اليمين الإسرائيلي يخترع الأعداء من أجل تجنيد الجمهور

9998489130
حجم الخط

العمل الأهم في حملة دعاية الحركات السياسية المناهضة لليبرالية والمدعية لليبرالية هو اختراع العدو. فبدون عدو مخترع لا يكون لها وجود. ولا يمكنها أن تجند الجماهير. واختراع العدو يجب أن يفي بعدة معايير. ينبغي أن يكون واضحاً أن ليس المقصود شخصا واحدا بل جماعة، والا تظهر الجماعة علناً كعدو. بل العكس، تخفي خططها المبيتة، بل تعرض نفسها احيانا كصديقة الجماهير كي تسرق عقله وتسيطر على وعيه. على العدو المخترع أن يتميز بضلال فكري كي يتمكن من اخترعه من أن يتميز بكشف وجهه الحقيقي. فلا معنى لاختراع أعداء ضعفاء ومحرجين. فهؤلاء يمكن لكل واحد أن يهزمهم. اما العمل البطولي فهو هزيمة الوحش الذي يختبىء في عرينه. من المسلّم به أن يكون من الافضل التركيز على عدو مخترع من الداخل، بقدر ما هو الامر ممكن. فالعدو من الداخل معروف أكثر، وعليه فهو مخيف اكثر ايضا. مؤامراته تعرض وجودنا للخطر. ومن السهل جدا تجنيد الكراهية ضده؛ بينما من الصعب أكثر كراهية الاعداء غير المعروفين ممن يعملون بعيداً عن الوطن. وآخرهم أحلاهم: أضرار العدو المخترع هي دوما من النوع الذي لا يمكن تأكيده أو دحضه باساليب التفكير العقلانية الدارجة. تعريفه كعدو يقوم على أساس أكاذيب تختبىء في صورة حجج علمية مزعومة، على فسيفساء من المعلومات الكاذبة، المعتقدات الخرافية، و»المنطق السليم». بمعنى ليس سليما ومضللا. ولا يدعي هذا المقال القصير ايجاد كامل مزايا اختراع العدو، بل رسم خطوط لصورته وطرح بضعة نماذج معروفة. فقد اخترع النازيون العدو اليهودي، واخترعت الستالينية العدو التروسكي والعالمي، واخترعت الفاشية النخبوي، واخترعت المكارثية الحزب الشيوعي الأميركي، واخترعت الخمينية الشيطان الاكبر والشيطان الأصغر: أميركا واسرائيل. ولا تنقص نماذج حالية. الشعبية المتزلفة الشرق اوروبية الراهنة اخترعت اعداء في شكل اللاجئ القادم من الشرق الاوسط والبيروقراطي من بروكسل. البوتينية اخترعت للشعب الروسي العدو الاوكراني، وقبل ذلك الجورجي. في حملة الانتخابات الحالية في الولايات المتحدة اخترع المتنافس الجمهوري، دونالد ترامب، والديمقراطي، بارني ساندرز، اتفاقات التجارة الحرة لأميركا مع دول آسيا وأميركا اللاتينية كعدو رقم 1 للعامل (وللمستثمر) الأميركي. كله كذب: اليهود لم يتآمروا على تدمير المانيا، في الاتحاد السوفييتي التابع لستالين لم تعمل تنظيمات سرية تروسكية. الشيوعية الأميركية كانت ظاهرة هامشية تماما، شرق اوروبا لم تستوعب في السنوات الاخيرة لاجئين من الشرق الاوسط، وتلقت منحا بعشرات مليارات اليوروهات من الاتحاد الاوروبي. واقتصاد الولايات المتحدة، بما في ذلك طبقة العمال، كسبت وتكسب على نحو صاف من اتفاقات التجارة الحرة بالتشغيل وبالنمو على حد سواء. وعندنا؟ في الانتخابات قبل سنة اخترع خبراء الدعاية في «الليكود» «عرب اسرائيل» وقالوا إنهم العدو المطلق، الذي ينقض بجموعه على صناديق الاقتراع. في الاحزاب المسماة «اجتماعية» اخترعوا البنوك كاعداء للجمهور يمصون دمه، الى جانب شركات الغاز الطبيعي ومنتجات الغذاء. في نظرة الى الوراء لم تكن الاختراعات مساوية في الوزن من ناحية انتخابية: فاختراع اليمين للأعداء ساعده على الانتصار في الانتخابات، واختراع اليسار للاعداء ساعده على خسارتهم. في أحيان قريبة تحتاج حتى الاحزاب التي في الحكم الى اختراع الاعداء كي تواصل الحكم، ولا سيما في اوضاع الازمة الوطنية، التي تستدعي الانتقاد، الاضطراب، والاستياء من الحكم. فالحزب القومي المتزلف للجمهور الذي انتصر في الانتخابات الاخيرة في بولندا اخترع مع تثبيت حكمه كعدو للشعب البولندي رواد حركة التحرير الديمقراطي «التضامن» وعلى رأسهم ليخ فيلنسا. وعندنا اخترعت وزيرة الثقافة، ميري ريغف، مبدعي الثقافة الاسرائيلية، ولا سيما «الاشكناز اليساريين» كاعداء للشعب. الاحزاب الاصولية في الائتلاف اخترعت الاصلاحيين الذين يطلبون- والعياذ بالله- ان يصلوا في «المبكى». ولكن سار شوطا بعيدا رئيس الوزراء ومنفذو كلمته في الحكومة، ممن يخترعون من جمعية صغيرة «نحطم الصمت» عدوا وحشيا ومموها جيدا لامن الدولة وللجيش الاسرائيلي. ليس بدلا من، بل الى جانب وسائل الاعلام غير المنضبطة التي هي بالنسبة لهم العدو المخترع المطلق. ان الدرس الايجابي من التاريخ السياسي العالمي هو أنه في نهاية المطاف يظهر اختراع العدو بعريه ككذبة. اما الدرس السلبي فهو أنه إلى أن تنكشف الحقيقة يمر زمن طويل، والمواطنون يدفعون على الاختراع المغرض ثمنا باهظا. جدا.

عن «يديعوت»