نسمع من حين لآخر عن تغريدات ومقالات حول خلافات داخل حركة حماس؛ أي بين الجناحين العسكري والسياسي، ويتم طرح أسماء لاستكمال المشهد، وإثراء التحليلات..
والحقيقة أن القريب من الخارطة الشورية في الحركة يعجب لخصوبة خيال البعض، ودخوله في تفاصيل حول شكل الصراع القائم وطبيعة المنافسة بين السياسي والعسكري، إذ أن ترويج مثل هذه الخلافات الوهمية والأدعاء بوجودها يخدم من يبحثون عن تكريس الوقيعة بين الفلسطينيين، وشرذمة صفوفهم.. طبعاً؛ تبدأ المواقع العبرية الأمنية في تسويق مثل هذه الروايات، ثم تنقل عنها مواقع فلسطينية وعربية مع مزيد من الحبكة القصصية، وبعد حين تنفتح شهية الكتَّاب والمحللين لصياغة مقال سياسي يتوسع فيه صاحب القلم ليبني سيناريوهات تناسب واقع الانقسام والتشظي القائم، مما يزيد الحالة بؤساً واحباطاً وتعاظماً لوضعية التشاؤم واليأس.
بالأمس نشر أكثر من موقع إعلامي خبراً ومقالاً حول وجود خلاف بين الأخ خالد مشعل؛ رئيس المكتب السياسي للحركة، والأخ يحيى السنوار؛ أحد القادة العسكريين في القسام، على خلفية الموقف من إيران!!
ولما كان الخبر يفتقر إلى الحقيقة أحببنا التوضيح، حيث إن القرارات في الحركة يتم إتخاذها بالتصويت عليها ولا يمكن لأي قائد مهما بلغت مكانته أن ينفرد بقرار لوحده؛ لذا فإن مثل هذه الخلافات لا يمكن أن تقع نقطة وآخر السطر. صحيح عندنا في الحركة شخصيات تصدر عنها تصريحات تبدو وكأنها تمثل موقف مستقل، ولكن هذا يقع عندما لا تكون هناك محددادات أو مواقف واضحة، وهناك أيضاً اجتهادات يطلقها البعض ولكن بأسلوب يعكس طبيعة المدرسة التي ينتمي إليها من حيث الاعتدال أو التشدد.
وأنا هنا أحببت التوضيح فقط لمن لا يعرف كيف تدار العلاقة داخل الحركة وبين قياداتها السياسية والعسكرية، حيث يجمعنا في الحركة إطار شوري واحد تتحدد داخله المواقف والسياسات، في إطار رؤيتنا الاستراتيجية التي سبق أن توافقنا عليها جميعاً.
إن حماس ليست حركة يحكمها أو يتحكم بها شخص واحد مهما بلغت مكانته أو تاريخه، والكل يستمد قوته من احترام إخوانه له وتقديرهم لموقعه، إذا كانت رؤية الحركة هي الحفاظ على علاقة متوازنة مع عمقنا العربي والإسلامي، والابتعاد عن سياسة الأحلاف لتبقى القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمة، فإن هذا معناه أننا سنحافظ على مسافة متساوية مع الجميع؛ أي أن تظل علاقاتنا قائمة مع مصر والسعودية وإيران وتركيا كدول مركزية بالمنطقة بعيدة عن أي شكل من أشكال الاصطفاف الممقوت، وأن نجتهد مع ما يجمع شمل أمتنا ويرأب الصدع فيما بينها.
لقد سبق أن قلنا أن علاقتنا مع إيران وحزب الله قد تأثرت بسبب ما يجري في سوريا والعراق، ولكننا لن ننسى فضل ما قدموه دعماً لقضيتنا ولكتائب القسام، وهم ما زالوا على العهد تجاه مقاومتنا المسلحة، وإن بدرجة أقل من السابق. والحركة حريصة على أن تبقى حبال الوصل قائمة؛ لأن معركتنا مع المحتل الإسرائيلي ما تزال مفتوحة، وهم يتربصون بنا وبهم وبحزب الله الدوائر، ونحن لا نريد أن نباعد بيننا وبين أحد من دول أمتنا أو نخسره، ونتمنى أن تنتهي الحرب في سوريا والعراق واليمن وأن يجتمع شمل الأمة من جديد، فهذا كسب لنا جميعاً.
والسعودية هي الأخرى سند قوي لنا ولقضيتنا، ولا يمكن بحال أن نسمح بالخلاف معها، فهي للأمة عمود الخيمة وكلنا نحتاج للتنسيق معها، كما الحال مع مصر الشقيقة؛ الجار الأهم لنا، والذي كابد معنا، وتحمل إلى جانبنا تبعة المواجهات الدمية مع العدو الصهيوني طوال عدة عقود من الزمان.
وفي السنوات العشر الأخيرة في تركيا، شاهدنا تحولات جذرية في سياسة حزب العدالة والتنمية (الإسلامي)، حيث أعاد أردوغان للقضية الفلسطينية مكانتها في سياسات بلاده الداخلية والخارجية، وأحيَّ وشائج القربى بيننا وبينهم، فصارت لهم حظوة بين الفلسطينيين، وغدت تركيا أردوغان قريبة إلى قلوبنا وبيننا شيء من تداول الرأي والمشورة.. وبالرغم من كل مساعينا في عدم المفاضلة بين كل هؤلاء، ونجتهد أن لا يساء فهم علاقاتنا تجاه أي دولة من هذه الدول الأربع على وجه الخصوص، إلا أن البعض يصر على التصنيف والاتهام.!!
باختصار: لا يمكن أن يكون بين القادة السياسيين أوالعسكرين في حماس خلاف فيما بينهم حول السياسة تجاه هذه الدولة أو تلك، فنحن يجمعنا "مبدأ العلاقة المتوازنة مع الجميع في العمق العربي والإسلامي"، ونحن لا نفرط بأحد حتى وإن اختلفنا معه؛ فشعرة معاوية ستبقى قائمة تحفظ الود والعتب إلى أن تنتهي نقطة الخلاف، ويجتمع الشمل من جديد. وللذين يحاولون تسويق أوهام الخلاف بين القيادة السياسية والعسكرية في حماس نقول لهم: موتوا بغيظكم أو هاتوا برهانكم.