السلطة ذلك، بسبب طلب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، اعتراف السلطة بحق اسرائيل المبدئي بالعمل عسكرياً في مناطق «أ»، في حالات «القنبلة المتكتكة». فمسؤولو السلطة يشعرون بان اسرائيل تعود لتسوق لهم البضاعة ذاتها، لمرات عديدة. فمثل هذه المداولات جرت بعد الانتفاضة الثانية، مع انتهاج «مشروع جنين» المشترك بين اسرائيل والسلطة قبل نحو تسع سنوات. في المزاج الحالي في الضفة، يعتقدون بانهم لا يمكنهم ان يسمحوا لانفسهم بخطوة تعتبر تنازلات مبدئية لاسرائيل.
توجد السلطة بين المطرقة – الضغط العسكري الاسرائيلي، والسندان – الجيل الشاب الذي يقف في جبهة المواجهة. في هذه الظروف، التي تولد يأسا عميقا في القيادة الفلسطينية، هناك مسؤولون في رام الله يتوقعون انهيار السلطة مع التردي المتوقع لصحة الرئيس محمود عباس (ابو مازن) في السنوات القادمة. وعليه، فانه حتى ما بدا حتى وقت قريب كتهديد عابث – وقف التنسيق الامني مع اسرائيل – لم يعد مجرد خطوة يتخذها صائب عريقات وحده.
تتثبت الانتفاضة المحدودة كواقع لمدى بعيد، ولكنها لا تنتقل حاليا لتصبح مواجهة اوسع، ولا سيما بسبب مساعي اللجم التي تتخذها السلطة الفلسطينية، وبسبب تردد الجمهور الغفير في الضفة الغربية، غير الملتزم بالكفاح مثلما كان في الانتفاضتين السابقتين. فالجيل الشاب، الاقل وعيا باضرار الرد العسكري الاسرائيلي في حينه والاقل معرفة للفوضى التي سادت في المنطقة عندما ضعف حكم السلطة وكاد يتحطم في العام 2002 وما بعد – لا يخشى المواجهة. في 1 تشرين الاول وحتى بداية الاسبوع الحالي أحصى جهاز الامن 232 «مخربا» قتلوا في العمليات، اعتقلوا في اثنائها، او في الطريق اليها. العمر المتوسط هو 21 ونصف. 182 منهم من سكان الضفة الغربية، 44 من سكان شرقي القدس (في المدينة كانت ايضا عمليات نفذها سكان من الضفة)، 5 عرب إسرائيليون و 1 سوداني.
في المناطق يصفون شباب الانتفاضة كـ «جيل مرفوع الهامة». اما في اسرائيل فيستخدمون أوصاف المغترب، المستفز ويتحدثون عن عداء شديد لهؤلاء الشباب للاحتلال الاسرائيلي وللسلطة وبقدر ما لأهاليهم أيضا. الإحساس بغياب الأفق الشخصي والجماعي، احيانا بتداخل مع توترات عائلية، يشجع على الخروج الى العمليات، التي يصعب على جهاز الامن الاسرائيلي العثور عليها مسبقا أو منعها في زمن الفعل. وسائل الاعلام الرسمية في السلطة كبحت جماح التحريض المباشر لـ «الارهاب». وبدلاً من ذلك يتمسكون برواية موحدة: منفذو العمليات هم شبان ملوا الاحتلال، نهضوا وقاموا بالعمل وفي الغالب قتلوا بسبب الرد الإسرائيلي الزائد.  أما الناقص فتكمله الشبكات الاجتماعية الفلسطينية وقنوات التلفزيون التابعة لـ «حماس» و»الجهاد الاسلامي»، والتي تشعل نار تحريض أكثر حدة على العمليات.
في محافل الأمن في الجانب الاسرائيلي يوجد الآن اجماع – التنسيق الامني مع السلطة هو على ما يبدو الافضل مما كان. فالاجهزة تعمل ايضا ضد خلايا «حماس» في الضفة، وفي حالات عديدة ايضا ضد شبان ينثرون تلميحات عن النية لطعن أو دهس الاسرائيليين. والخطر الاساس الكامن في استمرار العنف هو تآكل خطوات اللجم الفلسطينية وبالاساس ضعف التنسيق الامني. ومن هنا التوقع البشع لما سيحصل في الضفة لاحقا.

التهديد الاقتصادي
في قطاع غزة دفنت «حماس»، هذا الاسبوع، الشهيد الـ 15 لها على الاقل، في ثمانية انهيارات للانفاق منذ نهاية كانون الاول الماضي. القتيل، في هذه الحالة، وصف كنشيط ميداني كبير في الذراع العسكرية. في البداية حاولوا اخفاء حوادث العمل العديدة. وبعد موت سبعة نشطاء في انهيار نفق قبل قرابة شهرين، لم يعد هذا ممكنا.
في تلك الفترة، بين منتصف كانون الثاني ومنتصف شباط، كان يبدو أن اسرائيل و»حماس» قد تتدهوران الى مواجهة عسكرية اخرى. وهبت في غزة رياح الحرب. حثت «حماس» حفر الانفاق، بما فيها الانفاق الهجومية التي تتسلل على ما يبدو الى الاراضي الاسرائيلية. اما الجيش الاسرائيلي فبذل جهوداً هائلة لاكتشافها على طول الحدود. وأدت تغطية اعلامية واسعة وزيارات لكبار المسؤولين الاسرائيليين في غلاف غزة بـ «حماس» الى الشك في أن اسرائيل توشك على العمل ضدها عسكريا. وفي اسرائيل خافوا من أن كشف الانفاق الهجومية قد يشجع «حماس» على استخدام بعض مما تبقى منها قبل أن يضيع المشروع الهجومي الكبير لديها هباء. في بداية شباط قال محمود الزهار، من كبار رجالات التنظيم، في مقابلة تلفزيونية ان «الانفاق الهجومية تصل الى الأراضي خلف قطاع غزة».
منذئذ يخيل أن كبار رجالات التنظيم فزعوا من أنفسهم. فالفيلم الذي عرضت فيه المقابلة مع الزهار اختفى عن الانترنت، ورئيس وزراء «حماس»، اسماعيل هنية، يبث رسائل أكثر تهدئة. وخرج وفد من «حماس» من القطاع، هذا الاسبوع، الى القاهرة لاجراء محادثات مع رجال المخابرات المصرية، بمبادرة سعودية على ما يبدو. ولكن الضائقة الاستراتيجية الاساس لـ «حماس» بقيت على حالها. فالمساعدة المالية من قطر محدودة، والعلاقات مع مصر فظيعة، وخطوة مصالحة حقيقية مع السلطة الفلسطينية لا تبدو قريبة. وشروط الحياة في القطاع تواصل التدهور. وتوقفت تهديدات الحرب من غزة، ولكن الواقع على الحدود بقي هشا. فخطر الانفجار المستقبلي لا يزال يقرره بقدر كبير الوضع الاقتصادي المتدهور.
عن «هآرتس»