إذا كان البحث عن الأمل متعباً، بل شاقا أينما وليت وجهك في هذا الوطن العربي الكبير، فإن الأمر سيان أن كتبنا عن زيارة رئيس حكومة الوفاق الدكتور رامي الحمد الله إلى غزة، أو كتبنا عن القمة العربية المزمع انعقاد دورتها في شرم الشيخ المصرية في الثامن والتاسع والعشرين من هذا الشهر.
لو كانت زيارة الحمد الله لغزة، تنطوي على بعد تحليلي، تقدم جديداً على ما سبق أن تناولناه في مقالات، وأحاديث سابقة، لكان علينا أن نلاحق هذه الزيارة وتناول أبعادها، بما أنها تشكل الأولوية للصحافة في قطاع غزة، التي لا تتيح لها الظروف الانتقال إلى القاهرة أو إلى مراكز الحدث النشط في المنطقة. باختصار شديد تبدو زيارة الحمد الله لغزة غير مرحب بها من قبل حركة حماس التي أعلنت قبل قدومه رفضها للورقة السويسرية بشأن الرواتب، واوحت مصادرها بأنها ربما لا تضمن أمنه خلال الزيارة. تعرف حماس بأن رئيس الحكومة لا يملك قرار تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، أو معالجة كومة الأزمات والملفات التي يعاني منها قطاع غزة، وبأن المشكلة أساساً سياسية ومرتبطة بقرار من الرئيس محمود عباس، ويعرف ذلك الحمد الله أيضاً ولكنه أصر على إتمام الزيارة، وعليه أن يبرر خلال أيامها الثلاثة دوافع إصراره. المصالحة الفلسطينية لا تزال عالقة بين حسابات الطرفين حماس وفتح، ومحاولات كل منهما إرغام الآخر على التسليم برؤيته وحساباته، وميزان مدفوعاته ووارداته. موضوعياً ربما كان على الفلسطينيين أن يستعيدوا قدرتهم على دفع المصالحة، وبناء رؤية استراتيجية موحد، في ضوء نتائج وتداعيات الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، بما يمكنهم من حضور القمة العربية القادمة، على نحو متميز فيما يتعلق بخطابهم وطلباتهم من الاشقاء العرب، لكنهم يذهبون الى القمة، وهم على حالهم منذ ثماني سنوات. هذه القمة العربية نظامية وعادية في دورية انعقاد، وقد ساقتها الأقدار الجميلة، لأن تنعقد هذه المرة في مصر، ولكنها استثنائية وشديدة الأهمية، بالقياس للتحديات والأسئلة الكبرى التي تنتظر إجابات القادة العرب.
من الطبيعي أن تتسلم القاهرة الراية العربية في مثل هذه الظروف التاريخية التي تمر بها المنطقة العربية، ولو كان الدور كمكان لانعقادها في عاصمة عربية أخرى، لكان على كل عربي أن يطالب بنقل مقر انعقادها إلى القاهرة التي تتعلق آمال الأمة بقدرتها على تخفيف الأعباء والأثمان التي تكبدتها الشعوب العربية وهي تشق طريقها نحو مجتمعات الحرية والعدالة والديمقراطية، بعيداً عن العناوين والشعارات الكبيرة كموضوع الأمن العربي والعمل العربي المشترك والقضية الفلسطينية وشعارات أخرى استهلك العرب زمناً طويلاً في معالجتها. دون معالجة فإن القادة العرب، معنيون بالدخول مباشرة، وبجرأة إلى القضايا التي باتت تهدد أوطانهم القطرية، أو ما تبقى منها، بعد أن اجتاح الحريق الكثير منها، الحريق اجتاح العراق وسورية وليبيا واليمن ويهدد بانهيار وتمزيق هذه الدول القطرية، بعد أن مزق السودان، ومن غير المرجح أن يستثني هذا الحريق بقية الدول والكيانات العربية بما في ذلك الكيانات التي تعتقد بأنها تجاوزت إلى بر الأمان مثل مصر وتونس والجزائر.
ماذا بعد أن تتعرض هذه الكيانات لتهديد وحداتها، وحكامها، وحكوماتها، وأنظمتها الاجتماعية، وهل يتبقى مجال للتردد والضعف، وتوسل الحماية من الأجنبي؟
الأجنبي هو الذي يخطط، وجاهز كل الوقت للتدخل المباشر، وغير المباشر، لتحريك أدوات محلية، تحت عنوان الثورة والتغيير والتجديد، فيما الهدف الحقيقي، هو الإمعان في الهيمنة على مصادر القوة، والثروة في بلاد العرب.
وبدون مواربة، فإن الولايات المتحدة الأميركية هي مرة أخرى عاصمة المخططات التقسيمية، وعاصمة احتكار المصالح، التي لا تعترف بشراكات كبيرة أو صغيرة، لا مع من تنهب ثرواتهم ولا مع من يتحالفون معها ويتجندون لخوض حروبها، بذرائع تختلقها وتخلقها هي.
من خلق القاعدة، ومن خلق داعش، والنصرة، ومن دعم وسعى نحو انقسام السودان؟ أطراف عديدة في المنطقة تحمل شعارات كبيرة مدفوعة من قوى أجنبية دولية وإقليمية بما في ذلك إسرائيل من أجل تثوير البركان الذي تقف عليه المجتمعات العربية المقموعة والمقهورة من قبل حكامها وأنظمتها الاستبدادية.
إذا شاء العرب أن ينتقلوا إلى مرحلة المقاومة المجدية دفاعاً عن أوطانهم وحقوقهم ومصالحهم/ يترتب عليهم أن يغادروا التناقض الصارخ في البحث عن حلفائهم، والذهاب مباشرة نحو تحالف واضح وقوي نحو خوض المعركة مع العدو الأساس وهو التحالف الأميركي الإسرائيلي.
هذا هو العنوان الأساسي والأبرز، ونقطة البدء الناجحة في المواجهة والذي على أساسه، يمكن التوصل إلى إجابات صحيحة حول كل الملفات من حماية الأمن القطري إلى حماية الأمن القومي إلى حماية القضية والحقوق الفلسطينية والعربية.
وعلى العرب أن يعقدوا اتفاقهم على الدور القيادي لمصر بما أنها تملك كل مقومات وعوامل القدرة على حماية الأمة العربية وما تبقى لها من مصالح وحقوق، معرضة للمصادرة. هذا هو الأمن الوحيد على الصعيدين العربي والإقليمي للتحالفات، وتنويع العلاقات والمصالح على المستوى الدولي، حتى لا يبقى قرار موت العرب وحياتهم بيد التحالف الأميركي الإسرائيلي.