كان بيان الجبهة الديمقراطية (حداش) والتجمع الديمقراطي (بلد) مدحوضاً لدرجة أني فكرت بأنه لا بد ان يكون ثمة شيء ما جد ذكي يختبئ هنا. فلا يحتمل أن يكون أحد ما أصدر مثل هذا البيان، او للدقة لا يحتمل أن يكون احد ما على الاطلاق يفكر هكذا. وقد دفعني الفضول والغضب لأجري فرائض بيتية، فتحدثت مع أصدقاء فلسطينيين، في محاولة للفهم. وعندما فهمت، أجد أن لا مفر من ان استنتج: هم يفقدونني. لم يفقدوني تماما، ولكنهم قريبون جدا من هناك.
لقد علمتني تجربة السنوات الأخيرة أن ما يبدو لي صحيحا ومفهوما يكون احيانا نتيجة زاوية نظري كعضو في الأغلبية اليهودية ذات الحقوق، وأن المنظر من زاوية النظر العربية، لابن أو ابنة الاقلية، يكون مختلفا تماما. وهذه الحالة تثبت ذلك.
أتجاهل الخطاب القديم لعصر الحرب الباردة. كلمات مثل «الاستعمار»، «الرجعية» وباقي هذه اللغة هي جزء من التفاصيل الداخلية للحركات التي كانت ذات مرة شيوعية ولم تتمكن حتى اليوم من الانتعاش. هذا لا يتحدث الي، بالضبط مثل الذكاء المتذاكي، الذي يقول ان السعودية هي نظام سيئ وبالتالي كل من «ليس السعودية» هو نفي النفي، ويدخل في تعريف «شبه الجيد». هراء! السعودية دولة، ثقافة، نظام، ونموذج رهيب، ولكن نقيضها هو أحياناً لا يقل سوءاً عنها.
ما الذي مع ذلك تعلمته من رفاقي الذين احبهم وأقدرهم؟ من ناحيتهم فان التهديد الأكبر على هويتهم ووجودهم، كعرب ديمقراطيين وعلمانيين، هو اندفاع «داعش» والأصولية السنية نحو دولة الخلافة. الحاجز الأخير – حسب فهمهم للمجال – الذي يقف بين شرق أوسط الخلافة السنية وبين ما تبقى من سواء العقل الإقليمي هي سورية بشار الاسد. «اذا ذهب الاسد، ذهبت سورية، واذا ذهبت سورية، ذهب وراءها على الفور لبنان، الاردن، والسلطة الفلسطينية». وانطلاقا من القلق الشخصي قالوا: «ولم نقل بعد كلمة عما ينتظرنا وينتظر كل من ليس مسلما مثلهم». انهم يفهمون «حزب الله» كعرب ابناء مجال وبشكل مختلف تماما عن فهمنا، كغرس غريب في المنطقة. في الخيار بين الوهابية السعودية والنموذج الشيعي كانوا سيتخلون عنهما الاثنين، ولكن بلا مفر – السعودية هي العدو الاكبر والاخطر. اكثر بكثير من «حزب الله».
انصت، لا اجادل ولا اتفق. في نظري هؤلاء اشرار واولئك سيئون، مثل كل الاحزاب والانظمة الدينية في العالم كله، وهنا عندنا. فالثيولوجيا (علم الدين) التي تعلم في المدارس السعودية أحرقت العالم، ولولا ازدواجية الاخلاق النفطية في الغرب لما سمح لهم بالتملص من بحث جماهيري حقيقي. وحتى شراكتهم اللحظية مع اسرائيل ضد ايران لا يمكنها أن تسوغ الشرور هناك. و»حزب الله»؟ من ناحيتي كل تنظيم – سواء كان دولة او شبه دولة – يقتل الابرياء كجزء من فكره العملي هو تنظيم اجرامي.
لو كان رجال «حداش» يسألونني، لعرضت عليهم بضعة طرق اخرى للاعراب فيها عن تحفظهم على اعجاب نتنياهو بالسعودية. من هذه الناحية هم محقون: فتأييد السعودية، مثل نتنياهو، لا يزيد تسويغا عن عدم شجب «حزب الله». ولكنهم لم يسألوا وأنا لم اعرض. فمن المنطقي والشرعي أن يفكر الناس بشكل مختلف عني، وليس هذا ما يقلقني.
أيدت «حداش» (الجبهة الديمقراطية) لأنها خطت على علمها بشجاعة الشراكة اليهودية – العربية. أؤمن بهذه الشراكة بسبب الامكانية الكامنة الهائلة فيها لإحياء الديمقراطية الاسرائيلية الآفلة وكنموذج محتمل لشراكة اقليمية، تختلف تماما عن الواقع الحالي. ولكن هذه الشراكة – هكذا يبدو ويسمع – تبتلع وتفترس أمام ناظرينا. فالقوى القومية المتطرفة والانعزالية في «القائمة المشتركة» تبدو سائدة أكثر فأكثر، بالضبط مثل اخوانهم اليهود القوميين المتطرفين والعنصريين في اليمين. على هذه الخلفية يصبح «اعلان حزب الله» خرقا فظا للتوازن الحساس الذي بين الانتماء للعموم العربي والشراكة الإسرائيلية الداخلية. احد ما هناك تخلى عني وعن أمثالي لصالح اعتبارات وتوازنات أخرى. انا لم أتخل بعد والشراكة لا بد ستقوم. معهم أو ضدهم.
عن «هآرتس»
حزب الله يُعقب على إرسال أمريكا حاملة طائرات لـ"إسرائيل"
11 أكتوبر 2023