عبثاً تحاول السلطات المصرية إبعاد شبهة تعذيب الباحث الإيطالي الشاب جوليو حتى الموت عن نفسها، منذ أول محاولة عندما زعمت عقب العثور على الجثة، على لسان نائب مدير الإدارة العامة لمباحث الجيزة، اللواء علاء عزمي، أن الواقعة لا تعدو أن تكون "حادث سير"، لا شبهة جنائية فيها، لتعلن وزارة الداخلية في بيانها الأخير، أمس الخميس، زاعمة أنها قتلت "العصابة" المتورطة بقتل ريجيني.
ولدى السلطات المصرية تاريخ من عدم الصدقية، خاصة في قضايا التحقيق والمحاكمات المستمرة بالآلاف، والمؤبدات على خلفيات التظاهر للمصريين، وهذا ما تراه إيطاليا التي تصرّ على معرفة أدق التفاصيل للكشف عن غريمها الحقيقي.
وفي موقف لا يخلو من المفارقة، كشفت تحقيقات نيابة القاهرة الجديدة برئاسة المستشار شريف عبد المنعم، أن "التشكيل العصابي" الذي تمت تصفيته بالتجمع الخامس، وقالت وزارة الداخلية إنه المسؤول عن قتل الطالب الإيطالي؛ ليس له علاقة بمقتل جوليو ريجيني، بحسب ما نقل موقع صحيفة "البديل" المصرية.
وقال رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينتسي، يوم الجمعة، إن روما تريد معرفة "الحقيقة جلية" في قضية مقتل جوليو ريجيني، وأضاف: "لا تزال الحكومة الإيطالية مصرة على أن يسلط التحقيق الجاري الضوء بشكل كامل وشامل دون ظلال من الشك حول موت الباحث الإيطالي الشاب".
بدورهم، أكد المحققون الطليان المعنيون بملف ريجيني، أن قضية مواطنهم المغدور "أبعد ما تكون عن الإغلاق".
وأضاف المحققون أنه "لا يوجد دليل محدد يؤكد مسؤولية أفراد التشكيل العصابي"، وقالوا إن مصر لم تسلم إيطاليا بعد بيانات تحقيق مهمة.
- البيان وما وراءه
وباتت روايات وزارة الداخلية المصرية حول مقتل الشاب الإيطالي، محطاً للتندر والسخرية، فيما حمل بيانها الأخير الذي صدر الخميس، دليل تورطها، على ما أفاد نشطاء ومدونون.
وبعد نحو شهرين على مقتل ريجيني، خرجت السلطات المصرية، الخميس، لا لتعلن نتائج التحقيقات، إنما لتعلن أنها "قتلت" عصابة "متخصصة" بخطف وقتل السياح والأجانب، حملتها دم ريجيني.
وقال بيان الداخلية: "تمكنت الأجهزة الأمنية بمديرية أمن القاهرة، صباح اليوم (الخميس)، من استهداف تشكيل عصابي مكوّن من أربعة أشخاص، بنطاق القاهرة الجديدة (شرق العاصمة)، تخصص في انتحال صفة ضباط شرطة، واختطاف الأجانب وسرقتهم بالإكراه.. مضيفاً أنهم لقوا حتفهم جميعاً، بعد تبادل لإطلاق النار".
وأشار البيان إلى أنه "تم استهداف محل إقامة شقيقة المتهم الأول، وأنه "عثر بداخل المسكن على حقيبة يد حمراء اللون عليها علم دولة إيطاليا، بداخلها محفظة نقود بنية اللون، بها جواز سفر باسم جوليو ريجيني مواليد 1988، وكارنيه (بطاقة هوية) الجامعة الأمريكية الخاص به، وعليه صورته الشخصية ومدون به باللغة الإنجليزية باحث مساعد، كارنيه جامعة كامبريدج خاص به، وفيزا كارت خاصة به، وهاتف محمول (خلوي)".
وفي بيان آخر يوم الجمعة، أضافت الداخلية أنها عثرت في منزل أحد أفراد "التشكيل العصابي" على كارنيه مزور (بطاقة هوية) منسوب صدوره لوزارة الداخلية، ومثبت عليه صورة طارق سعد عبد الفتاح، وبطاقة تحقيق شخصية مزورة، منسوب صدورها لقطاع مصلحة الأمن العام".
وبعيداً عن كثير من الملابسات التي تؤدي إلى احتمالية تورط السلطات المصرية باعتقال وتعذيب الشاب الإيطالي حتى الموت، والتي باتت ترددها وسائل إعلام دولية، إلا أن نشطاء ومراقبين مصريين وجدوا في بيان الداخلية دليلاً آخر على تورط الداخلية، ويدينها من حيث أرادت إبعاد الشبهة عن نفسها، فيما اعتبر مغردون أن أفراد "العصابة" ليسوا سوى "كبش فداء" قدمته الوزارة لتنجد عناصرها أمام الضغط الإيطالي والأوروبي المتزايد في القضية.
وفي هذا الصدد، قال الناشط السياسي وائل غنيم، على صفحته الرسمية على فيسبوك، ساخراً من بيان وزارة الداخلية: "لطيف جداً موضوع أن عصابة سرقة الأجانب بعدما خطفوا جوليو ريجيني وعذبوه لحد الموت، قرروا الاحتفاظ بجواز سفره وكارنيه جامعته في بيتهم على سبيل الذكرى، بالرغم من إنهم شايفين الإعلام العالمي والمحلي ليل نهار بيتكلم عن القضية وأجهزة الأمن بتدور على القتلة".
وغرد الإعلامي البارز باسم يوسف، مخاطباً السلطات المصرية قائلاً: "يعني أنتم دلوقتي عاملين زي العيل الخايب اللي بيداري فشله ومصيبته لأي قصة ما تدخلش عقل أي بني آدم. كفاية رخص بقى".
بدوره، طرح القيادي بحزب المصري الديمقراطي، زياد العليمي، عدداً من الأسئلة بشأن بيان وزارة الداخلية، منها: "ليه العصابة احتفظت بأوراق الطالب اللي قتلته؟ وليه ما جمعوش من ضحايا تانيين؟ العصابة بتسرق أجانب، ليه تقتله؟ وليه عذبوه؟ وليه ما سحبوش فلوس ولا اشتروا حاجة بالكريديت كارد؟ إزاي اتخطف من وسط ميدان التحرير يوم 25 يناير وسط التواجد الأمني ده؟".
وتابع العليمي في منشور له على صفحته على فيسبوك: "ليه العصابة تمشي في عز الظهر بواحد مقتول؟ إزاي العصابة كلها اتقتلت؟ وليه المجرمين ما شربوش الحشيش اللي لقوه ف شنطة ريجيني؟".
وغرد ناشط مصري قائلاً: "نداء إنساني إلى الحكومة الإيطالية.. نرجوكم حفظ التحقيق في قضية ريجيني لحفظ دماء المصريين الأبرياء اللي حكومتهم بتقتلهم عشان تبرأ نفسها قدامكم"، في لمز بأن السلطات المصرية قتلت من قالت إنهم أفراد عصابة ككبش فداء.
فيما اقترح المغرد عمرو على الرئيس عبد الفتاح السيسي طريقة أفضل للتعامل مع القضية، عبر شراء أطنان من المعكرونة والبيتزا لطي الملف.
وحول أغراض الضحية، التي قالت الداخلية إنها وجدت في شقة "العصابة"، علّق عمرو: "أغراض ريجيني نظيفة زي الفل، كأنها كانت محفوظة في وزارة الداخلية في مكتب ظابط".
ويشكل موت ريجيني ضغطاً على الحكومة الإيطالية أيضاً، ففي تغريدة على تويتر موجهة إلى وزير الخارجية باولو جنتيلوني، ألمح أليساندرو دي باتيستا، النائب البارز عن حركة خمسة نجوم، يوم الجمعة، إلى أن الحكومة مهتمة بتطوير شركة إيني الإيطالية لحقل الغاز الطبيعي المصري الضخم (ظُهر) أكثر من اهتمامها بريجيني.
وقال: "هل تريد يا جنتيلوني أن تقول شيئاً عن ريجيني والروايات المصرية التي لا أول لها ولا آخر (عن مقتله).. أم أن النفط أكثر أهمية من مقتل أحد مواطنينا؟".
وأرسلت إيطاليا فريقاً من سبعة أفراد للتحقيق في مقتل ريجيني، لكن بعد نحو شهرين من وجودهم في القاهرة قالوا إنهم لم يحصلوا على الأدلة التي يرون أنها ضرورية لإجراء تحقيق ملائم.
ويأتي ذلك بعد نحو شهرين على مقتل الشاب الإيطالي في القاهرة، الذي جلب للسلطات المصرية انتقادات حقوقية واسعة، خاصة من الجانب الأوروبي، إذ صادق البرلمان الأوروبي، في 10 مارس/آذار، على قرار يقول إن حالات الاختفاء والتعذيب "أصبحت شائعة في مصر"، ويدعو القاهرة للتعاون بشكل كامل مع إيطاليا في واقعة تعذيب وقتل "ريجيني".
وكان السفير الإيطالي في القاهرة، ماوريتسيو ماساري، قال في وقت سابق: إن "ريجيني تعرض للتعذيب والضرب المبرح قبل وفاته"، مشيراً إلى أن "علامات الضرب والتعذيب كانت بادية بوضوح، كما بدت الجروح والكدمات والحروق على جسده".
وأعلن مغردون ساخرين، العثور على الطائرة الماليزية المفقودة منذ عامين على سطح بيت أحد أفراد التشكيل العصابي.
عن الخليج أون لاين