الحصار البحري يفتتح على الاغلب بطلقة تحذير من قذيفة تطلق على سطح السفينة المحاصرة. اذا واصلت السفينة المهددة تحركها فستخترق القذيفة التالية أجزاءها السفلية.
الكشف الصحفي أمس في «وول سترين جورنال» فيما يتعلق بتنصت اسرائيل على المحادثات النووية بين الولايات المتحدة وايران كان طلقة تحذيرية كهذه، عند معرفة أن بنيامين نتنياهو سيشكل الحكومة القادمة. ليس هناك حالة جرى فيها أن مراسلي صحيفة «جورنال» جمعوا المعلومات عن طريق عمل حثيث: لقد حصلوا على تلك المعلومات عن طريق تسريب مبرر ودقيق ومبادر إليه من الادارة من اجل التوضيح لرئيس الحكومة المنتخب والشيطان المناوب في رأي البيت الابيض أن أجندته مكشوفة كغطاء محرك مفتوح. مهمات تجسس اسرائيل في الولايات المتحدة مكشوفة منذ اعتقال جونثان بولارد من قبل الـ «اف.بي.آي» على مدخل السفارة الاسرائيلية في واشنطن وأُرسل الى السجن المؤبد.
الولايات المتحدة التي ضُبطت وهي تتجسس على حلفاء كثيرين لها بما فيهم اسرائيل لا تضع يدها في صحن القمر الصناعي. ولولا تلك الامكانيات لكان من المشكوك فيه أنها كانت ستكشف النشاطات السرية لإسرائيل. ليس في هذه القصة أخيار وأشرار بل دولتان تتحركان في خطين متوازيين، الكراهية وقصة حب.
التنكر الضعيف لإسرائيل جاء في محاولة لتوضيح حقها الكاسح في النضال بكل الوسائل المتاحة لها ضد الصفقة النووية الآخذة في التبلور بين الولايات المتحدة وايران في اللقاءات التي تجري في أرجاء مختلفة من اوروبا في محاولة للتشويش على الجواسيس.
لقد اتبعت اسرائيل تقنيات تعتمد على مصادر بشرية والكترونية من اجل تزويد نتنياهو بالمعلومات المُحدثة التي كان يحتاجها من اجل عرض حالة مبررة في خطابه في الكونغرس قبل الانتخابات.
لقد قامت الادارة بإطلاق طلقة التحذير على سطح سفينة نتنياهو قبل خطابه، وبهذه الطلقة حُذر عن طريق ذلك بألا يكشف تفاصيل سرية عن مضمون المحادثات، تحذير خفض لهيب الغضب المقدس المشتعل في صدره. لقد أوضح التحذير للجهات الاسرائيلية ذات الصلة بأن صديقتنا الكبرى تعرف جيدا وبتفصيل شديد حجم الاختراق الاسرائيلي للغطاء السري للمحادثات.
أكثر من السوء الكامن في التجسس المشترك بين الدولتين في ذروة الازمة الأكبر في العلاقات بينهما، فقد هدف التسريب الأميركي الى توضيح السخط الكبير على ما يفعله نتنياهو بالتفاصيل الذي تصل إليه – اعادة تسريبها لقدس أقداس الديمقراطية الأميركية. السخط على الطريقة عديمة الآثار التي استخدم فيها المعلومات التي حصل عليها من اجل اثارة حلفائه الأميركيين وتزويدهم بالخطوط العامة للمفاوضات والتنازلات التي تستعد الولايات المتحدة لإعطائها لإيران من اجل الوقف المؤقت لحصولها على السلاح النووي.
اسرائيل تدوس برجلها بشدة على جرح ملتهب في الوعي السياسي الأميركي، الذي كانت قضية «ووتر غيت» نقطة التحول له.
اكثر من الجريمة نفسها فانهم في الولايات المتحدة غاضبون على التغطية. حتى لو أن الأميركيين تعلموا التعايش مع الاختراق الاسرائيلي لأجهزة التغطية والسرية لهم كأمر لا يمكن منعه فان اميركا لا تستطيع المرور مر الكرام على الاستخدام العلني للمعلومات التي جُمعت بطرق غير مشروعة من قبل نتنياهو من اجل افشالها.
إن كشف الاختراق الاسرائيلي للغرفة المغلقة للمفاوضات السرية مع ايران وعرض تفاصيلها غير المنتهية أمام الجمهور الأميركي مقابل اليد الممدودة دائما للبلايين الكثيرة من المساعدات الامنية، يعتبر صعود درجة خطيرة وانهيار صعب للعلاقات السيئة بين الدولتين. قبل أن يشكل حكومته الجديدة وعلى خلفية تصريحاته التاريخية التي تبدو كأنها تغلق الباب أمام المصالحة مع الفلسطينيين، أوضح اوباما لنتنياهو بواسطة صحيفة «جورنال» أنه يقرأه مثل كتاب مفتوح وأنه ليس هناك سوى خطوة واحدة تفصله عن تمزيق الكتاب أو اغلاقه بضربة شديدة.
من الجدير بنتنياهو والكادر اليميني المتطرف المحيط به أن يقرأوا بحذر معالم الحفلة الموسيقية التي يعزفها اوباما على جبهته.
عن «معاريف»