في الوقت الذي كان المجلس العالمي لحقوق الإنسان يصوت لصالح أربعة قرارات منصفة ذات علاقة مباشرة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي كان أحد الجنود الإسرائيليين في الخليل يطلق النار على المواطن الفلسطيني عبد الفتاح الشريف وكأن هذا الجندي مدفوعاً بعفوية تعبر عن طبيعة الاحتلال، يقدم الرد على قرارات المجلس الأممي.
فيما تواصل إسرائيل إنكار الادعاءات الفلسطينية المتكررة، بأن الجيش الإسرائيلي يمارس الإعدامات الميدانية خارج القانون، جاء ذلك الجندي ليؤكد أمام العالم بالصوت والصورة، الادعاءات الفلسطينية، ولو لم يفعل ذلك لبقيت إسرائيل تنفي، ولبقي العالم سلبياً، بين متواطئ، أو داعم للرواية الإسرائيلية.
إذا كان ذلك الجندي قد تصرف بشكل عفوي وتلقائي بناء لما تلقاه من ثقافة وتعليمات، تعكس تزايد العنصرية في المجتمع كما على المستوى السياسي والعسكري، فإن زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان، قد أكد هذه الحقيقة، حقيقة أن إسرائيل بكليتها تنزلق أكثر فأكثر نحو درك العنصرية والتمييز ضد كل من هو غير يهودي.
وتعكس هذه الطبيعة العنصرية والمستهترة تصريحات ليبرمان ونتنياهو وغيرهما من المسؤولين، على القرارات التي اتخذها مجلس حقوق الإنسان، فالحل بالنسبة لهؤلاء، يكون بمقاطعة المجلس ورفض أي قرارات، أو تحقيقات تصدر عن أية جهة أو مؤسسة أممية.
لا أملك ولا أعتقد أنني بحاجة لتقديم معطيات رقمية عن عدد القرارات، التي صدرت عن مؤسسات أممية، وكلها تقريباً لصالح القضية الفلسطينية لكن السؤال يبقى في عهدة هذه المؤسسات، وفي عهدة القوى النافذة على المستوى الدولي، والتي بالمحصلة تشجع إسرائيل على مواصلة التصرف كدولة مارقة، لا تعترف بالقوانين والمواثيق الدولية، ولا تهتم بما يصدر عنها. في التصويت على القرارات الأربعة من قبل مجلس حقوق الإنسان، حظيت القرارات على تحفظ أربع عشرة دولة وموافقة ثلاث وثلاثين دون أن يكون هناك أي صوت معارض، ما يعني أنه حتى الدول التي تدعم إسرائيل، تخجل من أن تجد نفسها في موقف المعارض لقرارات تستند إلى القوانين والقرارات الدولية بما في ذلك، وخصوصاً ما يتعلق بالاستيطان غير القانوني وغير الشرعي.
لعل اهم قرارات مجلس حقوق الإنسان ما يتعلق بالاستيطان، كفعل يستحق الإدانة، ويستحق العقوبة، حيث يطالب القرار المفوض السامي لحقوق الإنسان بوضع لائحة سوداء بالبضائع والشركات، والأطراف المتعاونة في تسويق بضائع المستوطنات، والمساهمة في إنتاجها.
هذه القرارات تندرج في سياق عام، يتابعه مجلس حقوق الإنسان، الذي شكل أكثر من لجنة تحقيق بشأن جرائم ترتكبها إسرائيل، التي ترفض كل الوقت التعاون مع هذه اللجان في آخر حلقات الرفض الإسرائيلي، رفضها للتعاون مع اللجنة التي أرسلتها الجنائية الدولية لفحص بعض الملفات، ما اضطرها للبقاء في الأردن، ومقابلة اللجنة الفلسطينية المختصة هناك.
من الواضح أن إسرائيل لا ترغب في أن تجد نفسها وقد اندفعت أكثر فأكثر نحو المزيد من العزلة الدولية، ولكن ماذا ستفعل إسرائيل إذا كانت هذه هي طبيعتها، وهذا هو جوهرها، الذي لم يعد خافياً على أقرب حلفائها. أقرب حلفائها الولايات المتحدة، يعلن رئيسها باراك أوباما أنه لا يتوقع حلا للصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس رؤية الدولتين خلال ما تبقى من وقته في البيت الأبيض. الولايات المتحدة تتخلى عن مسؤولياتها لكنها لا تتخلى عن احتكارها للملف، ومنع آخرين من التقدم بمبادرات ذات جدوى، حتى لو كانت فرنسا، الحليفة لإسرائيل والولايات المتحدة.
هذا هو مغزى التحرك السياسي الذي قام به كل من وزير الخارجية جون كيري، ونائب الرئيس الأميركي جو بايدن، اللذين يتحركان، لمساعدة إسرائيل في إفشال المبادرة الفرنسية بدعوى أن هناك أفكاراً أميركية. على كل حال فإن المبادرة الفرنسية فقدت بعض اهم ملامحها حين تخلى وزير الخارجية الفرنسي الحالي عن التعهد الذي اطلقه زميله السابق، الذي قال إن فرنسا ستعترف بالدولة الفلسطينية في حال فشلت مبادرة الدعوة لمؤتمر دولي. لست ممن يقللون من أهمية القرارات التي اتخذها مجلس حقوق الإنسان، ونتائج التحقيقات السابقة التي أجراها، إذ انها على الأقل تساهم في خلق وعي جديد وثقافة جديدة لدى المجتمع الدولي بشأن حقائق الصراع في هذه المنطقة، ولكن الأمر في الواقع العملي يعود إلى مدى التزام الدول خصوصاً الأوروبية بهذه القرارات.
القارة العجوز والتي لا تزال تحظى بتأثير كبير على المستوى الدولي تبدو مترددة، بين مواصلة دعم إسرائيل بما هي عليه، وبين الصمت السلبي إزاء ما ترتكبه من جرائم تفضح سياسة المعايير المزدوجة التي تتبعها دول الاتحاد الأوروبي. البرلمان الأوروبي سبق له أن اتخذ قرارات بمقاطعة بضائع المستوطنات، وتحذير الشركات التي تعمل في المستوطنات، ومع المستوطنين لكن المحصلة، ان اسرائيل نجحت في تسوية خلافاتها مع الاتحاد الأوروبي، وان بعض الدول منها من رفض القرار منذ البداية مثل اليونان والمانيا وهولندا ومنها من تراجع عنه مثل بريطانيا وفرنسا.
في كل الأحوال، فإن قرارات مجلس حقوق الإنسان والبرلمان الأوروبي تحظى بأهمية بالغة على المديين القريب والبعيد، لكن ما يؤثر سلبياً على تلك القرارات هو أن الفلسطينيين، لا يزالون على ضعفهم وانقسامهم، ولا يزالون غير قادرين على القيام بواجباتهم تجاه انفسهم، ما يشكل عائقاً أمام تحقيق إنجازات ملموسة خاصة وأن الوضع العربي لا يزال هو الآخر، مغيبا عن الفعل والتأثير.