الشرعية الفلسطينية الأخيرة ..

105
حجم الخط

  

 
 
عندما يتحــدث الرصــاص ويخرس القانون يطلق النار على النائب والمعلم والمناضل، والفاعل «مجهول». هذا الفاعل المجهول المعلوم الذي لا يستهدف إلا المزعجين والمخالفين ورافضي الخنوع والانصــياع للرغبات السامية. وغالباً ما يتم الاســـتهداف في مربعات أمنية عندما يداس على القانون بالنعال ويتبدد الحلم بدولة المؤسسات ليحل محلها منطق الاستقواء والديكتاتورية.
 
بعد الممارسة المخجلة لبعض عناصر الأمن الفلسطيني داخل أسوار المجلس التشريعي لم يعد للمنطق والعقل مكان، فالمشهد الفاضح يدفعنا لنكون أكثر تطرفاً بمفرداتتنا من أي وقت مضى، لتناسب هذه المفردات حالتي الجنون والانفلات اللتين أصابتا أركاناً في السلطة الفلسطينية يقودها متنفذون فيها، بغض النظر عن نتائج هذه الممارسات على الناس وأثرها في «فتح» والسلطة وصورة الشرعية التي صدع رأسنا بها بعضهم، علماً أن القضية لا تتعلق بنائب في التشريعي، وإنما هي قضية مؤسسات جبلت جدرانها من عرق الناس، وقانون كتب بدم المناضلين يود بعضهم هدمها برغبة شخصية.
 
لن أخوض في قانونية أو دستورية الإجراء الذي أقدمت عليه عناصر من الأمن الفلسطيني مدفوعة من قمة الهرم، فالجميع تقريباً مدرك بطلان هذه الإجراءات ومخالفتها للقانون، بل أيضاً توجب العقاب لمن أقدم عليها، وعلى الأقل اعتذار وزير الداخلية أو القائم بأعماله، ما لم تكن إقالته على هذا التصرف، والأسباب يعرفها الشارع بوضوح، وهي الحرب على كل صوت يخالف النظام وينادي بالإصلاح ودولة المؤسسات وإعادة تصويب المسار «فلم يشفع للنائب نجاة أبو بكر تاريخها من اعتقالات والإصابات، ولا مكانتها الاجتماعية، ولا موقعها الوظيفي كمنتخبة ومفوضة من الشعب، ولم يحفظ لها حقها في ممارسة قناعاتها الشخصية في علاقتها مع الآخرين».
 
مرة أخرى نكرر ما قالته النائب نجاة أبو بكر: «أبو مازن اسمع منا ولا تسمع عنا. يكرر بعضهم أنه في «فتح» انقسام، وينكره نفر من الناس. هنا أزعم بأنهم صادقون فلا يوجد انقسام في «فتح»، فهذا توصيف ظالم لأن التوصيف الحقيقي والأكثر واقعية للمشهد بأنه توجد غالبية في فتح تعيش وتفكر وتمارس قناعاتها في ناحية، وبعضهم أو أقلية من يجثمون على جسد «فتح» في مربع آخر وهم بعيدون كل البعد من الواقع والمتغيرات والتفاعلات التي تحدث في جسم الحركة. 
وتنقسم هذه الغالبية إلى قسمين: الجزء الأكبر منهم حسم أمره تجاه المواجهة والمجاهرة بطلب التغيير وإعادة تصويب نهج الحركة وإيضاح برنامجها والالتزام بنظامها الداخلي ومأسستها، وجزء آخر صامت خشية الراتب ولقمة العيش ينتظر ويترقب اللحظات الحاسمة والتوقيت الذي سيرد فيه له القرار».
 
قال الرئيس مرة انه لن ينتظر من الشارع أن يقول له ارحل، ونحن نطالبه فقط أن يتجول في سيارته بين أزقة المخيمات ليس من اجل أن يسمع من الناس بل فقط ليرى الشعارات التي خطت على الجدران لعلها تخبره بما لا يخبره به المحيطون.
 
السيد الرئيس خاطبك المخلصون والغيورون على الحركة، وعبّرت القاعدة مراراً عن رغبتها منك في أن تبادر بلملمة شتات «فتح» وتصويب مسارها، لإدراك هؤلاء بأن «فتح» الواحدة القوية والصلبة هي الطريق الأقصر لحفظ المشروع الوطني وإنهاء انقسام الوطن لكنك لم تتجاوب على رغم التوصيات التي سمعتها حتى من قادة عرب وأجانب وعلى رغم كل التقديرات التي تقول انه في حال غيابك لأي سبب هناك خطر فعلي على «فتح» والحركة الوطنية برمتها لأن مؤسساتنا ليست جاهزة لمثل هذا الغياب. المؤسسات التي وعدت أنت في برنامجك الانتخابي وأقنعت جزءاً من «فتح» انك ذاهب لترتيبها والعمل وفقها، إلا أن هذا لم يحدث.
 
إن الشرعية الوحيدة المتبقية من الشرعيات التي يتحدث عنها الجميع هي شرعية الشارع والذي بدأ يقود طريقه منفرداً بعيداً من حسابات السلطة والأحزاب. ولعل صرخة القدس وانتفاضة الشباب أصدق تعبير.
عن الحياة اللندنية