على ذات الطريق التي تجمع بين بيت ريما ودير غسانة تقع منطقة بني زيد الغربية التي تضم المقامات الاسلامية " الخواص ــ المجدوب ــ الرفاعي " التي توجد على خط هوائي واحد تقريبا والتي يروى تاريخيا بأن أصحابها كانوا يسيرون على ذات الطريق، فيستلهم الزائر منها دعوة للوحدة و الاصرار على البقاء.
تبدأ رحلة المسار على القدمين من احضان حديقة الخواص في نقطة تقع بين القريتين بيت ريما – دير غسانة ، وعلى مسافة تصل الى 11 كم تقريباً ، من منطقة بني زيد الغربية التي تبعد 25 كم شمال غرب مدينة رام الله وعلى بعد 22كم شرق البحر الابيض المتوسط، تتصل القريتان معا بطريق رئيسي معبد و ترتفع حوالي 500 متر عن سطح البحر.
عزف الطيور
في أقصى شمال قرية دير غسانة يقع مقام الخواص المهيب بقبتيه الحمراواتين على مساحة تقارب 21 دونم وعلى قمة ترتفع حوالي 540 م وفي نقطة تقاطع 32 درجة شمالا و 35 درجة شرقا، والذي يعود لصاحبة الشيخ ابو اسحق بن أحمد بن اسماعيل الخواص السامرائي ، والذي تم ترميمه وانشاء حديقة له ليصبح احد واهم مراكز التنزه و النشاطات الاجتماعية في المنطقة.
وفي الطرف الغربي لأرض الخواص تطل بعيدا بالاتجاه الغربي و على بعد حوالي 2,5 كم هوائي تلوح القبة الزرقاء لمقام المجدوب ، ليلتقي على السفح بينهما مقام الرفاعي الأثري القديم لتتلاقى الأرواح والفكرة مسجلين لوحة من التاريخ والطبيعة الخلابة .
وعلى المفترق الاول بالاتجاه الغربي، يبدأ المسار في طريق بين اواخر القرية من خلال طريق زراعي ممهد، لترى النباتات و الازهار والأشجار المتنوعة التي تطل من طرفي الطريق و يصاحبها عزف الطيور كل بلحنه المنفرد لتجتمع الاصوات في أوركسترا رائعة أبدعها الخالق سبحانه و تعالى.
مقام المجدوب .. هدوء روحاني عجيب
ويصل الزائر بعد مسير حوالي ساعة و نصف الى القمة المؤدية لمقام المجدوب، ليجد نفسه محاطا بالوديان السحيقة الخضراء عن يمينه ويساره بعيداً عن تلوث الحياة اليومية وضوضائها، ليلمس الانسان روحه العميقة الداعية إلى احترام الأرض والطبيعة و خدمتها بحمايتها و الحفاظ على هويتها و طبيعتها العذراء الخلابة.
وعلى القمة تقريبا او دونها ببضعة أمتار و على ارتفاع حوالي 400م يطل مقام المجدوب بصورة مفاجئة، في حين يظن الزائر ان امامه مزيدا من الوقت، يرحب به المجدوب بهدوء روحاني عجيب عارضا واحة للاستراحة و نسيان التعب الذي ناله بعد المسير وصولا اليه.
و اذا استدار الزائر حول المقام سيجد غرفة أخرى حولها ساحة صغيرة في طابق اسفل المقامات العلوية تعود لامرأة صالحة دفنت فيها، بقي مقامها حاضرا الى اليوم يحافظ على سترها حتى بعد وفاتها بعقود طويلة.
مقام الرفاعي .. غموض وعبق تاريخي
واذا توقف الزائر في أقصى شمال المقام سيجد الخواص قبالته و ليعلم ان بينهما و على السفح المقابل يقع مقام الرفاعي الذي سيعود له أدراجه لاكتشاف مزيدا من الغموض وعبق تاريخي، وهو يبدأ بالنزول بالاتجاة الشمالي الشرقي نحو القمة المحاذية لقمة المجدوب، وعلى سفحها الشمالي على ارتفاع حوالي 300 م على بعد ساعة من المسير تقريبا توجد بقايا مقام الرفاعي المعانق لمقامي الخواص والمجدوب ، ولكنه يهبط بالمسافة العامودية بينهما تواضعا و يلتقي بهما حبا و اجلالا رغم ما يعانية من تخريب من قبل لصوص الاثار .
ويتناول الزائر طعام الغداء في احضان المكان مستمتعا بالنظر الى الوادي المقابل له والذي سيخوض غمار النزول اليه بعد قليل ، مزيدا من السير بالاتجاه الغربي و النزول بالاتجاه الشمالي هبوطا الى ارتفاع يصل الى 200م أي الهبوط التدريجي من المجدوب الى الرفاعي الى وادي صريدا نحو 300 م بالاتجاه العامودي.
وسيتعرف الزائر خلال سيره على السفح و نزوله نحو الوادي على منطقة البيدر والتي كان المزارعون يجمعون فيها القمح خلال مواسم الحصاد، تلك المناطق التي امتازت بطبيعتها الصخرية فكانت ملائمة لهذا العمل.
اندهاش الزائر
يحتاج النزول وصولا الى بطن وادي صريدا حوالي ساعة من المسير في طريق سير عرضي حوالي متر في سفح الجبل، يستظل الزائر عن يساره جنوبا بظل الجبل و يطل عن يمينه الوادي ببهائه الخلاب وبصوت الطيور المختلفة، المرافقة للزائر التي تضيف جمالا اخر على جمال الطبيعة الساحرة الآسرة هناك.
سيدهش الزائر لجمال وادي صريدا متى وصل اليه، ويرى تجمع مياه الأمطار في سيل حسب موسم الامطار، بينما نهر يبلغ عرضه حوالي ثلاثة امتار من الحصا تميز الطريق الممتد الى أقصى الغرب والتي تتفرع في نهاية الوادي الى الأمام نحو البحر الأبيض المتوسط , يلتف جزء منها جنوبا نحو عين الزرقاء و وادي عابود الشهير.
وبالقرب من خربة عثمان على السفح الجنوبي للوادي، تتواجد بعض مضارب البدو في المنطقة ، حيث يكون عن يسار الزائر اثار باقية لخربة عثمان وعن يمينه جبال شاهقة تحتوي كهوفا أثرية غاية في الجمال ترتفع حوالي 450 م عن سطح البحر فيها آبار قديمة يمد منها البدو انابيب الماء لاحتياجاتهم الدائمة.
اغتصاب اسرائيلي
وفي نقطة أسفل قمة الكهوف حيث عن يمين الزائر بالاتجاه الشمالي اراضي دير بلوط، و امامه مباشرة تجد قوات الاحتلال الاسرائيلي تختار القمة المطلة على الوادي لتغتصبها مقيمة عليها" مستوطنة اللبن" ينعطف الزائر يسارا بالاتجاه الشمالي و يمكنه الاستراحة قرابة العصر تقريبا بالقرب من بئر صريدا، وهو بئر قديم يمتلئ بالماء دائما وكان يسقي أصحاب الأراضي التي يزرعها أصحابها بالزيتون الرائع ويحافظون عليها حتى اليوم رغم المضايقات من قبل الاحتلال و محاولة الاستيلاء عليها.
ويخدم الأراضي أصحابها حتى اليوم وتكون طريقا زراعية ممهدة للانعطاف جنوبا بعد الاستراحة بجوار البئر نحو وادي عابود ، ويترك الزائر الوادي خلفه بكل ما فيه من نباتات و ازهار محتفظا بها ذكرى في مخيلته الى الأبد.
زحليقة جابر
وبعد الانعطاف جنوبا يظهر الوادي مليئا بالحصا ويستمر بالانحدار جنوبا لتبدأ الحدائق الغناء بالظهور عن يمين الزائر والاخاديد الصخرية التي شكلتها المياه تحاذيه عن يساره حتى بلوغ "زحليقة جابر " الشهيرة لدى أهل المنطقة، هناك تتشكل بفعل نحت المياه أخدودا كبيرا يشكل بركة كبيرة عند امتلائه بمياه المطار و هناك تزحلق احد أهالي بلدة بيت ريما قديما فسميت المنطقة باسمه.
وعلى بعد بضعة أمتار تنبع عين الزرقاء المتدفقة من بطن الجبل غربا وهناك يرتاح الزائر في نهاية مساره مطلا غربا على قمة في سفحها مغارة الحمام الشهيرة، وامامه وادي الليمون و عيونه النضاحة.
وهنا بالقرب من عين الزرقاء يمكن لسيارات الدفع الرباعي أو باصات صغيرة تتسع لسبعة ركاب ان تلاقي الزائر لتقله بعد مسافة 11 كم من السير الى الحياة العادية مجددا، أو يمكنه السير اماما الى وادي الليمون و الاستراحة بالمتنزهات المقامة هناك ليلا و حتى ساعة متأخرة وسط الطبيعة الرائعة.